أمين عام الأمم المتحدة تؤكد: قضية شعب الجنوب مفتاح السلام المستدام في اليمن    الإصلاح يصفي أبناء تعز: استقالات تتحول إلى حكم إعدام بسبب رغبتهم الانضمام لطارق صالح    الحبيب الجفري يحذّر من تسييس الدين: الشرع ليس غطاءً لصراعات السياسة    الذهب يسجّل أعلى مستوى له في التاريخ    أزمة خانقة في مخابز عدن.. المواطن يعاني والانتقالي يبيع الأوهام    خبير دولي: على الانتقالي التركيز على الإعلام الخارجي بالإنجليزية لبناء التفهم الدولي لقضية الجنوب    انتخاب برهم صالح لقيادة مفوضية الأمم المتحدة للاجئين    ميسي يتلقى في الهند أثمن هدية في حياته    الشيخ المفلحي يعزي في وفاة الشخصية الوطنية السفير المناضل محمد العبادي    كأس ملك اسبانيا: تأهل اتلتيك بلباو وبيتيس لدور ال16    التكتل الوطني للأحزاب: استهداف مقر الإصلاح محاولة لجر تعز إلى الفوضى    السبت .. انطلاق سباق الدراجات الهوائية لمسافة 62 كم بصنعاء    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    صحيفة أمريكية: خطاب ترامب الأخير .. الأمور ليست على ما يرام!    الحرية للأستاذ أحمد النونو..    دمعة وحرف في حضرة الإصلاح    شرطة تعز تعلن ضبط متورطين في تفجير عبوة ناسفة قرب مقر تجمع الإصلاح ومعلومات عن طبيعة الانفجار    وحدة حماية الأراضي تزيل استحداثات عشوائية في حرم مطار عدن المستقبلي بصلاح الدين    القرفة في الشتاء: فوائد صحية متعددة وتعزيز المناعة    الرئيس الزُبيدي يؤكد أهمية البيانات الإحصائية في بناء الدولة وصناعة القرار    أحزاب تعز تدين استهداف مقر الإصلاح والسلطة المحلية تؤكد ملاحقة الجناة    إقامة ثلاثة مخيمات طبية خيرية مجانية في الحديدة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي الثامن للمركز العسكري للقلب    تجار تعز يشكون ربط ضريبة المبيعات بفوارق أسعار الصرف والغرفة التجارية تدعو لتطبيق القانون    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويلات مالية    انفجار حزام ناسف لأحد المجاهدين لحظة خروجه من مقر الإصلاح في تعز    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    استشهاد قيادي إصلاحي وإصابة آخر بالتفجير الإرهابي الذي استهداف مقر الإصلاح في تعز    سلطات مدينة تعز تفكك مخيمات الاعتصام بالقوة    الأرصاد: طقس بارد إلى بارد نسبيًا على المرتفعات    المحافظ لملس يعزّي الصحفي صلاح السقلدي في وفاة والدته    نادية الكوكباني تفوز بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية عربية للعام 2025    سان جيرمان يتوج بكأس القارات للأندية لأول مرة في تاريخه    طائرة شحن إماراتية محمّلة بالسلاح تصل مطار الريان بحضرموت    أرقام فلكية.. الفيفا يعلن عن الجوائز المالية لكأس العالم 2026    بين الاعتزاز والانسلاخ: نداءُ الهوية في زمن التيه    شرطة أمانة العاصمة تكشف هوية الجناة والمجني عليهما في حادثة القتل بشارع خولان    من بينها اليمن.. واشنطن توسع حظر السفر على مواطني دول إفريقية وآسيوية    الصحفي والمقدم الإذاعي المتميز محمد السامعي    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    أيها المؤرخ العلم: ما نسيناك !    روائية يمنية تفوز بجائزة أدبية في مصر    الرئيس المشاط يعزّي الشيخ عبدالله الرزامي في وفاة أخته    تفقد سير أعمال الترميم في جامع الجند التاريخي    صباح عدني ثقيل    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    اليابان تقدم حزمة مساعدات إنسانية جديدة لليمن بقيمة 13.8 مليون دولار    صباح المسيح الدجال:    دراسة: الأطفال النباتيون أقصر قامة وأنحف من أقرانهم متناولي اللحوم    مأرب.. السلطة المحلية تكرم فريق نادي السد لكرة القدم بمناسبة الصعود لدوري الدرجة الثانية    وزارة الإعلام تكرم إعلاميات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    مرض الفشل الكلوي (32)    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية في المنظور القرآني(2)
نشر في نشوان نيوز يوم 12 - 03 - 2010

سر التركيز القرآني على طغيان الأحبار والرهبان والعلماء (السلطة الروحية)..وطغيان الحكام والأمراء (السلطة السياسية)..

