الحلقة (1) لا يخفى على أحد أن هناك مجموعة من الشعراء اليمنيين، ملأوا الأصقاع بصيتهم وشغلوا الناس بأشعارهم، شمخت بهم الأرض كجبالها، واتكأت عليهم نجوم سمائها في حين كانت الأرض لا تعترف إلا بشعراء لهم باع أو ذراع في الشعر... ويطيب لنا أن نعرف بعض المفارقات الشعرية اليمانية التي تفرد بها عدد من الشعراء اليمنيين ونبدأ بالشاعر الجاهلي عبد يغوث الحارثي الذي اشتهر بالحزن في شعره، ووضاح اليمن الذي اشتهر بالشعر الغزلي الرقيق... عبد يغوث الحارثي من قبيلة بني الحارث اليمنية وهو شاعر عاش في العصر الجاهلي ويقف إلى أمرئ القيس زمناً وشعراً وبينهما قرابة يمنية إلا أن امرأ القيس يماني النسب نجدي الشاعرية والبيئة في حين (عبد يغوث) يمني الميلاد والبيئة والشعر والحياة والموت واشتهر بعدد من القصائد وأهمها القصيدة اليائية التي قال في مطلعها: ألا...لا تلوماني كفى اللوم مابيا فما لكما في اللوم خير ولا ليا وسبب قوله لهذه القصيدة عندما أًسر الشاعر في معركة طاحنة بين قبيلة من اليمن وقبيلة من تيم (الرباب) فقال هذه القصيدة وهو في قمة الحزن والعظمة والصبر إلى أن يقول: وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي أسيراً يمانيا وقد علمت عرسي مليكة أنني أنا الليث معدوا علي وعاديا فيا راكباً أما عرضت فبلغن نداماي من نجران ألا تلاقيا وقد اُتخذت هذه القصيدة مثالاً لشجو النفس، وتوقيع الأحزان فاقتفى أثر الحارثي ووقع على وتره الحزين الشاعر العباسي مالك بن الريب عندما قال: ألا ياليت شعري هل أبيتن ليلة بجنب الفضا أزجي القلاص النواحيا وكذلك انتهج مجنون ليلى (قيس بن الملوح) درب وغرار شاعرنا اليمني الحارثي فقال: تذكرتُ ليلى و السنين الخواليا وأياما لا نخشى على اللهو ناهيا وعلى نفس النهج نفسه والطريق سار المتنبي والذي جاء في العصر العباسي الثاني فقال: كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا وعلى هذا يُعد شاعرنا اليمني (عب يغوث الحارثي) صاحب المدرسة التاريخية في النجوى الحزينة وعلى روي(الياء) وذلك لأن الاهتداء بالجاهليين كان ولا يزال تقليداً شعرياً على توالي العصور، وإلى جانب شاعرنا اليمني عبد يغوث فهناك شعراء يمنيون كمالك بن حريم، كثير بن الصمت الخولاني ويعلى بن سعد بن عمرو وثمامة بن الأسفع وعلقمة ابن مالك وكل هؤلاء عاشوا في الجاهلية. أما الشاعر اليمني “وضاح اليمن” فقد نشأ بضاحية صنعاء في وادي شعوب ونشأ نشأة المتُفرغ للشعر والحب لأنه كان ميسور العيش، موفور الجمال، فكأنه مُعد للحب والحب معدُ له. وقد كان يتقنع بقناع خوفاً من فتنته ومن العين، لكن القناع أغرى بالحب فقد أحب “روضة” وكانت شهيرة بالحسن مُحبة للشعر. وروى صاحب الأغاني أن وضاح اليمن كان من أجمل العرب، وقد عاش في العصر الأموي والذي سماه بوضاح هو ملك الحميريين عندما قال له” أذهب فأنت وضاح اليمن لا من أتباع ذي يزن” قال عنه جرير: لقد جاهد الوضاح بالحق معلماً فأورث مجداً باقياً آل بربرا وكانت أم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان زوجة الوليد بن الملك بن مروان قد أحبت وضاح اليمن ومن شعره فيها: صدع البين والتفرق قلبي* وتولت أم البنين بلبي ولما علم الوليد بذلك أمر جنوده أن يجعلوا وضاحاً في صندوق ويدفنوه حياً. عاش وضاح اليمن قيثاراً غزلياً، ووتراُ فنيناً شجياً يهيم (بروضة) و( أم البنين) ويمكن أن يكون وضاح خير من يستحق الوقوف بالنسبة إلى الغزليين اليمنيين في العصر الأموي ومن موارياته الغزلية الرائعة:- قالت: ألا لا تلجن بابنا إن أبانا رجلٍ غائرُ قلتُ: فإني طالبُ غرة منه وسيفي صارم باترُ قالت: فإن القصر من فوقنا قلتُ: فإني فوقه ظاهرُ قالت: فإن البحر من دوننا قلتُ: فإني سابحً ماهرُ قالت: فحولي أخوة سبعة قلتُ: فإني غالبُ قاهرُ قالت: فإن الله من فوقنا قلت: فربي راحمُ غافرُ قالت: لقد أعييتنا حُجةً فأت إذا ما هجع السامرُ فاسقط علينا كسقط الندى ليلة لا ناهٍ ولا زاجرُ قال عنه الجاحظ: قُتل بسبب الغسق ثلاثة: وضاح اليمن، ويسار الكوعب، والحسحاس. كان وضاح شاعراُ مطبوعاُ، جيد الشعر، حسن الوجه، تميز في الشعر الغزلي الرقيق كقوله:- حيّ التي أقصى فؤادك حلتِ علمت بأنك عاشقُ فأدلتِ وإذا رأتك تقلقت أحشاؤها شوقاً إليك فأكثرت وأقلتِ وإذا دخلت فأغلقت أبوابها عزم الغيور حجابها فاعتلتِ وإذا خرجت بكت عليك صبابة حتى تُبلّ دموعها ما بلتِ إن كنت ياوضاح زرت فمرحباً رحُبت عليك بلادنا وأظلتِ