تتعدّد مجالات القيم بحسب حياة الفرد وواقعه المعيشي.. وهذا معلوم. إذا وردت مفردة القيم هكذا لوحدها فإننا من خلال السياق نفهم المراد أن معناها : قد يكون الأسس الفطرية التي فُطر الإنسان عليها ويأتي في مقدمتها الإيمان بالله, الأمانة, الإخلاص, الصدق, التواضع, الكرم, الخ.. إذا وردت مفردة (أخلاق) فمن خلال سياق الكلام يكون المعنى أنها القيم, فالقيم هي الأخلاق والعكس. إذا ورد اللفظان معاً, القيم والأخلاق, فإن المعنى هنا هو أن القيم هي الأسس الفطرية التي أشرنا إليها في البند الثاني, ويكون معنى الأخلاق هو السلوك الظاهر, كالصمت والعفة والأدب والصبر على الأذى والظلم وغير ذلك من مكارم الأخلاق. قد يحصل تداخل بين السلوك الظاهر مكارم الأخلاق, وبين القيم والأسس. هناك قيم سياسية, وهناك قيم حضارية, وهناك قيم وطنية, وهناك قيم اجتماعية وأخرى تجارية, وقد تعني القيم في هذه المجالات: إنها الأعراف المتعارف عليها في كل مجال كما يعني أنها القواعد التي يحتكم إليها أهل كل مجال عندما يختلفون. لاشك ولا جدال إن القيم السياسية والحضارية والوطنية, والاجتماعية والتربوية....الخ لها أسس ترتكز عليها, وهي المرجع وهنا ستكون العقائد السليمة الإيمان بالله وتقواه هي أسّ جميع الأسس. وكلما ترسّخ الإيمان وتجذّر في أعماق النفس البشرية كان أشبه بالمغناطيس يجذب بقية الأخلاق والقيم الإيجابية دونما عناء. اتفاق وافتراق شيوخ العرب وحكماؤهم قبل الإسلام: كانوا يرون إن الملك أو الأمير أو الشيخ لابد أن يتمتع بصفات عشر, وعندها يستحق السيادة على قومه.. هذه الصفات هي: الحلم الصبر, العفة, الشجاعة, الكرم, الصدق, الإيثار, التواضع, العدل, الرحمة العفو.بعض الكتّاب يقرن السماحة بالشجاعة, والبعض يرى إن الكرم يشمل السماحة. ما يلفت النظر حقاً هو: إن أرسطو في كتابه الأخلاق قال : إن الأخلاق هي السياسة, أي إن السياسي هو صاحب الخلق, وذكر الصفات العشر الآنفة إنها أساس السياسة وان السياسي إذا لم تتوفر فيه هذه الصفات, فليس سياسي وربما مآل سياسته ومملكته الفشل والضياع.. والسؤال هو : إذا كان العرب قبل الإسلام لا صلة لهم بفلسفة اليونان والفرس فكيف التقوا مع الفلاسفة...وهم العائشون في الصحراء يفترشون الثرى ويلتحفون السماء؟ الجواب: لاشك إن الفطرة والتجارب لها الدور الأبرز في بلورة القيم السياسية وترجمتها إلى ممارسة عملية دون تنظير وفلسفة. الفلسفة هي حب الحكمة.. ولا شك إن الفيلسوف الحكيم دوره هو البحث في عمق المشكلة وليس في قشرتها الظاهرة, وبالتالي يصل إلى السبب الجوهري فيأتي بالحل الأنسب.. وهنا استحق صفة الحكيم لأنه يسلك طريقاً في الحلول مخالفاً لطريقة المجتمع وإذن: الفيلسوف ببحثه وصبره وإعطاء الأسباب حجمها المناسب هو هنا يعود إلى أصل الفطرة. وهذا يذكّرنا بموقف أبي الأنبياء إبراهيم كيف دعا قومه إلى البحث وراء العلل ليصل في النهاية إلى صوت الفطرة الأول. ولا يعني هذا إننا ننكر عدم اللقاء الحضاري والفكري بين فلاسفة الفرس والروم, وشيوخ العرب, لكن من المعلوم أن مثل هذا التلاقح يأتي متأخراً ويسهم في نضوج الفكرة ووضوحها.. لكن الأصل هو الفطرة. يدعي الغرب المعاصر انه يمتلك أصولاً حضارية في السياسة وغيرها- هي أصول (الإغريق)- فلسفة اليونان والغرب هنا صادق وكاذب .. أما كونه صادقاً, فإن في أصول البحث في فلسفة الحياة والعلوم فهو قد أستفادها من الموروث الفلسفي اليوناني كما استفاد من الحضارة العربية. وأما كون الغرب كاذباً, فلأنهُ في السياسة لا يعترف بأية قيمة سياسية, فالسياسة عند الغربيين تعريفها أنها (فن الممكن) وهذا يعني أنها ليست علماً له أسسه وقيمه وأخلاقياته, ولكنها خداع وكذب ومكر وارتكاب كل ما هو سيء ؟! المهم أن يوصلهم إلى أهدافهم.. وهل إشعال الحروب وتدمير الإنسان – نموذج الحربين العالميتين, وهيروشيما وناجازاكي, ومذابح الهنود الحمر ومليون شهيد في الجزائر ومذابح البوسنة والهرسك والشيشان, ومذابح صبرا وشاتيلا في لبنان, وكفر قاسم ودير ياسين في فلسطين, ومذابح فيتنام إلى غير ذلك من الجرائم في مجالات الحياة المختلفة، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وأخلاقياً وتربوياً .. إلى حد توظيف العلم في تدمير الإنسان.. هل هذا دليل أن أصولهم السياسية هي ميراث أرسطو وأفلاطون صاحب الجمهورية الفاضلة؟ إنهم يفاخرون بميزاتهم وأصولهم كما يفاخر البغل بأمه الخيل, علماً بأن والده (صُعبي حمار ذكر)..