آخر ظهور للرئيس الإيراني وممثل خامنئي في المروحية التي سقطت "شاهد"    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات لا تحمل عصا سحرية لتغيير كل شيء
الدكتور مراد العزاني ل(الجمهورية):
نشر في الجمهورية يوم 03 - 06 - 2013

ضيف هذا الحوار حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بُترا الماليزية في مجال «نقد وتحليل الخطاب الإعلامي» ورسالته الموسومة ب «دراسة تحليلية ونقدية لصورة الإسلام والمسلمين النمطية في صحيفة نيويورك تايمز بعد أحداث ال (11) من سبتمبر» ، وعمل أستاذاً زائراً في جامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2012م نشر خلالها كتاباً من تأليفه باللغة الإنجليزية عنوانه «الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي»، ومؤخراً أنهى بحثاً جديداً عنوانه «تحليل الخطاب العام للرئيس السابق أثناء أحداث الثورة اليمنية» علاوة على كتاباته المختلفة المنشورة في مواقع الجزيرة الإنجليزية ، CNN ، وعدد من المواقع والصحف المحلية الناطقة باللغة الإنجليزية.
ومن منطلق هذه الاشتغالات الأكاديمية والبحثية في قراءة الخطاب الإعلامي وتحليله التقينا الدكتور مراد العزاني - الأستاذ المساعد بكلية التربية جامعة صنعاء- الذي يقدم تحليلاً مغايراً لطبيعة المزاج الوطني العام، ومآلات ثورات الربيع العربي، والتحديات الراهنة، وغيرها من العناوين التي تكتنف المشهد الراهن.
دكتور مراد دعنا نبدأ هذا الحوار من قراءة المزاج الوطني العام؟
- لا أعتقد أن ثمة اختلافاً للمزاج الوطني العام عن أمزجة الشارع العربي إلا في خصوصيات إشكاليات وطبائع كل مجتمع من المجتمعات العربية.
هل ثمة توصيف لهذا المزاج ؟
- التوصيف الدقيق للمزاج العربي السياسي هو أنه سريع التقلب ودائم الاضطراب.. وهذا التوصيف يمكن أن يكون تشخيصاً لمتلازمة تاريخية يتسم بها وتكاد لا تنفصل عنه.
كيف؟
- تاريخنا يعج بمظاهر تقلب واضطراب أمزجة العرب وحتى لا ندخل في متاهات لا حصر لها من نماذج ذلك فقد مررنا بثلاثة أمزجة خلال نصف قرن في عقد الستينيات من القرن المنصرم اتسم المزاج العربي ب «المقاومة» لاعتقاد الشارع العربي حينها أن إشكالية تخلفه تكمن في هيمنة وسيطرة القوى الاستعمارية عليه.
فاتسم مزاجه المقابل لطرد الاستعمار، ودحره بأن صار مزاجاً قومياً محضاً بفعل استغلال براءة عواطفه، ودغدغة، وتغذية وعيه بشعارات الوحدة العربية كقومية تاريخية واحدة، جدير بها أن تمكنه من الالتحاق بركب الحضارة، والتقدم واكتساب عوامل القوة، والسيادة على الحياة.
غير أن هذا الاعتقاد انقلب في عقد التسعينيات من مزاج قومي، أو أممي واسع إلى مزاج محلي ضيق.
وطبعاً يعزى هذا الانقلاب إلى قيام النخب الثقافية بإعادة توجيه وعي الشارع العربي إلى ضرورة أن يكون أكثر واقعية والكف عن أحلام اليوتوبيا بالوحدة العربية لعدم واقعيتها، واستحالة تحقيقها.
وها هو ذا مزاج الشارع ينتقل من طور القطرية الضيق إلى طور المزاجية المجتمعية المحلية الأضيق على هيئة مشاريع صغيرة اخلولقت للاضطلاع بها قوى جديدة تريد تجزئة المجزأ إلى أجزاء قطرية ضيقة، كما هو حالنا اليوم في اليمن بفعل الممارسات السياسية والخاطئة، وتخلف وبدائية الإدارة الشاملة لكل جوانب حياة الناس.
بما أن هذا المزاج المضطرب صار إشكالية فإن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو : هل تقلب واضطراب مزاج الشارع العربي هنا سمة متلازمة بوعيه أم سمة عارضة؟
- الإجابة أكانت السمة متلازمة أم عارضة في كلا الحالتين يترتب عليها سؤال بديهي هو: ما العمل إذاً لعلاج هذا المزاج وتوجيهه إيجابياً ناحية اتخاذ مواقف أكثر عقلانية تمكن الجميع من إعادة إصلاح ما أفسده العطار، وصياغة ملامح المرحلة القادمة على نحو يضمن عدم العودة إلى الاضطراب وتقلب هذا المزاج؟.
