سؤال قد يضعه الكثير من الناس في أول لقاء فكري يجمعك بهم :ما مذهبك؟ وماهي عقيدتك ؟ ..يقولوه بعد أن سلموا بإسلامك ابتداءً.. فهل هذا السؤال ينم عن حالة علمية صحية ،أم حالة جهالة مطبقة؟!.. وهل سيترتب على إجابة هذا السؤال ما يحجر صاحبه عن المعرفة و الحقيقة ،أم أنه سيسهل ويمهد له الطريق إليهما؟، قد تكون الإجابة واضحة بالنسبة لدي ولدى الكثير، إلا أن بعض الناس لا أدري كيف ينطق فكرهم!، في حين أن المذهب هو الطريق الذي من خلاله نرسم تصورنا عن الذات والدين و الكون وبالطبع لا مشكلة في ذلك إلا أنه عندما يتحول إلى بديل عن الدين والحقيقة ومانع منهما وهذا ما هم عليه عندها نستطيع القول أن التمذهب نوع من التقولب المميت للعقل أولاً، وللحياة ثانياً... وقد لا يختلف معي الكثير من العقلاء أن المذهب كائن ناقص مهما أضفينا عليه من التعقل والمنطق والدليل ،ولا يمكن له بحال أن يحل محل الدين الكامل ،ولذا كان لزاما على العقلاء التعامل مع المذهب كمنتج بشري لا يصح أن يكون سابقا على النص الديني ومتحكما فيه ،وكذلك عدم اقتصار النظر على لون ومذهب واحد في التعامل المباشر مع النص، لأن الحق لا يجسده مذهب من المذاهب مهما علا نجم مؤسسه أو مخترعه، ومن ثمّ ينبغي علينا أن نحول تلك المذاهب والاجتهادات من قوالب صلبة إلى سائلة ،أو من مطلقات فكرية إلى نسبية قابلة للقبول والرفض، وبهذه الخطوة الضرورية سيتحول المذهب إلى اجتهاد لا أكثر، ولا يمكن لأحد الكهنة ومحترفي التدين المغشوش أن يستغل الناس بقميص الدين، و يوقد حربا مذهبية تقتل الحقيقة، وتسيل قيم الدين ومقاصده بين الرماح. ولهذا قد يتوه البعض عندما يجدني أنتقد تقديس” أهل السنة “ للصحابة بمعنى من المعاني الشائعة لديهم كحرمة الخوض في خلافاتهم وما ينتقص من كمالهم المزعوم وسقوط هيبتهم أو منزلتهم من قلوب الناس، ولم يفهموا أن الصحابة درجات ومراتب فهناك “السابقون “ومن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا” وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “ وقوله تعالى “مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ..” وهناك “المنافقون” الذي ستروا نفاقهم حتى مردوا على النفاق ولم يعلمهم حتى النبي نفسه” وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ..”.. والمهم من كل ذلك أن القرآن الكريم وهو النص الوحيد الذي تناولته يد الحفظ السماوية “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “ لم يصرح بأحد من صحابة النبي سلباً أو إيجابا سوى “زيد بن حارثة” المنصوص عليه لاعتبارات خاصة، وفي هذا دلالة واضحة أن الصحابة بأشخاصهم جزء من التاريخ لا من الدين المقدس ،ولذا لا يمكن أن يتحول حبهم أو كرههم إلى دين. وهنا أتحدث عنهم على سبيل الإفراد لا الإجمال ،فأما الإجمال فقد ترضى الله عنهم وعن كل مؤمن عمل صالحاً” إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)”. وقد تجدني أنتقد فكرة التجسيد العقدية لديهم ،وتصوير الخالق سبحانه كأعضاء محسوسة، وقد فاتهم التصوير القرآني أو المجاز اللساني في الحديث عن كثير من القضايا كاليد والوجه والعين، ففي الأولى قد تطلق على النعمة ،أو العون والتأييد والقوة . وفي الثانية قد تطلق على الذات. وفي الثالثة قد تطلق على المعية والرعاية . وكذلك أنتقد الكثير من العقائد المؤسسة على خبر الآحاد، أو أي اجتهاد من الاجتهادات التي تقادم به الزمن ومن ثمّ تحول إلى دين وعقيدة مقدسة !. وانتقد أيضاً سطحيتهم وابتعادهم عن العقل وخاصة الحشوية منهم الذين يحشون عقولهم بمسلمات دون ان يحترموا أبسط مقومات العقل الذي وهبهم خالقهم سبحانه تحت دعوى” النقل مقدم على العقل”، ولم يفرقوا بين نوعية النقل والعقل !!..فعندما يسمع البسطاء مني هذا النقد يخالوني شيعياً أو رافضياً قبيحاً ،لأنهم ينظروا إلى الحقيقة من منظار المذهب وحسب ،ولأن نقدي لهم يعني أني في صف خصمهم !