الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    ما لا تعرفونه عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخطاء ابن خلدون الفلسفية
نشر في الجمهورية يوم 02 - 02 - 2007


- عبدالوهاب الحراسي
لايتنازع اثنان على موسوعة العلاقة كصفة لسعة وعمق المعرفة في أبوزيد عبدالرحمن ابن خلدون «1332 1406م»،ومن الثابت الوصف أنه «مؤرخ وفيلسوف اجتماعي عربي من أعلام زمانه «القرن الثامن الهجري» في الإدارة والسياسة والقضاء والأدب والعلوم..ولد في تونس وتوفي في القاهرة،تولى أعمالاً سياسية في فاس غرناطة وتلمسات ولقي دسائس ووشايات ثم متوجه إلى المشرق واستقر في مصر وتولى قضاء المالكية ألّف في التاريخ فكان فيه مؤسساً ورائداً لعلم فلسفة التاريخ والاجتماع في «مقدمته» الشهيرة لكتاب العبر الذي أرسى فيه أسس علم الاجتماع»«المنجد في الأعلام» وكاتب هذه الدراسة ينازع الجميع في وصفية منهج ابن خلدون الدقيقة والتي مارسها في «مقدمته»:
«مقدمة ابن خلدون:كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» «مقدمة ابن خلدون دار القلم الطبعة السادسة ص7» ،بل وفي وصفية ابن خلدون ذاتها في حديثه عن العلوم ،ولكن وبالرغم من ذلك فقد وجدت أخطاء ربما غفلت على ابن خلدون أو تغافل هو عنها أو وقع في فخها وذلك في معرض حديثه عن «العلوم العقلية وأصنافها» «في ابطال الفلسفة وفساد منتحليها» ولاستجلاء تلك الأخطاء فقد قام الكاتب بهذه الدراسة والتي سنراها على هذا النحو:
أولاً:قراءة نصوص الموضوعات في الفلسفة في المقدمة:«الفصل الثالث عشر»
«الفصل السابع عشر» «الفصل الحادي والعشرون» و«الفصل الرابع والعشرون» على وجه الخصوص
ثانياً:مع التقاط آراء ومواقف صاحب المقدمة من و/ أو في تلك الموضوعات
ثالثاً:ثم محاولة الرد على ما يمكن ويستحق من النقاط أثناء ذلك
رابعاً: جمع مايمكن وصفه بأنه خطاء ومحاولة تعليله أو تفسيره ثم الحكم علىه أو من خلاله أو به، أخيراً.
ومعنى ذلك أننا سنقوم بدراسة تحليلية للنصوص الواردة في المقدمة والتي تعنى بالفلسفة أو الموضوعات الفلسفية وخصوصاً نص الفصل الرابع والعشرون «في إبطال الفلسفة وفساد منتحليها» وذلك بغية الكشف عن مواقف وآراء ابن خلدون في الفلسفة وعن ماهية الفلسفة عنده، وعن طبيعة الأخطاء في نظرته إليها.
أولاً:الفلسفة عند ابن خلدون:
إذا سألنا: ما الفلسفة بنظر ابن خلدون؟فإننا سنجد الإجابة عنده بأنها«تلك العلوم العقلية التي هي طبيعة للإنسان من حيث أنه ذو فكر،فهي غير مختصة بملة ،بل بوجه النظر فيها إلى أهل الملل كلهم، ويستوون في مداركها ومباحثها وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة وتسمى هذه العلوم علوم الفلسفة والحكمة،وهي مشتملة على أربعة علوم:
الأول: علم المنطقة وهو علم يعصم الذهن عن الخطأ في اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة المعلومة «....» والعلم الطبيعي وهوالثاني«....» والعلم الإلهي وهو الثالث والعلم الرابع وهو النظر في المقادير «أو» «الأرتماطيقي» «=أي الرياضيات» و أن «أصول العلوم الفلسفة وهي سبعة المنطق وهو المقدم منها وبعد التعاليم فالأرتماطيقي أولاً ثم الهندسة ثم الهينة«الفلك» ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات،ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه«!!»»
«المقدمة:الفصل السادس من الكتاب الأول الفصل الثالث عشر،انظر الملحق رقم«1»»
إن من أهم ما تدل إليه الفقرة السابقة هو قوله بفطرية التفلسف في الإنسان.