غير أنه قبل السير في خطوات العلاج يجب أن ندرك أفراداً و نخباً أن تلك الأمزجة لم تكن يوماً أمزجتهم الحقيقية، كما لم تكن يوماً معبرة لما تريد هي.
هذا الإدراك في منتهى الأهمية لكون المزاج العام ظل على الدوام مزاج الحاكم الرمز، والمعبر عما يريده هو، وما يصبو إليه.
ما فتئ الحاكم يعمل بكل جهده، ويسخر جميع الأدوات التي في متناوله من قوة، ومال ، وإعلام لتكريس مزاجه بوعي الشارع وتعزيزه ليضفي عليه تارة طابع الشعبية، وتارة طابع الشرعية.
فلم يكن ليتسنى للنخب العسكرية التي أنتجها الجيل الأول للثورات العربية أن تطرد المستعمر إن لم تكرس مزاج المقاومة, ولم يكن ليتسنى لها من الاستمرار في الحكم إن لم تتغنى بالوحدة العربية، ولم يكن ليتسنى للزعامات التي خلفتها من أن تورث الحكم إن لم تختزل المشروع القومي إلى مروع قطري.
وبانتهاج تلك السياسات وجدت الفجوة، وأخذت تتسع يوماً فيوم بين ما يريده الحاكم فعلاً، وسراً، وبين ما يقوله علناً، وشيئاً فشيئاً خرجت الأمور عن السيطرة، وظهرت المشاريع الصغيرة.
وليس غريباً أن جميعها كانت تأتي ضد توجهات الحاكم؛ لأنها نتيجة طبيعية لممارسات خاطئة، ومنهجة اختزلتها سياسة “أنا ومن بعدي الطوفان”، ومن هناك فقد الحاكم هيبته، وتآكلت شرعيته، وتوفرت الأرضية الصالحة لقيام الثورات.
لقد تعلمت الشعوب الدرس جيداً، وأدركت دون شك أن أُس مشكلاتها هي في الاستبداد، التي خلص إليها الكواكبي مؤلفه طبائع الاستبداد وهي أن «إشكالية التخلف تكمن في إشكالية الاستبداد» .
هل ترى أن هناك مؤشرات لتكرار إشكالية الاستبداد في اليمن ؟
- لا أعتقد ذلك... وأنا أتحدث هنا عن كيفية خلق الحكام العرب للمزاج الذي تريده من شعوبها التي للأسف الشديد لم تدرك إلى الآن أن توجيه المزاج هو أول خطوة ينتهجها الحاكم للاستبداد به.
إن خلق المزاج العام الذي يرتئيه الحاكم، والذي يسمح له من إعادة إنتاج تلك الأدوات التي تضمن ديمومته في الحكم وبقاءه في السلطة هو أول الطريق للاستبداد به.
هذه المتوالية متى سنخرج منها؟
- يجب أن ندرك وباختصار أن المشكلة التي تؤرقنا منذ أربعة عشر قرناً هي أننا لم نستطع أن نصل إلى آلية تنظم لنا الوصول إلى السلطة، فبعد أن كان قد أوجد لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الشورى كآلية تنظم عملية انتقال السلطة، والوصول إليها وترجع هذا الأمر إلى أفراد الأمة لاختيار حاكمهم حدث أول اختطاف لذلك المنهاج في الصدر الأول عندما تحول الحكم من منظومة تقوم على الشورى إلى منظومة تستند على العصبية والقبيلة من قبل (بنو أمية فالعباسيين فالعثمانيين..إلخ) التي ما قام الإسلام إلا ليهدمها ويجتزها من جذورها.