، والحقيقة ليست كذلك لأني عندما أتناول المذهب الشيعي فإني كذلك أضعه على غربال القرآن فما نفذ منه فلست خصمه، دون النظر بعين الاعتبار للمذهب التاريخي والسياسي.. فتجدني عندما أتناول أهم حلقة في عقيدة الشيعة عموماً” آل البيت” قد يروعك الأمر وتختلط عليك الأوراق ولا تدري في أية خانة تجدها مناسبة لوضعي فيها!!.. وكما قلت: المذهب ليس بديلا عن الدين.. والحقيقة فعقيدة “آل البيت” عقيدة ناقصة الوزن والدين والعقل، فهي مصطلح دخيل لم يتعرض له النص المحفوظ على الإطلاق، وإنما تعرض “لأهل البيت” والمقصود به نساء النبي حسب سياق الآية القبلي والبعدي ،هذا أولاً: وثانياً: هذه الفكرة وراؤها البعد الفارسي العنصري والذي حاول جاهداً بعد سقوط مملكة فارس التي كان يُعتقد أن ملوكها تجري فيهم دم الآلهة نسخ هذه العقيدة بطبعة إسلامية تحت دعوى الحق الإلهي “لآل البيت” والذين هم امتدادا للنبوة سلالياً .وثالثاً: النبي ليس له ذرية يمتدوا من بعده لأن أبناءه الذكور قد توفوا في حياته وأما الحسن والحسين وغيرهم من أبناء بناته فهم ينسبوا إلى آبائهم” ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ..” ولا ينسب إلى أمه إلا المسيح عيسى ابن مريم لبديهية عدم وجود الأب، ولذا لا يؤول إلى النبي إلا بناته فقط، وأما أولادهن فيؤولوا إلى أزواجهن، ومن البديهي أيضا أن علي ابن أبي طالب ليس من آل النبي لأنه لا يؤول إليه.. فهذا الأصل في التشيع مبني على تزييف لا يغتفر، ولأننا لا نمحص ونعاين العقائد المذهبية على القرآن كانت هذه الخرافات غير المحققة والتي ترتهن إليها عقول الكثير من الناس مع الأسف. ولماذا القرآن كمرجع في التقييم والتمحيص؟،،لأنه وببساطة كتاب غير مذهبي ولم تخترقه أمزجة المذاهب ككتاب الكافي والبخاري ،ولأن هذه الكتب كتبت خارج زمن الوحي والرسالة وهي روايات آحاد لا تقيم قطعا ولا يقينا فما وافق منها القرآن قبلناه وما خالفه رفضناه ،وهذاما نسميه بالمعيار السماوي في قبول الروايات ،وهو يفوق معيار المحدثين المؤسس على أحول الناس “الجرح والتعديل” كون الوقوف على أحوال الناس وبواطنهم من المحال .وإذا قيل لنا أين نتفق مع هذين المذهبين لقنا: نتفق مع السنة في الكثير لأنه مذهب أنشأ في النور والشيعي نختلف معه في الكثير لأنه أسس في الظلام أو الخفاء، ووثق تلاعبه بالظاهرة القرآنية ،ونتفق معه في مظلومية الحسن والحسين وما أصابهم من قبل “بني أمية” ،وخروجهم على الحاكم الظالم. وأما عندما تجدنا نتقلب بين المذاهب المعاصرة فلن تجدنا جوقة نقرأ ونردد، فقد نقبل فكرة ونرفض ألف من صاحبها، لأن التقولب المذهبي لم يعد بالنسبة لدينا من الدين في شيء.. فهذا حامد أبو زيد عندما يتحدث عن القرآن كمنتج ثقافي فنحن نقبل منه فكرة تأثر النص القرآني وتشكله بحسب البيئة التي نزل فيها حيث لو نزل في روما مثلاً فلن يتحدث عن وأد البنات ولا عن الخيام والعشار وغيرها من خصوصية المخاطب العربي آن ذاك ،إلا أننا نجعل ذلك من قبيل حظ المخاطب الأول من الرسالة الذي لا يعني بحال عدم تجاوز الخطاب إلى غيره من المخاطبين، فقد تحدث القرآن عن البرزخ والأنهار ولم تكن من بيئة المخاطب الأول واهتماماته.. فهنا نقبل فكرة تشكل جزءاٍ من النص بحسب بيئة المخاطب الأول ونرفض فكرة أن النص منتج ثقافي محظ وغير متجاوز لمخاطب آخر. ولولا طول الكلام لمثلنا بالكثير من المذاهب الفكرية المعاصرة ،ولكننا اقتصرنا على نماذج قديمة ومعاصرة للتمثيل لا أكثر، ولو كان الأمر غير ذلك لتحدثنا عن المذهب الحزمي ومناصرته لظاهر النص، والمعتزل يومنا صرته للبرهان والعقل ،والزيدي الذي يناصر الاجتهاد، والدعوة إلى الخروج على الحاكم الظالم، والمرجئي الذي يناصر التسامح والمغفرة ، وغيرها من المذاهب بشيء من التفصيل ، وعن سلبياتها كذلك. إلا أننا لم يكن هدفنا إلا التمثيل للخروج من ربقة المذاهب المعتقة ،والأفكار المكدسة التي يراد لها أن تكون بديلاً عن دين الإنسان وإرادته، وكذا إعادة الاعتبار للعقل الفردي دون الوقوع ضحية العقل الجمعي الذي من آخر أولوياته البحث عن الحقيقة..!!