ثم اعتباطية تسمية ابن خلدون لعلم ماوراء الطبيعة «الميتافيزيقا» ب«العلم الإلهي» وهي تسمية يعيها ابن خلدون كما سيظهر في موضع آخر هو فصل«في علم الإلهيات» وبالرغم من ذلك يستمر صاحب المقدمة في اعتباطية تأصل الفلسفة بسبعة أصول تنتهي بفروعها وتفرعاتها إلى النجامة والسحر انظر «في العلوم العقلية واصنافها» وسريعاً ما نجد خطأً ناجماً، ربما عن تلك الاعتباطية،وذلك في معرض حديثه التاريخاني عن انتقال الفلسفة إلى العرب« وأما الروم فكانت الدولة منهم ليونان أولاً وكان لهذه العلوم بينهم مجال رحب وحملها مشاهير من رجالهم مثل اساطين الحكمة« الفلاسفة قبل سقراط» وغيرهم واختص فيها المشاؤون منهم أصحاب الرواق بطريقة حسنة في التعليم وكانوا يقرأون في رواق يظلهم من الشمس والبرد على ما زعموا،واتصل فيها سند تعليمهم على مايزعمون من لدّن لقمان الحكيم في تلميذه بقراط الدن ثم إلى تلميذه افلاطون ثم إلى تلميذه ارسطو....» «المقدمة: في العلوم العقلية واصنافها،انظر المحق رقم «1»» والخطأ الواضح في الفقرة السابقة هو جعل المشائين والرواقيين بمعنى واحد.
إذ أن المشائين هم تلاميذ ارسطو«384322ق.م» الذي «أنشأ مدرسة في ملعب رياضي«...» فيلقي على تلاميذه دروسهم وهو يتمشى وهم يسيرون حوله ،فلقب لذلك هو واتباعه بالمشائين»
أما الرواقيون» فهم أتباع «زينون الكيوني «336 264ق.م» والذي أنشأ مدرسة في رواق فدعي اصحابه بالرواقيين «ويسميهم الإسلاميون أيضاً باصحاب المظلة واصحاب الأصطوان» وينتج عن اعتباطية ،ابن خلدون ورجمه بالعام أيضاً،إسناد القارئ فعله في «علا مازعموا» و«على مايزعمون» إلى جميع الفلاسفة،بينما المقصود بهم هم الفلاسفة المسلمين فقط ،الذين يقومون بفعل أو بعملية «الرغم» كما سيتضح ذلك لاحقاً،واخيراً نلاحظ أن صاحب المقدمة في تاريخه لكيفية انتقال الفلسفة إلى العرب وعن طريق من،قد استبعد وتحاشى واستثنى عن قصد أول فلاسفة الإسلام «الكندي نحو 769873م» انظر العلوم العقلية واصنافها من بين جميع فلاسفة الإسلام بل ان صاحب المقدمة قد فعل ذلك دائماً،وفي كل مناسبة في فصول الموضوعات الفلسفية!!وليس لذلك من دلالة بقدر ماهو سبب منهجي تكمن فيه الدلالة وسنوضح ذلك لاحقاً ويكفي أن نخرج من هذا الفصل:
«في العلوم العقلية واصنافها» من المقدمة بصحة ثبوت النقاط التالية:1 قول ابن خلدون بفطرية التفلسف الإنساني ،في مرحلة تاريخية معينة أو في طور معين من أطوار حضارة الإنسان.
2 ركون ابن خلدون إلى التاريخ في معرفته أو جعل معارفه تاريخانية.
الأمر الذي جعلنا أو اعطانا الحق في وصف معارفه بالتاريخ الفلسفي بأنها اعتباطية أو ساذجة أو جزافية لا تخلو من الأحكام التعميمية والمطلقة وهو ماسنجده في بقية الدراسة كصوغه:«فهذه أصول العلوم الفلسفة وهي سبعة المنطق....الخ»
3 انه جعل نتيجة لذلك «النجامة» «التنجيم» «والسحر والطلسمات» و«الغنوسية» موضعات فلسفية.
ثانياً:«فصل» «في ابطال الفلسفة وفساد منتحلها» أو الموقف السلبي السلفي لابن خلدون تجاه الفلسفة
يتضح موقف ابن خلدون السلبي تجاه الفلسفة من عنوان الفصل المبين أعلاه وايضاً من مطلع حديثه فيه:«هذا الفصل وما بعده مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها...»