لقد عمل الخلفاء الراشدون على ذلك منهاجاً كان بمثابة نواة مبكرة لديمقراطية اليوم (ديمقراطية اليونان كانت مجرد فلسفة نظرية دفع صاحبها أرسطو حياته ثمناً لها ولغيرها من القيم الفلسفية التي اشتغل عليها، الشورى في جزء منها كانت بمثابة نواة مبكرة للديمقراطية التطبيقية) حتى إن التاريخ أخبرنا أن عمر بن الخطاب في السنوات الخمس الأولى لم يولي أحداً من القرشيين ليرسخ في أذهانهم أن معاير القبيلة والنسب لا تشكل معياراً لتولي المناصب، فكان الولاة الذين اعتمد عليهم في الخمس السنوات من حكمه هم أبو هريرة على البحرين، وصهيب الرومي على العراق، وسلمان الفارسي على فارس، وعمار بن ياسر على العراق، حتى أنه عزل خالد بن الوليد من قيادة جيوش الشام ليحل مكانه عامر بن عبيدة بن الجراح.
مجموعة هذه الإجراءات تؤكد أن الفاروق ما عملها إلا ليعزز معيار التغيير ومنهاج التناوب في تولي السلطة.
مع العلم أنه لم يبدأ بتعيين الولاة من أبناء قريش إلا بعد أن ضمن أن القرشيين قد فهموا أن أحسابهم، وأنسابهم لن تغنيهم عن ميزان التقوى وميزان الولاء للأمة حتى ينخرطوا في الدولة، ويعتلوا أعلى مناصب فيها.
لكن العجيب أنه بعد أن حصل هذا الاختطاف الأول لذلك المنهاج في الصدر الأول للإسلام فإن الحركات المعارضة، والتي كانت في جلها شيعية لم تناد بالعودة لأصل منهاج النبوة, بدلاً عن ذلك ادعت بالحق الإلهي في الحكم، وحشرت أحاديث الوصاية، وغيرها لتعزيز هذا الحق.
وهذا هو الاختطاف الثاني لمنهاج الشورى الذي كان أول أنموذج لو أنه كتب له أن يستمر لتطورت أدواته وآلياته ليكون أرقى وأنضج مما نطلق عليه اليوم النظام الديمقراطي. علماً بأن النظام الديمقراطي ما وصل إلى ما هو عليه اليوم بسبب تجارب ومشاكل متراكمة أفضت إلى تطويره وإيصاله إلى نسخته التي هو عليها الآن.
كأنك تدعو إلى اعتماد الشورى كنظام يجب اعتماده في اختيار رئيس الجمهورية عوضاً عن النظام الديمقراطي ........؟
- ولماذا لا ..........؟ لماذا لا نجرب؟ نحن منذ ذلك الحين ونحن نعاني من غياب الأمة، ومن احتكار أمرها في أنظمة متعاقبة تقوم على العصبية والجهوية.
خلاصة القول: إن الربيع العربي إذا استطعنا من خلاله أن نعود إلى أصل منهاج النبوة، وإيجاد آلية تنظم عملية الوصول إلى السلطة بطرق سلمية وسلسة فإن الربيع العربي سيختصر علينا مائة عام ليتسنى لنا اللحاق بالغرب، وركب حضارته, وإن لم يحقق ذلك، و يخرجنا من هذه المعضلة المزمنة فلن يكون خيار أجيالنا إلا ثورات تجديدية لإصلاح المسار ، ويتسنى الوصول إلى ما تصبو إليه الشعوب.
هو نفس المسار الذي كانت عليه الثورة الفرنسية، والتي قامت في عام 1789م، و لكن مكث الشعب الفرنسي بضعة عقود ليثور مرة ثانية ثورة تصحيحية لتصحيح الأولى، وبعد بضعة عقود أخرى يثور ثالثة فرابعة فخامسة في عام 1958م التي وضعت دستور الجمهورية الخامسة الذي مثل خلاصة نضال 169سنة من كفاح الشعب الفرنسي.
دكتور مراد: الديمقراطية أصبحت نظاماً له آليات تنظم عمليات تناقل وتداول السلطة في زمن معدود، الشورى تحتاج إلى وضع آليات توائم تطورات العالم، كما أنها لا تحدد زمناً معدوداً للحاكم، الديمقراطية تسقط الحاكم ، وتأتي بحاكم آخر، الشورى تمنح الحاكم قميصاً ينظر إليه على أنه سربال من الله لا يخلع إلا بموته، الديمقراطية تنظم كيف ينتخب مليار مواطن حاكماً بيوم واحد، فكيف سينتخب بالشورى مش مليار فقط 30 مليوناً فوق سقيفة أو داخل جامع، قضايا كثيرة لهذا أسألك: ما منطلقاتك الفكرية التي تستند عليه في مثل هكذا أطروحات؟
- أنا إسلامي التوجه والمنشأ، غير أنني دائماً لا أحب أن أُصنف أو أختزل كشخص في مصطلحات ضيقة، ويكفي أن أقول: إن فكري أعم من تلك المصطلحات.
