في زمن التحولات الكبرى، واللحظات التاريخية الفارقة، لا غنى للفرد والمجتمع عن الوعي الاستراتيجي. فالتحولات تأتي عادة محاطة بزحام هائل من الأحداث الجسام، يرافقها اختلاط في الفهم وضبابية في الرؤية، وانفلات في المشاعر، وهذه كلها تسوق إلى سوء التقدير وضحالة التقييم والخفة في الفعل، ولا يعصم من كل ذلك إلا التوثق من النبأ، وتجنب الهوى في التحليل، وتحييد الانفعال في الأحكام، مصحوباً بالتروي في الأفعال، والتبصر في المآلات. - الوعي السياسي البعيد أو (علم المآلات)، ضرورة لعبور التحولات الكبرى بسلام، وهو إدراك تفاعلات السياسة الحاضرة على المستقبل المتوسط والبعيد. - السياسة تعمل في منطقة من الغموض وتتخفى وراء حجب، وما يظهر منها لا يصف مقاصدها الحقيقية. - فالسياسة تعبر عن ذاتها باللونين الأسود والأبيض، ولكنها تتفاعل على الحقيقة في المنطقة الرمادية. - والسياسة بارعة في إظهار نفسها خلافاً لحقيقتها، فهي أكثر الأفعال البشرية التصاقاً بالمصالح المجردة مع قدرة عالية على تبرير ذلك بعبارات أخلاقية. - حسن النوايا في فهم السياسة نقيصة تقود في الغالب إلى سوء التقدير، كما أن سوء الظن المجمل يقود إلى التبسيط، وكلاهما يمنع الإنسان من الفهم ويحجب عنه حقائق الأمور. - السبيل الوحيد لفهم مدلولات السياسة لا يكون بالاختزال، بل بطول المتابعة، وتتبع الآراء، وانفتاح العقل على الخيارات، مع اكتساب ملكة التحليل. - أكثر الناس خطأ في التحليل السياسي أشدهم انغلاقاً على فكر واحد بعينه. - التحليل السياسي ينبغي ألا يعتمد في الكلية على المعلومات، فالمعلومة لا تكون مفيدة إلا إن وافقت سياقاً يتفق مع مدلولاتها حتى وان كانت المعلومة صحيحة في ذاتها. - كثيراً ما تستخدم المعلومات من أجل التضليل، فالمعلومات من غير سياق يفسرها أكاذيب دقيقة. - السياسة تعشق التعبير عن نفسها بعبارات منسجمة ولكنها تحمل في صميمها بذور الاختلاف، وفهم الأحداث السياسية لا يتحصل من دون رؤية الشقوق المصاحبة للحدث. - كل فعل سياسي يكون سبباً لتداعيات جديدة، فالفعل السياسي الأول يقود إلى فعل ثانٍ ثم يقود الفعل الثاني إلى ثالث وهكذا، وربما تكون نتيجة التداعيات مخالفة تماماً لمقصد الفاعل الأول. - المقاصد في السياسة قد تخطىء هدفها، وربما تقود إلى ضدها، إلا إذا اقترنت بوعي علم المآلات. - علم المآلات ينظر في النتائج البعيدة المتوقعة عن سلسلة التداعيات التي يصنعها الفعل السياسي. - كل فعل سياسي لا يقترن بوعي لمآلات الفعل فهو خبط عشواء ولا يعول عليه وإن بدا صائبا. علم المآلات يتحصل عن وعي بالسنن التاريخية، مقترن بسعة اطلاع على حركة التيارات الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة. - الإفراط في توظيف التاريخ من أجل فهم الواقع والتنبؤ بالمستقبل لا يعول عليه إلا إن اقترن بتفسير صحيح للتاريخ وإلمام عميق بالواقع. - أكثر الناس جزماً في رسم صورة محددة القسمات للمستقبل أكثرهم خطأ في تحقيقه. والسلامة في المرونة. - المستقبل لا يصدر عن خط بياني مستقيم بل عن جملة متشابكة من خطوط ودوائر وأطياف. - كل فعل أو قول في السياسة لا ينسجم مع العقل الجمعي للمجتمع ابتداع لا تحمد عقباه عن موقع النهضة.