كما أوضحت سلفاً بأن الحرية سنة فطرية في طبيعة الخلق الإنسانية وهذه الحرية الفطرية تجسدت في تكريم الإنسان بالعقل وبحرية الإرادة ولذلك نجد الشريعة وعقيدة التوحيد جعلت أول مقاصدها مقاومة ومحاربة الاستبداد والطاغوت السياسي والاجتماعي لأن سنن الإسلام التشريعية موافقة لسنن الله في الخلق والفطرة ومردّ هذا الاهتمام بموضوع الحرية الإنسانية ومحاربة الطاغوت، من زاوية إصلاح المجتمعات والدول أن العقل البشري والإرادة البشرية (عقل وإرادة الفرد- والعقل الجمعي والإرادة الجمعية للمجتمع والأمة) لا يمكن أن ينموا ويبدعا إلا في أجواء الحرية فلا يمكن أن تحصل نهضة علمية معرفية (عطاء العقل البشري) ولا يمكن أن تحصل نهضة حضارية شاملة إلا عبر الفعالية والإرادة القوية الدافعة للعمل والبناء لأن صناعة التاريخ هي نتاج الإرادات الفاعلة (عطاء الإرادة الإنسانية) (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وهناك حكمة قالها أحد المفكرين (غير نفسك تغير التاريخ).
وفي أجواء الاستبداد والطغيان العلمي للأحبار والرهبان والعلماء وأجواء الاستبداد والطغيان السياسي للأمراء والحكام يُختزل عقل الأمة في عقل علمائها وتُختزل إرادة الأمة في إرادة حكامها فتُقتل الطاقات الإبداعية للأمة سواء في عطائها العلمي أو إنجازاتها العملية المختلفة.
ولذلك يمكننا القول بأن الحرية كقيمة إنسانية دينية وأداتها المجسدة لها عملياً الشورى هي بمثابة الرئة التي يتنفس من خلالها العقل البشري حياة ونمواً وعطاءً وتتنفس من خلالها الإرادة البشرية عزماً وصلابة وفعلاً في حركة التاريخ لا انفعالاً بها ولذلك ليس من الغريب أن نجد المضمون الرئيسي لعقيدة التوحيد هو النفي لحكم الطاغوت والاستبداد (لا إله) والإثبات لعقيدة التوحيد (إطلاق حرية الإنسانية إزاء الإنسان) (إلا الله)(أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) آل عمران:64.
إن دور الأحبار والرهبان والعلماء في منظور أديان السماء هو بناء عقول أفراد المجتمع لا إلغائها ودور قيادات المجتمع السياسية هو تربية وإعداد قيادات سياسية مؤهلة لا أتباع وجنود. إن دور الطليعة القيادية في المجتمعات والدول والحضارات هو إيجاد مجتمع وأمة قائدة والأمة القائدة تصنع حضارة قائدة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) والأمة الحضارية القائدة تنساح بين الشعوب لتبشر بقيم إنسانية رفيعة هي مقاصد الأديان عبر التاريخ (السلام العالمي لا الصراع الحضاري، والوحدة لا الفرقة والنزاع، والعدالة لا الطغيان والاستبداد).
القيادة في المنظور العلمي السنني هو علم اكتشاف المواهب والطاقات الإنسانية والعمل على تنميتها وتشجيعها وإطلاقها، والقيادة بهذا المنظور ليست محصورة في فئة معينة فكل أفراد المجتمع لهم مواهب وطاقات كبرت أو صغرت والقيادة الحقة هي التي تطلق كل هذه المواهب وتديرها في نسق مجتمعي مهدّف، ولو حاولنا معرفة أسباب التخلف والأزمة الحضارية التي تعيشها أمتنا العربية والإسلامية لما ترددنا في القول بأن أهم أسباب هذه الأزمة تكمن في عامل أساسي وهو الاستبداد والطغيان السياسي والاجتماعي الذي بدأ في تاريخنا بالانحراف عن نهج الشورى والخلافة الراشدة عبر التآمر المجوسي اليهودي المبكر عليها.