كيف تستقرئ واقع الحركات الإسلامية في اللحظة الراهنة على ضوء المشهدين التونسي، والمصري علاوة على المشهد اليمني؟
- الحركات الإسلامية بشكل عام لها ما لها من التميز وعليها ما عليها من مآخذ. فهم لا يمتلكون مفاتيح الجنة والنار ولكن يصيبون ويخطئون وفيما بينهم يختلفون. ولكنهم من ناحية أعمق الفصل السياسي فكراً ووضوحاً وبساطة وأقربهم إلى الناس.
وهم يمثلون نبض الشارع ذلك؛ لأن الحركات الإسلامية كانت قريبة دوماً من الشارع، وأكثر فهماً وملامسة لقضاياه وهمومه، ولذلك ميزتها أنها دوماً تبني خطاباً واقعياً يفهمه الناس ويعقلونه.
ومن ناحية أخرى يجب أن ندرك أن الحركات الإسلامية ظهرت مرنة ومواكبة للتطور والتغيير؛ كون الانضمام للثورة ميزة تحسب للإسلاميين على عكس الحركات اليسارية والقومية التي كان دوماً الفكر الثوري متأصلاً في أدبياتها، ولكنه ظاهرة جديدة على إسلاميين تشهد بقدرتها على مواكبة قضايا الأمة وتحدياتها ومطالبها.
غير أنها بالمقابل لذلك تواجه تحديات كبيرة، ومن هذه التحديات التي تواجه الحركة الإخوانية أنها لم تستطع أن تخرج بفكرها من بوتقة ومفردات العمل السري الذي تبنته وانتهجته تحت الأنظمة القمعية إلا ممارسة دور الكيان الذي يوجه الشارع ويقوده ودور الكيان الصانع للقرار والمشارك في السلطة. يجب أن يدركوا تماماً أن اختيار الشعوب لهم لاعتقادها بأنهم الكيان الأجدر والأقدر على إيجاد حلول لمشاكلهم المتعلقة بحاجات الفرد والتنمية، ولم يكن على أساس أيديولوجي، وهو تحد كبير حيث إن الأنظمة الاستبدادية خلفت تركة ثقيلة من التخلف والفساد.
والحركات السلفية فجزء منها أظهر الكثير من المرونة وشهد قفزة كبيرة، وتحولات فكرية وسياسية، فالحركة التي كانت تمانع ممارسة العمل الديمقراطي وأدواته أصبحت تراه نهجاً أمثل تسلكه للمشاركة في الحياة السياسية ، والحركة التي كانت تحرم ذات يوم أبيات الشاعر أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر)، رأيت أعضاءها يرددونه في جميع الساحات الثورية إلى غير ذلك من الأمثلة التي تعتبر تحولاً كبيراً في غاية الأهمية.
كيف تقرأ الواقع بعد الثورة السلمية ؟ وبصيغة أخرى هل نجحت حكومة الوفاق الوطني في التعبير عن تطلعات ما خرج الناس من أجله؟
- نجاح الحكومة مرتبط بنجاح الثورة وتحدياتها التي هي تحديات للثورة، ونجاح أي ثورة هو نجاح للإرادة السياسية والشعبية؛ لأننا لو افترضنا نجاح الثورات لكان عصرنا مليئاً (.................) ثوري مفعم بأفكار تعدمية حصنت الإيرادات والمنابع.
في تقديرك متى تنجح الثورات أو تفشل ؟
- في نظريته عن الثورات ومآلاتها يذكر المفكر الأمريكي كارل بيكر أن معظم الثورات تنجح في تحقيق التحرر السياسي ولكنها تترهل نحو تحقيق طموحات الشعب، وذلك لأنها عادة ما تنزوي إلى حيث بدأت بسبب التبعيات والتحديات الاقتصادية, هذه هي القاعدة وإن كانت هناك استثناءات.
أنجح النماذج الثورية في التحرر من الاستبداد النموذج الفرنسي ولم يحقق ذلك النموذج في تحقيق تحرر واستقلال سياسي حقيقي إلا بعد قرن من الزمان, وأنجح النماذج الثورية في تحقيق الاستقلالية السياسية والازدهار الاقتصادي بعد ثورته النموذج الصيني والأمريكي, مع خلاف كبير حول نجاح النموذج الصيني حول مسألة تحرره من الاستبداد. ولكن وعلى الأغلب أن ثورات القرن العشرين فشلت في مواجهة التحديات الاقتصادية وإن نجحت وبشكل متفاوت في تحقيق التحرر السياسي.