وهو يقول في متفلسفي وفلاسفة الإسلام « تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من ضلهم الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها وكان من اشهرهم أبونصر الفارابي..»
ثم نقرأ رأيه في العلوم الطبيعية مايجعلنا نشعر بخيبة الأمل أو المفاجأة ،بعد ذلك،«إلا أنه ينبغي لنا الاعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لايعنيه فإن مسائل الطبيعية لا تهمنا في ديننا ولامعاشنا فوجب علينا تركها».
وينهي ابن خلدون هذا الفصل بالتحذير من الفلسفة بقوله:«فليكن الناظر فيه متحرزاً جهده من معاطبها وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والأطلاع على التفسير والفقه ولايكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل:أن يسلم لذلك من معاطبها والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه..»لقد بنى ابن خلدون نظرته للفلسفة على أساس الإدراك«كمدلول عقلي» جعله ينظر إليها«أي الفلسفة» من زاوية المنطق التقليدي،ويرى الأخير قانوناً لإدراك الحس وما وراء الحس:«وذلك أن قوماً من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي وما وراء الحسي تدرك أدواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية«...» ووضعوا قانوناً يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق.» ثم يمضي صاحب المقدمة في وصف دقيق وتحليل بارع لمنطق ارسطو...
وهو قبل وأثناء ذلك يتخبط في تعريف المنطق فتارة يراه بأنه آله للعلوم:«ونظروا فيه من حيث أنه فن برأسه من حيث أن آله للعلوم» وتارة يراه«قانوناً يهتدى به العقل نظره إلى التمييز بين الحق والباطل» وثالثه يراه«علم يعصم الذهن من الخطأ في اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة المعلومة» وأيضاً أنه «قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود المعرفة للماهيات والحجج المفيدة للتصديقات»
والحقيقة أن هذا التخبط منقول ربما حرفياً،عن تخبط فيلسوفي الإسلام الفارابي وابن سيناء في تعريفهما للمنطق فالفارابي في كتابه «احصاء العلوم» يرى أن «المنطق صناعة تعنى بالجملة القوانين التي من شأنها أن تقوم العطل وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق في كل مايمكن أن يغلط فيه من المقولات» لكنه في مكان آخر يعرف المنطق بقوله: «هو مجموعة من القوانين تستخدم في امتحان المقولات كما نستخدم الموازين والمكاييل في قياس الأجسام».
والواقع أن الفارابي يتخبط بين رأيين،تارة في اعتباره المنطق جزء من الفلسفة«تحصيل السعادة ص2021» وتارة في اعتبار المنطق آله الفلسفة.«التنبيه على سبيل السعادة ص21».
والأمر نفسه عند ابن سينا في تعريف المنطق فهو تارة ينظر إليه على أنه آله لاكتساب العلوم،وتارة على أنه جزء من الحكمة «أي الفلسفة» «الرسالة التاسعة في أقسام العلوم العقلية».
كما يمكننا أن نجد تعريفين مختلفين للمنطق عند ابن سينا..ففي كتاب «النجاة» يقول«أن المنطق هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون الحد الصحيح الذي يسمى بالحقيقة حداً والقياس الصحيح الذي يسمى بالحقيقة برهاناً» «النجاة من 3»
وفي كتاب «الإرشادات والتنبيهات» يعرف المنطق بأنه قانون صناعي عاصم للذهن من الزلل،مميز لصواب الرأي عن الخطأ في العقائد بحيث تتوافق العقول السليمة على صحته ،إنما احتيج إلى تمييز الصواب عن الخطأ في العقائد المتواصل بها السعادة الأبدية لأن سعادة الإنسان من حيث هو إنسان عاقل في أنه يعلم الخير والحق أما الحق فلذاته،وأما الخير فللعمل به» «الإشارات والتنبيهات ص23».
يقرر ابن خلدون أن المنطق هو منهج الفلسفة،وحيث أنه قانون لإدراك الوجود الحسي وما وراء الحسي،كما أنه «ابن خلدون» دائماً مايعيد انطلاق الفلسفة من أرسطو.
ويقرر أن المنطق الأرسطي هو أساس السعادة =الفضيلة».
