سنوات طويلة مضت وواقع التعليم في بلادنا وبعض الدول العربية يعاني من إشكاليات مختلفة ومتشعبة جعلت مخرجاته ونتائجه لا تلبّي احتياجات ومتطلبات التنمية البشرية، للكثير من الأسباب التي حصرها بعض المختصين التربويين في المنهج التعليمي وفي الإدارة المدرسية والكادر التربوي وعوامل كثيرة جعلت واقع التعليم في اليمن تحديداً مشكلة حقيقية استعصى معالجتها بالطرق التقليدية غير المجدية، لاسيما وأن معظم هذه الطرق لم تعرف مكمن الخلل الأساسي النابع من مرحلة التعليم الأساسي التي بإصلاحها يصلح أساس التعليم..نتائج ومؤشرات إيجابية مدهشة ظهرت في اليمن بعد قرابة عام ونصف من استخدام أسلوب جديد في التعليم يسمي نهج القراءة المبكرة، والذي تبنته وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع مشروع تحسين معيشة المجتمع التابع للوكالة الأمريكية للتنمية ويستهدف طلاب الصف الأول والثاني والثالث من التعليم الأساسي في عدد كبير من مدارس الجمهورية، والذي يطبق في أكثر من 37 بلداً حول العالم لعلاج القراءة المبكرة وحل الإشكاليات التي تواجه الكثير من الطلاب في الصفوف الأولى من مرحلة التعليم الأساسي، بشهادة شركات عالمية متخصصة في التقييم التربوي والتي أشارت إلى أن هذا النوع من التعليم استطاع أن يحقق ثورة تربوية كبيرة في اليمن، وجعل طلاب المرحلة الأساسية أكثر مقدرة على القراءة والابتكار والمشاركة أكثر من غيرهم في المراحل المتوسطة والجامعية لاسيما وكل أطراف العملية التربوية (الآباء والأمهات والمدرسين والطلاب والإدارات المدرسية) اشتركت في تنفيذه ليحقق معدلات نجاح وإبداع غير متوقع. ولتسليط الضوء بشكل معمق على هذا النوع الحديث من التعليم الذي اقر من قبل وزارة التربية والتعليم ويدرس في أكثر من 1200 مدرسة أساسية على مستوى الجمهورية، التقينا بعدد من الخبراء التربويين والمشرفين على تنفيذ البرنامج وخرجنا بحصيلة إيجابية ستدهش القراء والمتابعين. نقلة نوعية الأخ صالح ناصر طري مدرب وموجه تربوي وأحد المشرفين على تنفيذ البرنامج، سألناه عن ماهية هذا الأسلوب الجديد في التعليم وآلية تنفيذه في المدارس، فأجاب بقوله: من أهم الأهداف التي جاء من أجلها البرنامج هو تحسين الكتابة والقراءة لدى تلاميذ الصف الأول والثاني والثالث في التعليم الأساسي، وهذا البرنامج أو المشروع جاء نتيجة وجود الضعف الكبير في المستوى التعليمي في الصفوف الأولى والاختبارات التي أظهرت الضعف القرائي والكتابي عند الطلاب في الصف الرابع وما فوق، لذلك تم تبني هذا البرنامج كأسلوب تربوي حديث و كأسلوب تعليمي جديد لإصلاح مختلف المشاكل التي يعانيها قطاع التعليم الأساسي في اليمن، هذه المشاكل تعتبر احد أهم الأسباب التي أثرت على التعليم المتوسط وحتى التعليم العالي الذي يعاني من ضعف المخرجات، وحقيقة هذا النهج الفاعل نفذ في كثير من دول العالم وفي أربع دول عربية ونفذ في اليمن قبل حوالي العامين وتم تجريبه في أكثر من مديرية وأكثر من محافظة وبحمد الله أثمرت نتائجه بشكل جيد وبشكل إيجابي على مختلف الأصعدة، لهذا أصبح نهج القراءة المبكرة من أهم البرامج التي يجب على وزارة التربية والتعليم مضاعفة الاهتمام بها وتعزيزها وتعميمها على مستوى الجمهورية، لما فيها من فائدة كبيرة وعظيمة تعود على أبنائنا الطلاب في تحسين قراءتهم وتحسين كتابتهم التي تعتبر الأساس الذي يبنى عليه مستواهم وقدراتهم في بقية مراحلهم الدراسية. - وأضاف: كانت البداية باختيار