ثورات الربيع العربي قد تكون إلى حد ما نجحت سياسياً في تركيزها على التحرر من الاستبداد، ولكنها إلى الآن لم تستطع حتى الآن أن تنتج فقهاً ثورياً يركز على المجالات الأخرى الأكثر حيوية من مجال السياسة، خصوصاً وأن المجالات الأخرى (الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية) وما يتصل بهذه المجالات من قضايا الحقوق والحريات والحياة الكريمة والتي شكلت في مجموعها السبب والدافع الأكبر لتفجرها وانبثاقها.
فقهاً ثورياً !!!!
- نعم إن تحديها ألأكبر هو الخروج بنجاح من مزاج التحرر من الاستبداد التي مازالت تدور فيه وأن تركز على انتهاج آليات وخطط عمل تركز على حل الإشكاليات المزمنة والمتأصلة في مجالات أخرى كالفساد المستشري في مؤسسات القضاء والمستوى المتدني للتعليم وضعف التنمية وغياب المشاريع التنموية. تحتاج إلى إنتاج فقه ثوري يركز على الأبعاد الاقتصادية ويتفهم التبعات الخطيرة لذلك.
أخشى دكتور مراد أن تقع في التناقض بين مصطلحات تضعها للتعبير عن واقع ما، وبين ما تطرح من استنتاجات استقرائية للواقع نفسه ؟ .
- يقاطعني متسائلاً : ماذا تقصد بالتناقض؟
قلت قبل قليل: إن ثورات الربيع العربي قد تكون إلى حد ما نجحت سياسياً في تركيزها على التحرر من الاستبداد، والآن تقول : إن تحديها الأكبر هو الخروج بنجاح من مزاج التحرر من الاستبداد التي مازالت تدور فيه) فكيف تكون ثورات الربيع نجحت سياسياً، وفي ذات الوقت تطالبها بالخروج من مزاج التحرر من الاستبداد الذي مازالت تدور فيه؟ ألا يعد هذا تناقضاً؟
- وهو يبتسم بتلقائية: قلت بدقة ثورات الربيع العربي نجحت إلى حد ما كما ذكرت ولم أقل إلى حد كبير؛ لهذا أؤكد على أن هذا النجاح المحدود أو الأولي يحتاج إلى نجاح أكبر يتمثل في إنتاجها فقهاً ثورياً يركز على الأبعاد الاقتصادية في المقام الأول.
هل تقصد بالفقه الثوري هنا الفهم الثوري بمعني ثورات وعي، وثقافية تضطلع بمهمة الانتقال من التركيز على السياسة وحدها إلى الاقتصاد وغيره من المجالات المختلفة أم تقصد بالفقه الثوري هو إنتاج تشريع ثوري إسلامي من قبيل فقه المرحلة، وفقه الأولويات لمسارات مرحلة ما بعد الثورة؟
- الفقه الثوري هو كل ما ذكرت.. وانعدام هذا الفقه هو نتيجة للفجوة التي تخلقها الثورات بين التحرر السياسي وتحقيق النمو الاقتصادي.
حكومات، وأنظمة ما بعد الثورات عادة ما يحسب لها الاستمرار لعقد من الزمن، ولكن إذا ما أخفقت في تحقيق ازدهار اقتصادي فإن ثورة تصحيحية لزاماً أن تأخذ مجراها، وهذا ما نخشاه.
لا أقصد هنا أن ينتج حوارنا الوطني نبرة تيئيسية بقدر ما نحاول أن نضع الأمور في نصابها.
يجب أن يدرك الجميع أن مرحلة التغيير ليست بالسهلة ولا الثورات حاملة لعصا سحرية لتغير كل شيء بالشكل الذي نريده ونحلم به وإلا لكان تراثنا مفعماً بالثورات ومليئاً به.
إن التغيير بحد ذاته يشكل منعطفاً حرٍجاً في مرحلة تشهد الكثير من الصراعات الصعبة حتى تستقر الممارسة الديمقراطية.. حتماً ثوراتنا ستشهد بعض التحديات كالتي شهدتها، ومرت بها أوروبا حيث تخللتها كثير من الصراعات والحروب الأهلية حتى استقرت إلى ما هي عليه اليوم.