وأن النفس الناطقة «العاقلة» تحصل على السعادة الكاملة من قدرتها على معرفة الفضيلة والرذيلة،بمنهج المنطق الأرسطي؛ثم يسند كل ذلك إلى الفيلسوف أرسطو.
نخشى الاستنتاج،من أول ما يقرره ابن خلدون،أنه يجهل أو يتجاهل تاريخ الفلسفة اليونانية،فالفلسفة اليونانية في عصرها القديم كانت مجموعة النظريات الفلسفة والتي تشكلت على أساس مبادئ المعرفة الكلية،الرياضية والفيزيائية ،وليس على المنطق الأرسطي:
كان «برمنيدس» يرى أن الوجود إما أن يكون موجوداً أو غير موجود ،وإذا كان غير موجود فلايمكن لأحد أن يبحث فيه أو يعرفه.
وكان «زينون الإيلي» قد قدم حججاً منطقية على استحالة الحركة في العالم الطبيعي نتيجة وحدة المكان وقابليته للقسمة اللا متناهية إلى أجزاء لامتناهية في الصغر.
واهتم «الفيتاغوريون» بدراسة التقابل بين الضداد وقالوا بأن الأضداد العشرة،التي نقلها عنهم أرسطو وهي المتناهي، اللامتناهي الوحدة، الكثرة، الذكر، الأنثى، المستقيم، والمتعرج، الخير، الشر، اليمين، والشمال، السكون، والحركة، النور، الظلم، المربع، المستطيل.
واهتم «هراقليطس» بموضوع الأضداد ووحدتها،كما عني بمبحث التناقض واعتبره قانوناً عاماً للوجود.
فهو يرى بأن طبيعة العالم مركبة من الأضداد،فكل شيء هو موجود في الوقت ذاته،فالأشياء الباردة تصبح حارة والحارة تصبح باردة وهكذا دواليك.
وكان«السفسطائيون» يرون أن الإنسان هو مقياس كل الأشياء ،فما يراه حقاً فهو حق ،ومايراه باطل فهو باطل»
«المنطق التقليدي مهدي فضل الله ص1011».
وعدم إلمام ابن خلدون بتاريخ الفلسفة اليونانية،بل تجاهله لها قد شمل الفيلسوف سقراط أو «بقراط الدّن» على حد تعبير ابن خلدون إذ لم يُراعي الأخير بأن الأول «هو أول من طلب الحدا الكلي طلباً مطرداً، أو توسل إليه بالاستقراء ويركب القياس بالحد» فالفضل يرجع إليه في هذين الأمرين.
ويبدو ابن خلدون متناقضاً حين يقرر بأن «العلم الإلهي وعلم مابعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأساً ولايمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية «أي الجزئية» إنما هو ممكن فيما هو مدرك لنا ونحن لاندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها»ثم يستشهد في قوله «وأما ماوراء ذلك من السعادة التي وعدنا بها الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأمر لايحيط به مدرك المدركين وقد تنبه لذلك زعيمهم أبو علي ابن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة فلنا في البراهين سعة...»
ووجه التناقض في ذلك أن ابن خلدون ينفي إمكان البرهنة على الموضوعات إلهية والميتافيزيقية بالعقل والمنطق الأرسطي ومقياسه.ثم يستشهد بابن سينا الذي يؤكد البرهنة على مثل تلك الموضوعات بالبرهان العقلي.
ثالثاً: تكشف الحقائق
ثمة عبارة غامضة أوردها ابن خلدون في معرض تقريره بأن النفس العاقلة والفضيلة والسعادة الأبدية كل ذلك يتوقف على المنطق الأرسطي.
هذه العبارة هي :«ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الأحاد وهي العشر، تسع منفصلة ذواتها جمل وواحد أول مفرد وهو العاشر».
فلم يوضح ابن خلدون المقصود من ذلك!! هل هو تكوين العالم عند الفيثاغوريين الذين «قالوا مثلاً، أن العدد الكامل هو العشرة لأنه مؤلف من الأعداد جميعها وحامل على خصائصها جميعاً فيلزم أن الأجرام السماوية المتحركة عشرة «لأن العالم كامل وحاصل على خصائص الكمال»،ولكن لما كان المعروف المنظور هنا «عند الفيثاغوريين» تسعة فقط، فقد وضعوا أرضاً غير منظورة مقابل أرضنا إلى أسفل ليكملوا العدد عشرة»
«تاريخ الفلسفة اليونانية يوسف كرم».