المدربين من الميدان والموجهين والمتخصصين في اللغة العربية في عدد من المدارس وبعد ذلك تم تدريبهم، وطبعاً هناك فريق آخر أسمه فريق الإعداد وهو فريق منتدب من قبل وزارة التربية والتعليم والذي أشرف على التدريب، ومن بعد تدريب كبار المدربين تم تدريب المدربين والمدربات وبعدها المدرب يدرب المعلم ولديهم فترة محددة للتدريب والتطبيق، أيضا في الواقع بشكل عملي وطبعا كل معلم ينفذ البرنامج بشكل دقيق مع طلابه في الفصل، ويشترك فيه كافة الطلاب بشكل جماعي وحتى الأسرة تشترك في تنفيذ البرنامج. - وحول إن كان هناك أسلوب ابتكاري في التنفيذ لهذا الأسلوب من التعليم، قال صالح: هذا البرنامج قائم أساساً على التشويق والمشاركة الطلابية واستخدام الوسائل التعليمية واستخراج الحروف من مصادرها الصحيحة وتعليم الطفل كيفية نطق الحروف بشكل صحيح والكتابة والقراءة بدون أي أخطاء وهو مازال في الصف الأول، وبالتالي نعكس قدراته إيجابياً وتطوره في كافة المواد الدراسية، والنتائج التي تحققت أدهشت المعلمين أنفسهم وأدهشت أولياء الأمور ومختلف المختصين في المجال التربوي، والخبراء الدوليين أيضا، واعتبرها الكثير المدخل الأساسي لإصلاح منظومة التعليم في اليمن ومختلف الدول التي نفذ فيها هذا البرنامج . ثاني دولة عربية كما التقينا بالأستاذ رشيد العقاب (خبير تدريب ومدير برنامج نهج القراءة المبكرة في مشروع clb مشروع تحسين معيشة المجتمع التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) والذي كشف الكثير من التفاصيل المهمة حول هذا البرنامج والأساليب التربوية الحديثة التي يستخدمها لمعالجة الاختلالات في المرحلة الأساسية من التعليم حيث قال: الطفل لا يتعلم في سن مبكر وهذه مشكلة تؤثر على دافعيته للتعلم وحبه للمدرسة وتفقده الثقة بنفسه وتجعل حماسة للدراسة اقل، وهذا الأمر لا يؤثر على مستواه في القراءة والكتابة فقط بل يؤثر على النمو بشكل عام، وليس في الصف الأول فقط وإنما حتى في مراحله الدراسية الأخرى وصولاً إلى الجامعة، وبالتالي كلما تعلم الطالب بشكل مبكر كلما كانت دافعيته للتعلم اكبر وثقته بنفسه اكبر، لهذا لابد من معالجة الخلل منذ البداية، ونستهدف القراءة المبكرة و نجعلها سلسة بدون صعوبات، فليس من المهم أن ترى طفلاً يقرأ فقط، المهم كيف نعلمه أصول القراءة، فإذا تعلم في ظل وجود ضغوطات عليه وفي ظل وجود عنف عليه في التعلم هذا الأمر يؤثر عليه جداً ويؤثر سلباً على ارتباطه بالمدرسة وحبه لها وعلى نموه العقلي والفكري، لذلك كل الدول الآن أصبحت تفكر في كيفية تسهيل عملية القراءة المبكرة، وهذا البرنامج الموجود معنا هو واحد من أهم الطرق لتسهيل القراءة المبكرة، وهذه الطريقة تقوم على أسس تربوية تراعي رغبات وطبيعة الطفل، فالطفل بحاجة إلى أن يلعب وبحاجة إلى أن يتحرك دون قيود فيتم تنفيذ البرنامج أو الطريقة بهذا الشكل مثلاً يعطى للطفل مجموعة من الألعاب التعليمية على شكل حروف وأشكال جميلة و تجعله يشارك معك في معرفة الحرف بطريقة اللعبة، وهذا الأمر يجعل الطالب يشارك بكل حواسه فلابد أن يسمع ويرى ويفكر ويتخذ قراراً، وهذه الطريقة كما قلت بدأت الكثير من الدول العربية تنفذها وبدأت قبلنا مصر في 2008م والتي نفذت برنامجاً متكاملاً على مستوى الوطن بشكل كبير جدا ونحن نعتبر ثاني دولة عربية ننفذ البرنامج، ويأتي من بعدنا عدد من الدول العربية مثل المغرب والأردن والعراق، وبعد فترة سيأتي إلينا وفد من المغرب الشقيق حتى يرى نتائجها