صحيح إن عطاءات الأمة الإسلامية تواصلت أيام الدولة الأموية والعباسية إلى سقوط الخلافة العثمانية إلا أن الانحراف السياسي المبكر كان المسمار الأول الذي ضرب في نعش الحضارة الإسلامية العالمية لأن الانحراف السياسي حوّل دولة الإسلام من أداة لخدمة الأمة إلى مغنم سياسي تتصارع عليه الأهواء والمطامع السياسية دارت من أجله الكثير من الحروب والفتن مما أدى إلى تبديد الكثير من الطاقات والإمكانات في صراعات داخلية، ومن يفتح أحد المراجع التاريخية لتاريخنا الإسلامي سيجد الكثير من الحروب والصراعات الداخلية بصورة مذهلة مما أدى في كثير من الأحيان إلى تمزق الدولة الإسلامية في حين أن السلطة السياسية الإسلامية لو ضُبطت بآلية الشورى المقصد الإسلامي الأول لعقيدة التوحيد لأدى ذلك إلى استقرار سياسي أولاً وإلى ظهور قيادات سياسية تجسد مصالح الأمة وتعزز قوتها.
وإلى جوار الاستبداد السياسي ظهر في تاريخنا أيضاً الاستبداد العلمي وقد تجسد هذا الاستبداد في:
أ) إستبداد عقدي : طرح العقيدة الإسلامية بعيداً عن واقع الأمة عبر المباحث الكلامية التي لا تمثل أصول العقيدة بمفاهيمها القرآنية مثل قضية خلق القرآن- والذات والصفات- والفهم الخاطئ للقضاء والقدر مما أدى إلى تكريس عقيدة جبرية تعطل الإرادة الإنسانية وتعزز سلبية المسلم إزاء مجتمعه والطبيعة من حوله على صعيد التنمية والفعل الحضاري.
ب) استبداد تعليمي وتربوي: تتجلى أبرز مظاهره في :
1) القول بجواز مبدأ التقليد عند أهل السنة والمرجعية العلمية عند الشيعة (إتباع رأي العالم دون سؤاله عن الدليل والحجة) (استسلام المتعلم للعالم كاستسلام الميت لمغسله).
وأدى إقرار مبدأ التقليد إلى إلغاء عقول المتعلمين باختزالها وتذويبها في عقول العلماء واختزال عقول العلماء الحاليين في عقول علماء التراث واختزال عقول علماء التراث في عقول أئمة المذاهب وتكون المحصلة النهائية اختزال عقول أفراد الأمة العربية والإسلامية في عقول (10) أو (20) من أئمة المذاهب السنية والشيعية والصوفية ..الخ.
وإذا كان التقليد عند أهل السنة قد أدى إلى الجمود العلمي ولم يؤدي إلى الانحراف العقدي الخطير إلا أن التقليد عند بعض الفرق كالشيعة وغيرهم قد أدى إلى انحراف عقائدي خطير.
- إن دور العلماء هو أن يكونوا مفاتيح لعقول المتعلمين يكتشفون المواهب العلمية وينمّونها لا أقفال ومغاليق. ومبدأ التقليد حوّلهم في الحقيقة إلى أقفال للعقول لا مفاتيح، لأنه كرس استبداد وطغيان العالم إزاء المتعلم وعظّم مكانته ومهابته حتى أصبح طالب العلم لا يفكر إلا في تلقي ما يأتيه من العالم فضلاً عن محاورته ومناقشته بل وصل الأمر إلى حد الخلط بين قداسة الوحي ورأي العالم فانسحبت قداسة النصوص على آراء العلماء إن لم تكن على مستوى النظر فإنها قائمة على مستوى الواقع والتعامل فأدى هذا الاستبداد العلمي عبر التقليد إلى سحق نفسية المتعلم إزاء العالم، وبالتالي تحول عقل طالب العلم إلى أداة للتلقي تنمو فيه ملكة الحفظ وتُقتل فيه ملكة الفهم، وملكة الفهم هذه لا تنمو إلا في أجواء الحرية العلمية أجواء التدبر الذاتي والتفكر الذاتي أي أن يترك له مساحة واسعة لإبداء رأيه عبر التعليم الشوروي القائم على تفاعل العالم مع المتعلم وتربيته على أن القداسة للنصوص الموحاة فقط وعلى احترام العلماء لا تقديسهم وصدق الله العظيم {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد:24.