أم أن ابن خلدون يقصد بعبارته المقولات العشر «حيث الجوهر أحق المقولات باسم الوجود أما التسعة الباقية فلا تسمى وجودات إلا بالمعية لانها حالات للجوهر، هو سابق عليها، فإنها تتقوم به، وهو يتقوم بذاته»
«تاريخ الفلسفة اليونانية يوسف كرم»
الحقيقة أن ابن خلدون لايقصد هذه ولاتلك، بل عنى بعبارته الأفلاك والنجوم العشرة «العاقلة والمعقولة» عند الفارابي وابن سينا والذين هما السبب المباشر، ربما، في التقرير الذي جعل ابن خلدون يرتكز عليه في تناوله للفلسفة، وهذا:
أ)التقرير هو أن الغاية من برهان «منطق» أرسطو عند أرسطو هي السعادة المنشودة الحاصلة في النفس الناطقة الناجمة عن توصيله إلى الحقائق الإلهية.
ب)والقول بأن النفس تنال السعادة القصوى باكتساب المعارف بالموجودات بما هو موجود «بنظر الفكر والأقيسة العقلية» أو «بقوة النظر» هو إدعاء أرسطو.
إن هذا التقرير لاينطبق على أرسطو ولم يقل به .. ولم يكن موضوع برهانه «منطقه» الميتافيزيقا باعتبارها «علم الإلهيات» أو باعتبار خلود النفس، بل باعتباره قضايا تصوريه لعلل الموجودات الصورية المساوقة لمعلولاتها كالنفس «العقل» والجسم ...الخ
كما لم يقل أرسطو مانسبه ابن خلدون عن نيل النفس لسعادتها القصوى باكتساب المعارف ...الخ
بل إن التقريرين «أ» و «ب» يعودان للفارابي وابن سينا على التوالي، جمعا وعلى حدة، وسنبداء الآن التوضيح بالنقطة «أ».
لقد حاول الفارابي دمج الفلسفة بالملة «الدين» ورأى بأسبقية الفلسفة على الدين وهو مايقره ابن خلدون في «العلوم العقلية وأصنافها».
ولتأسيس ذلك الدمج قام الفارابي بجعل «مابعد الطبيعة» لأرسطو كالجدل لأفلاطون حيث بدأ بالبرهنة على ذلك بالمسلمة «الموجود والواجب لوجود» كسبب أول متى وجد له الوجود «لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره على ماهي عليه من الوجود الذي بعضه مشاهد بالحس وبعضه معلوم بالبرهان»،هكذا فاضل بينهما، وهذا الاقتران يتم عن طريق القبض: ذلك أن وجود مايوجد عن واجب الوجود «انما هو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو، وبما أن واجب الوجود هذا هو، بالتعريف،واحد بسيط كامل خال من جميع انحاء النقص فهو لايحتاج في وجوده إلى مادة أو إلى أي شيء آخر، وبما أن مالا مادة له هو، بالتعريف، عقل و مفارق «أي محض صورة عقلية» فإن مايفيض عن وجوده هو كذلك عقل واحد وبسيط مثله«2».
