غياب العقول الاستراتيجية في لحظات التحول الاجتماعي تظل المعرفة الانسانية والقدرة على قراءة التجارب البشرية ومدى الاستفادة منها في اعادة انتاج الروح الحضارية هي الاطار الحاكم لأبعاد التحولات التاريخية والناسج الفاعل لعمقها الاستراتيجي. فحركة المجتمعات ليست بمعزل عن دورة التاريخ كما لا يمكن لمجتمع تديره الانفعالات وتتحكم الخرافة في مسالكه الفكرية في جوانب النظرية والتطبيق ان يدعي لنفسه حالات تطور باتجاه المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. وهنا لابد من الاشارة الى الفارق الجوهري بين مرحلتين جوهريتين قد تخفيان على الكثير أو ربما يخلط في تمييزهما ذوو الثقافة المحدودة،وهي مرحلة التهيئة للتغيير ومرحلة التغيير. فالبعض يعتقد جهلا إن الثورة تعني التغيير وأن ما يتلو الثورة من انتقال يمثل حالة بناء يعقبها تطور سريع وتحقق لكل الطموحات . بهذه البساطة ينزل الانسان منزلة الآلة التي تصبح جاهزة للعمل والانتاج بمجرد اصلاح عطلها الفني! لقد تردد على مسامعي كثيرا منذ بدء انعقاد جلسات مؤتمر الحوار الوطني أن النجاحات باتت وشيكة وقريبة وان بين اليمن والنهضة فقط نتائج الحوار الوطني الذي سيحدد ملامح المستقبل ويضع أسس البناء السليم للدولة والمجتمع! بهذه الرؤية البسيطة التي تتجاهل دور الثقافة والمشكلة الثقافية ودور التاريخ واشكالية انقطاع السند التاريخي وغياب فاعلية الانسان في الزمن ليبقى محكوما بأحداث اللحظة الراهنة لا متحكما في أحداث ما سيأتي وبالمثل تتجاوز هذه النظرة السطحية عامل الفكرة او القيمة التقليدية ودورها في تأخير واعاقة عملية التحديث بما قد يؤدي الى تعقيد عملية التحديث ذاتها وتحولها الى ردة فعل أو فكرة ميتة تفتقر الى الروح الجمعي وتتوارى خلف بريقها الاصنام المحدثة . الغريب فينا كيمنيين أننا انتقلنا من الدوران في فلك الصنم الى الدوران في فلك السياسة كمنقذ سحري لمشكلاتنا العميقة في حين ان جوهر المشكلة ليس في السياسة بل في غياب الفكرة ووجود منطقة فراغ بين العقل والضمير ممثلا في التراث والتاريخ والواقع واحتياجاته. يقول الجميع: بالحوار سنبني يمناً جديداً وأقول: ان الحوار مرحلة تهيئة تزيل عوائق التغيير وتعيد بناء الثقة وتحقق شروطا نفسية وزمنية للتغيير . الدول والمجتمعات لا تبنى بالحوار ولا يمكن للحوار أن يبني دولة ونظاما بعيدا عن المعرفة الانسانية وتجارب البشر لكنه يهيء المجتمع للاستفادة منها للبدء بعملية بناء شاملة على اسس علمية ومنطقية تتسق والسنن التاريخية والتجارب البشرية. لذا لا زلت حتى اللحظة أستغرب من غياب دور العقل المعرفي والاستراتيجي من خارطة الفاعلية بين المتحاورين اذاً سيبقى حوارهم محكوماً بتخمينات واستحسانات وربما غلبت عليه صفة اللاعلمية !! اذاً هل لا زال لدى امة المتحاورين شعور بالحاجة للنخب الثقافية والأكاديمية في اليمن؟ وهل يمكن لليمن في لحظة التحول ان تستفيد من الباحثين والمفكرين من أبنائها أم انها قد أكتفت بمجموعة السياسيين ومراكز النفوذ وان المسألة مجرد مصالحة واكتساب بعض المعلومات الأولية ومهارات الحديث والتثاقف؟