نعم لقد قُتلت ملكة طلاب العلم العقلية (ملكة الفهم) لأنهم لم يتربوا على مبدأ التدبر الذاتي لتنمو عقولهم من خلاله حتى عندما يغدوا طالب العلم عالماً لا يتجرءا على التدبر الذاتي للقرآن لأن العلماء الذين تربى على أيديهم أقفلوا عقله وملكة الفهم فيه بسبب روح المهابة والقداسة التي أوجدوها في نفسه وقلبه فلا يتجرأ على تدبر القرآن وتفهمه وإنما ينظر للقرآن من زاوية أقوال الآخرين وهكذا في كل شأن.
ومن هذه الزاوية نفهم لماذا شدد القرآن في رفضه للطاعة العمياء والتبعية العمياء للأحبار والرهبان والعلماء لأن أقل مخاطر التبعية العمياء والتقليد هي قتل عقل المتعلم وتذويب عقله في عقل معلمه فيصبح المتعلم نسخة مكررة لعقل العالم بسلبياته وإيجابياته وأعظم المخاطر أن يقود التقليد إلى الانحراف العقائدي والجمود العلمي وأعظم مظاهر هذا الجمود العلمي هو ما أشرت إليه في بداية الموضوع عدم تمكن العقلية الإسلامية من الاجتهاد.
والتجديد لمواكبة متغيرات كل عصر واستجرار التراث العلمي التاريخي بطريقة تجعله عامل إعاقة لا إثراء للعقل الإسلامي المعاصر.
2) التعصب المذهبي:
المذاهب الإسلامية التاريخية يمكن أن تكون عامل إثراء للعقلية الإسلامية إذا تم التعامل معها كتراث ينبغي الاسترشاد به ولكن لا ينبغي التوقف عنده.
أما إذا عبّرت الصحوة الإسلامية المعاصرة عن نفسها ببعث كل الأشكال التاريخية الماضوية فإن هذا دليل عملي على عدم الوعي والنضج المعرفي الإسلامي وعلى الغفول عن الواقع المعاصر بتحدياته ومستجداته، لأن المذاهب الإسلامية التاريخية في التكييف الشرعي لها إنما هي في حقيقة الأمر تعبير عن حركة الاجتهاد العلمية التاريخية المواكبة لعصرها بظرفه الزماني والمكاني، وواقعنا المعاصر يحتاج إلى رؤية تجديدية اجتهادية تتناسب مع حجم المتغيرات الكبرى التي شهدها عصرنا هذه المتغيرات التي لا يستطيع تراثنا الفقهي مجتمعاً أن يواكبها فضلاً عن الالتزام بمذهب من المذاهب.
وبالتالي فالالتزام المذهبي تتجلى أبرز سلبياته في عاملين هما أنه عامل جمود من جهة وعامل انقسام للأمة ومثار تعصب من جهة أخرى.
الإسلام يقوم على محورين محور ثابت وهو الوحي المقدس قرآناً معصوماً وسنة معصومة بالقرآن ومحور متغير وهو الاجتهاد انطلاقاً منهما.
والمذاهب كما أسلفنا هي تعبير عن حركة الاجتهاد العلمية التاريخية وبالتالي فإن اعتبارها مرجعية دائمة أي إدخالها في عنصر الثبات - ولا ثابت إلا الوحي المقدس - يؤدي إلى الجمود والجمود يؤدي إلى عدم المقدرة على الاجتهاد والتجديد وهذا ما حصل فالأرضية التي تأسست عليها المذاهب هي التقليد ولذلك لم تظهر المذاهب في المراحل الإسلامية الأولى، والتقليد يؤدي إلى الجمود العقلي (تضخم ملكة الحفظ وقتل ملكة الفهم) وبالتالي إلى الجمود العلمي حيث تصبح عقول التابعين لمذهب مختزله في عقل إمامهم وبالتالي يغيب الاجتهاد وتتحول المذاهب إلى ثابت وهي متغير.
إن تاريخ ظهور المذاهب الإسلامية في الحقيقة ليس تاريخ النهضة العلمية وإنما هو تاريخ الجمود والانحطاط العلمي والمعرفي، ومن أراد دراسة أسباب جمود العقلية الإسلامية وعدم ظهور عقليات تجديدية كظاهرة عامة فعليه تتبع مراحل ظهور التقليد وظهور المذاهب فهي أبرز العوامل التي أدت إلى جمود العقلية الإسلامية وإلى قتل ملكة الاجتهاد والتجديد حتى أصبح علماؤنا المعاصرين اليوم يعيشون عالة على التراث غير قادرين على امتلاك رؤية تجديدية إسلامية منزله على الواقع المعاصر بمستجداته وبتحدياته الخطيرة، لقد غدا لسان حالهم يقول { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }الزخرف23.