في اليمن ويستفيد منها قدر المستطاع. - وأضاف العقاب: وخلال العام القادم بإذن الله سنعمم البرنامج على مستوى كافة مدارس الجمهورية، وطبعاً لم نحب أن نجازف وننفذ البرنامج مرة واحدة على كل المدارس فلا يمكن المجازفة في هذا المجال وإنما نفذناها في 373 مدرسة حتى نرى نتائجها وثمارها وبعد أن رأينا نتائجها الإيجابية و ما حققته من تقدم كبير في مستوى الطلاب قررنا التوسع بها هذا العام وتعميمها العام القادم على كل المدارس، طبعاً نحن لنا الآن في تنفيذ البرنامج عامان و برنامج نهج القراءة قد تم إدخاله في المنهج مباشرة، والآن كتاب الصف الأول في المرحلة التجريبية كتاب رسمي في 1200 مدرسة مقراً من اللجنة العليا للمناهج، وحكم من قبل المتخصصين في اللغة العربية في كل الجامعات اليمنية ومن قبل خبراء دوليين لكن الآن نحن مازلنا نعمل المرحلة الثانية من التجريب للكتاب، فالكتاب هو ليس المنهجية بل هو جزء منها فالمنهجية هي عبارة عن نظام للتدريس يعني خطوات معينة تعتمد على سماع قصة وسماع صوت الحرف وعلى مزج الحروف وعلى تركيبها وعلى القراءة المستقلة والقصة الاستماعية. المعلم مستفيد الأخت جميلة المحيا «كبيرة مدربين في برنامج نهج القراءة المبكرة» استعرضت خطوات ومراحل وآلية تنفيذ هذا البرنامج حيث قالت: هناك وسائل كثيرة لتنفيذ التدريب وفرها لنا المشروع «مشروع تحسين معيشة المجتمع» منها لوح القلاب وكتاب الطالب ومن السهل بهذه الوسائل أن يتدرب المعلم على البرنامج وينزل يطبقه على الطلاب في نفس اللحظة لان الوسيلة موجودة وموزعة مع كل معلم وكل مربية في غرفة الصف فاللوح القلاب يحتوي على جميع الصور والرسوم والأشكال التي في الكتاب بشكل عام - وأضافت: بحمد الله لاحظنا ظهور قدرات إبداعية للأطفال واستطاع الأطفال أن يكتبوا قصصاً قصيرة، وصورنا نماذج من هؤلاء الطلاب لان الطالب عرف كيف يقرأ بشكل سليم وبطلاقة لهذا تفتحت المدارك، وأصبحنا الآن نتابع بعض المدارس مثل مدرسة السماوي ومدرسة القدس اللتين خصصتا في المكتبة زوايا خاصة لعرض إبداعات طلاب أبدعوا في ابتكاراتهم ومهاراتهم، والسبب بفضل الله هو هذا النهج التربوي السليم (نهج القراءة المبكرة)، هناك بعض المعلمين كانوا يشعرون بالتذمر البسيط في البداية وعندما رأوا النتائج والمردود اندهشوا لهذا التطور الكبير في مستوى طلابهم. بداية لإصلاح التعليم الأخ سعيد عثمان الحكيمي «خبير تدريب بوزارة التربية والتعليم» تحدث عن أهمية البرنامج على الصعيد الوطني والنقلة التي أحدثها في العملية التعليمية والتربوية، وقائلاً: البرنامج يعتبر مشروعاً وطنياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واعتقد بأنه سيكون بداية أساسية لإصلاح كل أوضاع التعليم في البلد، والعام الماضي أثناء تنفيذ البرنامج في بعض المدارس وجدنا طلبة في الصف الخامس أعيدوا إلى الصف الأول لكي يتعلموا أساسيات القراءة. - أما الأستاذ عبد الله حسن الشرعبي «كبير مدربين في نهج القراءة المبكرة بمحافظة صنعاء» سألناه عن دور منظمة clb « تحسين معيشة المجتمع » وطبيعة دعمها للبرنامج فأجاب بقوله: بالنسبة للمنظمة فهي تقدم دعماً شاملاً فنياً و مادياً ودعماً تعريفياً فهي تقوم أولا بإعداد الدليل التدريبي من خلال خبراء للتدريب ولجان فنية ثم تقوم بتدريب كبار المدربين بعد ذلك كبار المدربين يقومون بتدريب مدربي المعلمين وتتكفل بمستحقاتهم المالية حسب المنطقة التي يأتي منها للتدريب في إطار المدارس المستهدفة.