Radhya Almutawakel أنا لي بطل آخر على الرغم أن ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام قد صادفت جواً ملتبساً ملبداً بالسلاح في شمال اليمن وتم استخدامها في سياق صراع مسلح بين طرفين يدعي أحدهما أنه يكمل مسيرة الحسين ويحشد على هذا الأساس ضد الآخر، إلا أنني فضلت الصمت احتراماً لكل أولئك الذين يحبون الحسين ويستلهمون من قصته العبر بعيداً عن مستنقع السلاح والصراعات الداخلية بين أطراف مذهبية. وما أخرجني عن صمتي هو رسالة قصيرة تستنكره ، وتطلب مني الكتابة عن زينب وموقفها فيما وصفها صاحب الرسالة بأعظم مأساة في التاريخ ، لا شك أن لكل مأساة قيمتها في أي زمن كانت ولكل بطل مقامه ، وأيضاً لكل إنسان الحق في اختيار ما يسكن منها في وجدانه ، وبالنسبة لي فلم أعد أجد بداخلي ما يدفعني للتفاعل مع مأساة حدثت قبل أكثر من ألف عام بينما نحن نعيش في قلب المآسي ، منذ أعوام وأنا أحقن روحي بأنين أمهات وأخوات وزوجات وبنات فقدن أحبتهن ظلماً وعدواناً ، مظالم تنوعت ما بين القتل والاعتقال والإخفاء والتعذيب والحرق، هذا الأنين المستمر الذي يقضمني من الداخل لماذا أغادره وأسافر لأنين توفي أصحابه منذ زمن بعيد؟ ما الفرق بين زينب وهنية وفاطمة وسعاد وصابرين وسلمى وميمونة ؟ في البعد الإنساني لا فرق.. وأعظم مآسي التاريخ هي تلك التي جاءت بعد اختراع القنبلة النووية ليس قبلها. أما من ناحية البطولة والقيم المتجسدة فيها فأقولها بكل صراحة ، الحسين عليه السلام بطل بالتأكيد ، لكنه كان كذلك وفق سياق عصره الذي يختلف كثيراً عن العصر الذي نعيش فيه ، إن اخترت بطلاً من التاريخ بحثاً عن الإلهام فبطلي أنا هو المهاتما غاندي عليه السلام، هو من تلهمني قصته في هذا الزمن وتمنحني القدرة على الصمود في وجه العنف كوسيلة للنضال ، أحب غاندي كثيراً ، وأدرك احتياجي وشغفي لتجربته الغنية بالإنجاز وفق الآليات التي أؤمن بها ، أحب إصراره على اللا عنف حتى آخر لحظة من حياته ونظرياته الداعمة لهذا الخيار ، غاندي هو الفكرة والتجربة التي أؤمن أننا نحتاج لقراءتها لننتقل بأنفسنا من واقع إلى واقع آخر. لا أطلب من أحد أن يكتب عن غاندي ولا يطلب مني أحد أن أكتب عن الحسين .. فليكتب كل شخص عمن يريد وكيفما يريد !. صلاح الأصبحي من مشاهد الوعي منذ أن تتصدر علامات المشهد المستفيض بإثارة أكثر القضايا حماسة وتطلعاً تنبعث بوادر الغيرة من الآخرين وتكشر الأنياب عليك من كل جانب , وذلك نابع من حماسة تلقيهم وتأثرهم بطريقة الانفعال والسعي نحو ماض التهويلات والانسياقات وراء مجهول غامض من التتبع اللامنطقي لكثير من معطيات حياتهم العادية, لقد كانوا إلى عهد قريب يبدون تحفظاً مهولاً على مثل هذه المعطيات الهزيلة الذين يدفعون كثيراً من الألم والأسى جراها دون أن يعملوا أدنى مستوى للتفكير في المصير العدمي المغيم على صيرورة وجودهم المكدسة في الحزن . قد يدفعك الفضول لإخراج مثل هؤلاء البشر من تلك المزالق الضيقة في نمط التفكير, والأصل في نمط ردة فعل حياتهم, لكونك تهدف حينها لخروجهم من برزخهم الدنيوي الجحيمي كتلقي إيجابي منك نحوهم, إلا أن حجم إصرارهم على البقاء في مناطق مشلولة من وعيهم يثير تعاطفك في التراجع وراء الابتعاد عنهم خوفاً من عدوى تلك الحماس الحيواني المباشر كالباب المقفل . ومهما تكن تلك الحالة المستعصية التي تصادفها وخاصة في خيمة المثقفين التقليديين تسعى جاهداً للبحث في أعماق القدرة للحد من تفشي مثل ذلك الانطباع ليصبح وجهاً للمثاقفة وطريقاً للحوار لحظة أن تُوجِد مقابِلاً (للمفرص والكُرير وزفة الكَري) التي يقابك بها الواحد منهم منذ البداية دون رحمة, لتنجو منها بأعجوبة أو لحظة يمر من حواليك (شيول) يجرف من فوقك تلك الأثقال تقرباً لفوهة (شيوله) . لم يكن الإنسان على مدى وجوده الطويل قد تسارع مندفعاً في البقاء ككائن يحب الحياة بصورة منبهرة منفعلة دون أن يستبطن قدرات وعيه في سبيل النجاة باذلاً في سبيل ذلك كل الإمكانات ملمحاً بوجوده وإلا لما استطاع التخفي عن مصيره العدمي المتربص به أينما وجد . لكنه مع اتساع مداركه ظل مرتهناً لما تمليه عليه بوادر أيامه ولياليه من إضافات نوعية خلاقة لتكوينه الذهني بما يحفظ تفرده عن سائر الكائنات وتميزه عن جنسه بتفاوت يسعى كل فرد للوصل إليه في أي لحظة دون أن يشدهم حماس وانطباع جمعي .