لم يذم الإسلام شيء كما ذم التقليد والتبعية العمياء والمسلمون ليسوا خارجين عن هذه السنة الاجتماعية (داء الإبائية والتقليد).
هذه بصورة مختصرة أخطر أثار الاستبداد والطغيان استبداد وطغيان العلماء يؤدي إلى إفساد نظامنا التعليمي والتربوي وطغيان الأمراء يؤدي إلى فساد نظامنا السياسي والاجتماعي فيحصل الجمود في حياة المجتمع بمختلف صوره ويكتنف التخلف والسلبية مختلف مظاهر الحياة.
الطاغوت والاستبداد الذي يلبس لبوس الدين هو أخطر أنوع الطغيان:
الأديان لها قداسة عظيمة في نفوس الناس عبر التاريخ البشري كله وقد أرادها الله سبحانه وتعالى ثورة تحررية ضد حكم الطاغوت والاستبداد ونصرة المستضعفين على المستكبرين.
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} النحل:36.
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6} القصص: 5-6.
ولكن أهل الأهواء والمصالح والمطامع السياسية قد يتسربون إلى الأديان ويفسرونها ويؤولونها وفق مصالح ضيقة لفئة محدودة لا مصالح أفراد المجتمع بشكل عام وعندئذ تنقلب الأديان إلى أخطر وسيلة من وسائل الطغيان، والسر في ذلك أن الطغيان الذي يلبس ثوب الدين يؤدي إلى انتفاء الشعور بالظلم لأن المستضعفين عندئذ باسم الدين يعتقدون أن هذا الوضع الذي يعيشونه قدر الله ومشيئته أما الظلم الذي لا يلبس لبوس الدين فإنه يمكن الثورة عليه لأنه لا يملك صفة القداسة.
لذلك نجد القرآن يفرد مساحة هائلة لهذه الفئة التي تسخّر الدين لمطامع وأهواء دنيوية سياسية على حساب الآخرين (فئة المنافقين) ويصفها ويحذر منها ويكشف وسائلها وأساليبها وأبرز الوسائل التي اتخذها الإسلام إلى جوار التحذير من هذه الفئة المنافقة هو وجوب تمييز المسلمين بين قداسة الشريعة والولاية لله فقط وبين خلع صفة القداسة التي هي للدين لبشر أياً كانوا فلا قداسة ولا ولاية ولا تبعية مطلقة ولا طاعة وعبودية إلا لله تعالى ويتجلى ذلك بإتباع شريعته (القرآن والسنة).
{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (الأعراف:3).
فالإسلام يؤكد أن هناك شريعة مقدسة وليس هناك سلطة دينية مقدسة فالنظام السياسي الإسلامي المجسد للشريعة يرتكز على حرية الإنسان إزاء الإنسان وبالتالي فهو نظام شوروي فالولاء والتبعية في الإسلام للشريعة لا للأشخاص وهذه أكبر ضمانة للتخلص من الأنظمة الطاغوتية التي تلبس لبوس الدين.
تحذير الإسلام من الفئة المنافقة التي تسخّر قداسة الدين لمطامعها السياسية:
حذر القرآن من الفئة المنافقة التي تسخّر قداسة الدين لمطامع فئة محددة على حساب كافة المؤمنين وتخدع الناس باسم الإسلام.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ{8} يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ{9} فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ{10} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ{12} البقرة : 7-12.
ولما كان هؤلاء المنافقون يتظاهرون بالتدين ويخدعون الناس باسم الدين وهم أصحاب مطامع وأهواء سياسية جعل القرآن الوسيلة العملية لمعرفة صدقهم من كذبهم هو قياس أعمالهم في الواقع هل هي إصلاح أحوال الناس الدنيوية أم إفسادها : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) .
ثم بين القرآن أن طبيعة حكم المنافقين أنه حكم يتظاهر بالدين ويستخدم قداسته ليأخذ حظوة في نفوس الناس قبل توليه للسلطة فإذا تولى السلطة السياسية التي تلبس لبوس الدين أفسد حياة الناس جهلاً وفقراً ومرضاً كما فعل الأئمة الشيعة الذين حكموا اليمن.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{206} وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ{207} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{208} فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{209} البقرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.