وعلينا أن لا نتناسى أن من جملة العوامل الكثيرة التي ساعدت أوروبا على الاستقرار هو المقدرات الاقتصادية التي واكبها اكتشاف العالم الجديد من قبل، وظهور النهضة الصناعية، ولولا ذلك لتراجع الوضع الاقتصادي، ولكان المشهد مغايراً لما هو عليه.
لكن إذا ما نظرنا للأمور من منهاج تاريخي، ومن منظور الفقه المقارن للثورات سنجد أن ثورات الربيع العربي مازالت تسير في الاتجاه الصحيح والتحديات التي تواجهها طبيعية.
فهي حتماً مثقلة ومهددة بتبعات اقتصادية وصراعات فئوية وأيديولوجية، لكنها في نهاية المطاف ستفضي إلى أنموذج للحكم ينسجم وتطلعات الناس إلى الحد المقبول.
نتمنى أن نصل إلى التغيير بأقل الخسائر والتضحيات ودون الحاجة لأن نمر بنفس المراحل أو نشهد تجارب الصراعات المريرة التي مرت بها أوروبا.
كيف تنظر إلى الحوار الوطني بالقياس إلى ثورات مصر وتونس وليبيا التي لم تفرض عليها مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة السابقة إجراء مثل هذا الحوار ؟
- أولاً: لأن اليمنيين كان يجب أن يتحاوروا منذ وقت طويل ليصلوا إلى اتفاق على ماهية الدولة التي يريدونها؟ وماهي أدواتهم لتحقيق ذلك؟.
وثانياً: المشكلات الموجودة في اليمن غيرها الموجودة في بلاد الربيع العربي.. مشكلات اليمن أكثر تعقيداً من أي بلد آخر، ولن تحل هذه المشكلات إلا بالحوار، وحال لم تك هناك خلافات ومشكلات مزمنة لما أحتاج اليمنيون إلى حوار.. الأصل في الحوار هو في وجود الخلافات، والطبيعي هو أن يخرج الحوار بحلول للخلافات وكيفية حل المشكلات.
غير أنني أضيف إلى ذلك أن الحوار الوطني يعتبر سمة تميزت به الثورة اليمنية دون غيرها من ربيع الثورات العربية، فاجتماع خمسمائة وخمسة وستين عضواً في قاعة واحدة يعتبر نجاحاً بحد ذاته؛ لكونه سيكسر الحاجز النفسي بين المتحاورين، وسيرسخ في ذواتهم أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج بالبلد من الصراعات التي تعصف به.
وفي اعتقادي أن الجميع وصل إلى قناعة أنه في حال فشل الحوار فإنه لا سبيل لهم إلا أن يتحاوروا مرة أخرى وثالثة حتى يصل الأفرقاء إلى آلية تحل معظم الإشكالات التي يواجهها البلد هذا من ناحية أولى.
ومن ناحية أخرى يمثل الحوار نجاحاً مهماً للثورة اليمنية وهو ما تتميز به عن بقية الثورات العربية.
تعلمنا من تاريخ الثورات المتراكم ومن فقه الثورات أنه إما أن نتجه بعد كل ثورة إلى الانتخابات والاستفتاءات أو إلى الحوارات لحل الصراعات والإشكالات. وأنا لا أرى أن الانتخابات مناسبة لمرحلة ما بعد الثورة لحل تلك الإشكالات كما حدث في مصر وتونس.
لأن الانتخابات أو الاستفتاءات على خلفية أي مرحلة ثورية قد تختزل المطالب الشعبية والعامة المتمثلة بدولة المؤسسات القائمة على مثلث الحرية والعدالة والمساواة، وتحولها إلى إفرازات فئوية وأيديولوجية، وحتى لا تخلق بيئة يتحول فيها شركاء الثورة إلى فصائل تلبس ذاتها الشرعية وفصائل مضادة.
ولذا فإن الخلافات السياسية لا يحلها غير الحوار والجدل الإيجابي، وهنا أستطيع الجزم أن أنضج المنظومات السياسية هي تلك التي تنشأ وتنتج من حوارات وليس عن انتخابات أو استفتاءات.
الحوار إذا ما انتهج كمسار للفرقاء السياسيين وبقناعة حقيقية من ذواتهم للخروج سواء ببلدنا أو ببلدان الربيع العربي من إشكالاته المتراكمة والموروثة أو الطارئة لا نستبعد أن يفضي أي الحوار لأن تكون أنظمتنا السياسية أرقى من الأنظمة الديمقراطية التي أنتجتها الحالة السياسية الغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.