ذلك هو العقل الأول في سلسلة العقول السماوية الفائضة عن واجب الوجود، وابتداء من هذه النقطة بتدخل النظام الفلكي القديم « » ليحول المنطق إلى انطولوجيا وليمزج بين الطبيعة وما واء الطبيعة بشكل يجعل الواحد منهما يفسر الآخر ويكمله، وهكذا، فهذا العقل الأول يعقل ذاته ويعقل مبدأه = «واجب الوجود = الله» فتحدث فيه الكثرة بهذا الاعتبار، أي باعتبار تعدد معقولاته،ومن هذه الكثرة الاعتبارية تحدث على الصعيد الانطولوجي، وبالتالي يتم التغلب على المبدأ القائل، عن الواحد لايصدر إلا واحد، وهو المبدأ الذي أدى إلى القول بالفيض كحل لمشكلة الخلق: خلق العالم المتكثر من إله تشكل الوحدة والوحدانية حقيقته الأساسية، وهكذا فيما يعقل ذلك العقل الأول ذاته تفيض عنه كرة سماوية «= فلك» جرماً ونفساً هكذا مرة واحدة ودونما تمييز بينهما سوى أن النفس هي مبدأ جرم الفلك، أي المتحرك له، وذلك على خلاف ماسيذهب إليه ابن سيناء كما سنرى بعد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ذلك العقل يعقل أيضاً مبدأه، أي واحب الوجود، فيفيض عنه بسبب ذلك عقل ثان، وهذا الثاني يعقل ذاته فتفيض عنه كرة سماوية أخرى جرماً ونفساً، ويعقل مبدأه فيفيض عنه عقل ثالث،وهكذا إلى العقل العاشر الذي فاض عن العقل التاسع هو وكرة القمر، مروراً بكرة السماء الأولى وكرة الكواكب الثابتة وكرات زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد فالقمر، وعند هذا العقل العاشر«11»
ينتهي «صدور الاشياء المفارقة التي هي في جوهرها عقول ومعقولات» كما ينتهي عند كرة القمر، وجود الأجسام السماوية وهي التي بطبيعتها تتحرك دوراً» وبدلاً من ذلك تصدر عنه، أي عن هذا العقل العاشر، النفوس الأرضية والميول المشتركة لجميع الأجسام، هذه الميول التي تتحول بحركة الافلاك فتتشكل منها العناصر الأربعة «النار والهواء والماء والتراب» التي منها تتكون الأجسام الأرضية، وهكذا فبمجرد مايتكون جسم ما على هذا النحو يفيض عليه العقل العاشر الصورة التي تناسبه «ولذلك يسمى ب «واهب الضرر» كما يسمى ب «العقل الفعال»،ومن هنا يتخذ ذلك الجسم شكلاً زائداً على جسميته فيصبح كائناً من الكائنات الأرضية.
جميع الكائنات الأرضية تتألق، اذن، من مادة وصورة، والإنسان واحد منها، مادته بدنه وصورته نفسه: النفس فاضت عن العقل الفعال واهب الصور عندما صارت مادة الجسد في الرحم مستعدة لتقبلها، والنفس البشرية مجموعة من القوى:قوى منمية «غاذية ومربية ومولدة» ويشترك فيها النبات والحيوان والإنسان، وقوى نزوعية «شهوانية وغضبية» ويشترك فيها الحيوان والإنسان وحدهما، وقوى مدركة «قوى الحساسية والتخيل وهي للإنسان والحيوان، وقوة ناطقة وهي للإنسان فقط»، وعلى الرغم من تعدد هذه القوى فالنفس تبقى مع ذلك واحدة لاتتجزأ لتعدد وظائفها، وهي في الإنسان تستكمل حقيقتها بالقوة الناطقة، هذا من جهة، ومن جهة مشكلة من هذه القوى، صورة للجسد، فوجودها مرتبط بوجود الجسد، وهذا على العكس بماسنجده عند ابن سيناء الذي بنى فلسفته «الخاصة» على القول بجوهرية النفس واستقلالها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يولي الفارابي أهمية قصوى للقوى الناطقة، التي هي العقل، ويعني بكيفية خاصة بالعقل النظري الذي يجعله مراتب ثلاثاً:
العقل الميولاني ويسميه أيضاً العقل بالقوة، هو نفس ما أو جزء من نفس أو قوة من قوى النفس أو شيء ما: ذاته معدة أو مستعدة لأن تنزع ماهيات الاشياء كلها وصورها دون موادها فنجعلها كلها صورة لها».
العقل بالفعل وهو نفس العقل الميولاني وقد حصلت فيه المعقولات التي انتزعها من المواد، تلك المعقولات التي تصير هكذا معقولات بالفعل بعد أن كانت قبل انتزاعها معقولات بالقوة.
