في الركن البعيد من أسوار مدرسة (7 يوليو) للبنات بالعاصمة صنعاء تقوم شابة مرتدية جاكت أزرق بطلاء جدران المدرسة بعناية.. ليست نسيم القطيبي وحدها من أثار الدهشة بالقيام بهذا العمل، لكنها ضمن 17 فتاة تم إشراكهن في خوض تجربة العمل في الطلاء لمدة شهرين كجزء من منهجية ( 3× 6) الابتكار في توليد فرص عمل للشباب التي تم إطلاقها عبر مشروع تمكين الشباب اقتصادياً. لم تكن نسيم تتوقع أن تمسك فرشاة وتعمل في مهنة الطلاء وكانت تعده مستحيلا لها، لكن ذلك تحقق على الواقع وتعلمت الطلاء، تقول نسيم: “الكل بدأ يفكر كيف يعيد طلاء منزله لقد أعدنا طلاء أكثر من 14 مدرسة وتعلمنا كيف ندخر وتخرجنا من المرحلة الأولى من المنهجية وكل مشارك سيعمل على ترجمة مشروعه الخاص خلال المرحلة الثانية على أرض الواقع”. المشروع يهدف إلى إيجاد فرص عمل مستدامة للشباب والشابات من خلال تدريبهم على مهن معينة يستطيعون من خلالها تحقيق دخل كافٍ لبدء مشاريع وأعمال تجارية جديدة تحقق لهم دخلا مستداما، بدعم من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الإنمائي وحكومة اليابان. نسيم القطيبي تعمل في مجال التدريب والتحقت بالبرنامج ولديها طموح وتصميم على افتتاح مركز لتدريب الشباب، لكنها لم تكن تعرف من أين تبدأ وكيف، لاسيما وأن المبلغ الذي تملكه لا يكفي للتنفيذ وكلها أمل في الحصول على تمويل كافٍ لإنجاز مشروعها. وتشير إلى أنها بعد التحاقها بمؤسسة لأجل الجميع للتنمية الشريك المنفذ للمنهجية، أصبحت تعرف كيف تبدأ وتحدد هدفها ومشروعها واستغلال الفرص ومواجهة الصعوبات، إضافة إلى اكتساب مهنة قد تحتاجها مستقبلا إذا واجه مشروعها أي صعوبات. بالإضافة إلى الطلاء تم تدريب الشباب والشابات الملتحقين بمنهجية (3 × 6) البالغ عددهم 70 شابا وشابة في مجال الأعمال والمهارات الحياتية وكيفية دراسة الجدوى للمشاريع وإعداد الموازنات وطرق إنشاء المشاريع الصغيرة وتأهيلهم للانخراط في سوق العمل من خلال مشاريعهم الخاصة. في الجانب الآخر كانت انتصار الحبيشي خائفة من القيام بمهنة الطلاء، لكنها استمتعت بالتجربة وترى أنه لا يوجد لديها مشكلة في الاستمرار في هذه المهنة.. مشيرة إلى أن تجربة الطلاء كانت رائعة ووجدت أن المجتمع يحتاج أيضا إلى عاملات طلاء. وقالت: “تلقينا عروضا كثيرة من ربات بيوت للقيام بطلاء منازلهن، إضافة إلى ذلك تم تدريبنا على مهارات الحسابات وإعداد الموازنة ودراسة جدوى مبسطة لمشاريع صغيرة وتحديد المخاطر”, وتخطط انتصار لفتح محل شيبس في سعوان بأمانة العاصمة؛ كون المنطقة مناسبة وتضم حديقة والعديد من المدارس، إضافة إلى إكمال دراستها الجامعية. وبالرغم من أن مهنة الطلاء تعد حصرية على الرجال لكن سمر المطري اقتنعت أن العمل فيها ليس عيباً لتمكين الذات وتحقيق الأهداف، وقالت: “مهنة الطلاء والديكور أعجبتني وأصبحت أفكر أن أطور نفسي أكثر لتكون مهنة احترافية فيما بعد”. صناعة البخور والعطور هو مشروع ومحطة سمر المطري القادمة بعد أن أكملت المرحلة الأولى من المنهجية التي تتضمن ثلاث مراحل وتخطط حالياً لمشروعها الذي تعده من المهن الأصيلة التي بدأ الناس في تناسيها. تقول سمر: “كنت مشوشة ولا أعرف كيف أرتب أفكاري، لكني عرفت هدفي وما أستطيع القيام به من أعمال وكيف أخطط بعد التحاقي بالمنهجية”.. مضيفة: “سأكون صاحبة مشروع ناجح وسيدة أعمال في صناعة البخور والعطور وسأجد من يساعدني أكثر لتحقيق هدفي”. وتنفذ منهجية (3× 6) التي تم إطلاقها نهاية 2012م لأول مرة في اليمن عن طريق مؤسسة "لأجل الجميع" للتنمية وذلك بتطبيق الثلاث المكونات المتمثلة في الشمولية والملكية ونحو الاستدامة.. تتضمن المرحلة الأولى توفير دخل وتكوين رأسمال من خلال المشاركة في أعمال سريعة يحصل خلال هذه المرحلة المشاركون التي تستمر من شهرين إلى ستة أشهر على تدريب في مجال تطوير المشاريع الصغيرة متزامناً مع عملهم في المهنة التي تم تدريبهم عليها للحصول على أجور، ويتم إيداع هذه الأجور في حسابات توفير لدى بنوك الإقراض الصغير التي ستكون شريكا في المشروع وصولاً إلى تشجيع المشاركين على تقديم خطط لعمل مشاريع فردية أو جماعية ذات ربحية واستدامة. فيما تتضمن المرحلة الثانية مضاعفة رأسمال الأفراد إلى ثلاثة أضعاف من خلال منح المرحلة الثانية، إضافة إلى عمل دراسة جدوى لكل المشاريع المطروحة من قبل الشباب والشابات للتأكد من الجدوى الاقتصادية ووجود سوق محلية، وتتضمن المرحلة الثالثة والأخيرة تقديم الدعم وتسهيل الوصول إلى الأسواق. عمل الفتيات في الطلاء تجربة تعد الأولى في اليمن؛ كونها مغايرة للصورة النمطية لنظرة المجتمع للمجالات التي تعمل فيها المرأة، لكن الأهم من ذلك هو إصرارهن على النجاح ورسم ملامح المستقبل، وإن كانت البداية بالفرشاة والطلاء.