تروي لنا كتب التاريخ عن رجل يُحكى أنه كان خائر العزم، ضعيف الإرادة لا يقوى كثيراً على صيام رمضان لاستطراده في الشهوات والملذات، كان لديه زوجة صالحة تراعي حدوداً في جميع جوانب حياتها، ظلت ترقب في إحدى الليالي منادي أمير المؤمنين للإعلام عن دخول رمضان لتعد نفسها لاستقبال الشهر بالعزيمة ونية الصيام وإعداد السحور لها ولزوجها، وجاء الخبر يعلم المسلمين بأن الغد أول أيام الشهر الفضيل، فقامت إلى زوجها تعلمه بالخبر، ليتجهز معها لكنه كان كجبل الثلج الذي إن سقط من أعلى شاهق محال أن ينهض إلى مكانه أويعود إلى مستقره، ولم تستطع الزوجة إقناعه في القيام وتجديد النية للصيام الذي يوافيهما الغد، فوكلت أمرها لله، فتسحرت وصلت الفجر ثم نامت، وعندما انبلج الفجر قام زوجها يبحث عنها ليباشرها بقبلة امتنعت عنها لأنهما في نهار رمضان الأمر الذي جعل ثائرته تثور ليقول لها بيتين من الشعر يبين فيهما مدى خوره وضعف عزيمته وإرادته جاء فيهما. قبّلتها عند الصباح فجاوبت: أفطرت ياهذا ونحن صيامُ قلت أنت الهلال وعندنا الصوم في مرأى الهلال حرامُ إنها الإرادة عندما لا تصحو وتبقى خائرة ليس لها من الأمر إلا تتبع الشهوات واللذات حتى في رمضان، وهذا الحال ينطبق على هذا الرجل وأمثاله الذين هم أصلاً غير مقتنعين بأن رمضان شهر العزيمة والإرادة حتى لمن كان غافلاً طوال العام، رمضان يأتي ليبدد العجز الذي عاشه الكثير منا طوال السنة. فمثلاً من كان يقول: لا أستطيع المواظبة على الصلاة في المسجد وخصوصاً صلاة الفجر.. يأتي رمضان مبدداً لهذا الوهم وإذا به يلزم المسجد وينتظم في الصلوات الخمس بسهولة ويسر. ومن كان يظن أنه لا يقوى على هجر التدخين ولو ساعة يأتي رمضان مفجّراً للطاقات وكاشفاً عن إرادة عجيبة يمسك فيها عن التدخين لأكثر من عشر ساعات ونعرف الكثير أقلعوا عنه تماماً بعد رمضان. والبعض دائماً ما يصف نفسه بعدم الإنتاجية وضعف الإنجازات وقلة العطاء وأن سجله خالٍ من البطولات يأتي رمضان وقد صام ثلاثين يوماً وصلى 150 فرضاً وأكثر من 350 ركعة تطوعية وقرأ 6236 آية، إنجازات تصفق لها الدنيا وبطولات يهتف الكون وأرباح عظيمة أودعت لرصيدك الأهم.. والبعض الآخر - كما يقال - دائماً ما يكرر: إني إنسان ضعيف لا أملك إرادة ولا قوة اتخاذ القرار قد سكنت في وادي التردد وصرت سجيناً في قفص التسويف المظلم، ويأتي رمضان وإذا بصاحبنا يعيد استكشاف نفسه، فالنية بالإمساك يتخذها في لحظة وكذلك قرار الإفطار وتسريعها يجددها يومياً بكل حزم والصلاة لا مساومة وبعدها يجد نفسه قادراً على الحزم واتخاذ القرار.. وجانب كبير منا يقول: العادة كبّلتني والروتين أسرني ولا أستطيع مغالبة عاداتي أو الخروج عن دائرة روتيني.. يأتي رمضان وقد كسر العادات بمعول الإرادة والعزيمة انضباط وعمل وإدارة وقت ممتازة الانطلاقة. وأخيراً هل عرفت قدر نفسك وكيف أنك شخص عظيم قادرٌ على صناعة الفارق وأن ترسم أجمل اللوحات المشرقة لحياتك ولن تستطيع أن تنكر تلك الهمة العالية والإرادة القوية بعد ما سجّلت في هذا الشهر أروع الانتصارات وأجمل الإنجازات.. فمتى أخي الحبيب تدرك أنك شخص متميز ذو قدرات هائلة وعزيمة فذة، فهلاّ جعلت رمضان بداية..؟ إشراقة رمضانية: تتغيّر الدنيا.. ولا تتغيّر ومدى الزمان تجيء، لا تتأخر في كل عام أنت أكرم زائرٍ للأرض تهدي من بها يتعثّر رمضان.. يا شهر التحرر ليتنا من جاهلية فكرنا نتحرّر لكننا.. والنفس مال بها الهوى نعدو ..ولكن الخطى تتقهقر ما زلت يا رمضان أكرم زائر ليست تمل، وإن تكن تتكرّر