العقل المستفاد وهو نفس العقل بالفعل الذي حصلت فيه المعقولات المجردة من المواد والذي أصبح قادراً على إدراك المعقولات البريئة من المادة أصلاً، أي الصورة المجردة مثل العقول السماوية، وهذا العقل المستفاد هو أعلى مرتبة يستطيع العقل البشري بلوغها انها المرتبة التي «لايكون بينه وبين العقل الفعال شيء آخر فيصبح مؤهلاً لتلقي المعقولات منه مباشرة» «12»
تلك هي مرتبة الفليسوف وهي مرتبة توازن بل تفوق مرتبة النبي باعتبار أن الفيلسوف يتلقى الحقائق من العقل الفعال بعقله في حين يتلقاها النبي منه بمخيلته، وهذا الذي يلقيه العقل الفعال في عقل الفيلسوف أو في مخيلة النبي يتلقاه هو من الله:
وهكذا «يكون الله عز وجل يوحي إليه = «إلى الإنسان» بتوسط العقل الفعال فيكون مايفيض من الله تبارك وتعالى إلى العقل الفعال يفيضه العقل الفعال إلى عقله المنفعل بتوسط العقل المستفاد، ثم إلى قوته المتخيلة، فيكون بما يفيض منه إلى عقله المنفعل حكيماً فيلسوفاً ومتعقلاً على التمام، وبما يفيض منه إلى قوته المتخيلة نبياً منذراً بما سيكون ومجبراً «بهذه الطريقة يرتب الفارابي العلاقة بين الدين والفلسفة على مستوى نظرية المعرفة، بعد أن رأيناه في الفصل السابق يرتبها على مستوى التحليل التكويني للمعارف والعلوم».
هكذا يربط الفارابي السعادة بالمعرفة العقلية، إذ بهذه المعرفة تستكمل نفس الإنسان حقيقتها وتصبح غير محتاجه في قوامها إلى مادة فتكون بذلك من جملة الأشياء البريئة من المادة، أي من جملة الكائنات التي لاتحتاج في أن تدرك إلى عضو به تدرك ولا إلى جسم يكون كالمادة للصورة التي تريد إدراكها، وهكذا فالسعادة هي أن تصير النفس، بواسطة المعرفة العقلية،في جملة الجواهر المعارفة للمواد وأن تبقى على ثلث الحال دائماً ابداً، إلا أن رتبتها تكون دون العقل الفعال، لأن هذا جوهر روحاني بطبيعته، أما النفس فليست كذلك وإنما تكتسب تلك الصفة بالعلم والمعرفة، أما... مادامت لم تستكمل « = حقيقتها» ولم تعمل أعمالها «= العقلية التي بها تصير كاملة فإنها تبقى» قوى وهيئات فقط معدة لأن تقبل رسوم الأشياء مثل البصر قبل أن يبصر وقبل أن تحصل فيه رسوم المبصرات.
هذه هي السعادة عند الفارابي وطريقها، كما رأينا، هو العقل واستكمال النفس حقيقتها بالمعرفة النظرية، المعرفة بمبادئ الموجودات ونظام الكون والعقول المفارقة...الخ
أما ابن سيناء فهو يربط السعادة باللذة التي تحصل للنفس عند تحررها من البدن كما سنرى،وهناك جانب آخر يربط الفارابي السعادة به بينما يسكت عنه ابن سيناء تماماً، هذا الجانب هو الطبيعة الاجتماعية للإنسان فالسعادة لايمكن أن تحصل له إلا إذا كان يعيش في مجتمع وكان هذا المجتمع فاضلاً» «بنيه العربي د. محمد عابد الجابري».
ب) ذلك مافعله الفارابي وابن سيناء بالمنطق الأوسطى؛ وذلك ابن خلدون يتهم ارسطو ومنطقه بالمسئولية أو المرجعية لقولهم «ان السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالفضائل» أو «ان السعادة في إدراك الموجودات على ماهي عليه بتلك البراهين»
ثم مرجعيته في قولهم عن «احوال النفس بعد مفارقة الأجسام وعودها إلى المبدأ وهو عندهم علم شريف يزعمون أنه يوفقهم على معرفة الوجود على ماهو عليه وأن ذلك عين السعادة في زعمهم».
ولو أن ابن خلدون قرأ أرسطو لوجد مايلي
أن مسألة العقل الخالد «النفس الناطقة» أو العاقلة هي «مسألة عالقة».
إذ سيجد «عند أرسطو قولا فيها متفق مع رأية في مباينة العقل للمادة وسموه عليها، وان كان يعوزه بعض البيان؛هذا القول هو:«أما العقل فيلوح تماماً أنه يأتي فينا وهو حاصل على «قوة المادة» وتعود إليها.. «ولايستطيع ابن خلدون» أن يقول بأن النفس الناطقة مخلوقة، فإن أرسطو لم يعرف فكرة الخلق، ولا أن يقول بالتناسخ لأنه يُلح في أن العلل الفاعلة فقط لها وجود سابق على معلوماتها، وأما العلل الصورية كالنفس فمساوقة لمعلوماتها في الوجود، وأن كل مايمكن الفحص عنه هو بقاء الصورة بعد إنحلال المركب لايسبقها على تأليفه وإذاً سيستنتج ابن خلدون فمن أين يأتي العقل؟« المسألة عالقة» «تاريخ الفلسفة اليونانية بتصرف». وسيجد ابن خلدون أن هذا الأمر يترتب عليه عدم إمكانية تحقق السعادة الكاملة الأبدية للإنسان بالرغم من أن «جزءاً منه إلهي هو العقل» «لأنه خالد» الذي به الإنسان «يزاول النظر» فأنه لايزاوله إلا أوقاتاً قصاراً فسعادته به ناقصة، وكان ليكون النظر السعادة الكاملة لإنسان لو أمكن أن يملأ حياته بأكملها «وسيجد ابن خلدون وإذن فالإنسان قد فاتته غايته» «ص 200 تاريخ الفلسفة اليونانية بتصرف».
رابعاً: في أخطاء ابن خلدون الفلسفية
بنى ابن خلدون حكمه على الفلسفة على المقدمات التالية:
أن الإدراك «كمدلول عقلي» يؤدي إلى النظر إليها «أي الفلسفة» من زاوية المنطق الأرسطي.
أن فلسفة أرسطو هي منطلق الفلسفة في عمران العرب والمسلمين الإسلامية.
أن مباحث الفلسفة الإسلامية هي نسيج واحد وصورة مصمتة واحدة هي محاولة مساواة حجة العقل بحجة الشرع.
ثم انتهج دمج مراحل المعارف الفلسفية منذ أرسطو حتى القرن الثامن الهجري، ضاماً في ذلك المعارف الفلكية والحسابية، ثم العنوسية والطلسمات من السحر والتنجيم.
ولم يكن في مقدور ابن خلدون الوضعي والوصفي إلا أن يرى الفلسفة كما رآها.. لكنه بمنهجه الوصفي وبسعة وعمق معارفه مايجعلنا نقرر أن تلك الأخطاء التي وجدناها في تناولاته الفلسفية والتي أهمها:
1 التفلسف على أساس أن المنطق آلة الفلسفة.
2 الجهل بتاريخ الفلسفة اليونانية.
أقوال أننا نقرر بأن هذه الأخطاء لم تكن أخطاء ابن خلدون بقدر ماهي أخطاء ارتكبها فلاسفة الإسلام أنفسهم، إذ لانجد في تاريخ الفلسفة الإسلامية فيلسوفاً أو رأياً فلسفياً لايخضع لفلسفة أرسطو أو لمنطقة،وهي الحقيقة التي نكتشفها عند ابن خلدون الذي وجد مفهوم الفلسفة في تاريخ الفلسفة الإسلامية بدأت بأرسطو ومرت بالفارابي فابن سيناء ثم الغزالي فتنتهي بابن رشد، وأن كل هؤلاء أرسطيون، إذاً فالفلسفة تبدأ وتنتهي بأرسطو.
وأخيراً يجب الاستنتاج بأن ابن خلدون لم يرفض الفلسفة ولم يحذر منها إلا لأنه، بإعلان صريح رفض من حيث المبدأ ارتكاز الفلسفة على المنطق أو على أن «المنطق آلة الفلسفة» .. ويشير إلى ذلك موقفان اثنان لابن خلدون.
الأول: أنه يسلم بفطرية تفلسف الإنسان، وبحقه في ذلك بعض النظر عن مال تفلسفه.
والثاني:أنه تعرض لأهم فلاسفة الاسلام : الفارابي وابن سيناء والغزالي .... ابن رشد لكنه لم يتطرق للفيلسوف الكندي أو لفلسفته،برغم من أنه أول فلاسفة الإسلام، وفيلوس العرب الوحيد، ولانجد تفسيراً لهذا الاقصاء... سوى أن الكندي لم يكن منطقياً أو برهانياً أرسطياً،إذ أن البرهان لم يكن قد اكتمل نقله في أيامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.