الأثر السلبي لإغفال المقاصد لاشك أن إغفال منهج المقاصد عبر التاريخ وعدم تفعيله, مع تسليمنا أنه كان يتم تطبيق المقاصد دون تسمية لاعتبارات سياسية, ومذهبية ومنها كهنونية, احتكاراً للمعلومة ومنها تحت مسميات مختلفة جزئية غامضة؟ وكما اشرنا في الحلقة السابقة .. إن من خصائص المقاصد ستساعدنا على معرفة السبب الذي أدى بفقهاء السلف إلى إغفال هذا المنهج, وبالتالي سنعتذر لهم بل وسنحترمهم أكثر ؛ كونهم وضعوا منهجاً وكفى مع تسليمنا أن لكل ظرفه. الآثار السلبية 1 بقاء الفقه الإسلامي في حبيس الألفاظ وهي ضيّقه مهما اتسعت.. بخلاف الأهداف- جلب المصالح ودفع المفاسد أنها من الوضوح والسعة بمكانه, وكما يقول السيوطي: إن المقاصد كالجبل العالي فما توجهت إليه من أي مكان إلا وأصبته بنظرك أي أصبت الحقيقة. 2 تكريس معنى التعبد – اللامعنى – هكذا تعبدنا الله وكفى ,هذه إحدى الضربات القاصمة للفكر الإسلامي 3 اضطراب الرؤية لدى المسلم. ذلك إن التشابه في الجزئيات وارد لامحالة وبالتالي تجعل الرؤية لدى المسلم في حيرة وشك وخوف من الجديد والمستقبل, ثم العودة إلى التقليد القاتل – المقيد للحياة, أو التسول من الغرب. نعم ستظل الرؤية لدى المسلم في واد وقيمه وفعله وحياته في واد. 4 فتح باب الكسل للعقل المسلم. وهذا الأثر من الخطورة بمكان ؛ذلك انه سيظل يؤكد المنحى التعبدي؛ لأنه يرى أن لامعنى ولا فائدة من البحث عن الحكم والإسرار والأهداف والغايات من وراء العبادات والتشريعات. 5 - تكريس النظر الجزئي: البحث في الآثار والفتاوى القديمة والقياس على القياس وهذا النظر الجزئي لا يستنبط فائدة , بل لا يستطيع صياغة قانون, وهنا....فيحكم على الشريعة الخالدة بالجمود أولاً, والبقاء على هامش الحياة ثانياً. 6 المبالغة في ضبط الألفاظ. من يتأمل في كتب فروع الفقه سيجد شريعة الأصر والأغلال من ناحيتين , الأولى...العيش في خضخاض الألفاظ والخروج بدون فائدة......الثانية وهي الأسوأ إن متن المذهب مقدم على النص القرآني أو القول النبوي, ووصل الأمر إلى القول: إن النص مظلة أفهام ولا يوجد فقيه يفهمه في هذا العصر؟؟ وعلينا الاكتفاء بقيود من سبق. 7 ظهور الشرع الإسلامي بمظهر القانون المنبت الذي تجاوزه ركب التاريخ السائر. 8 ترسيخ اتهام العقل المسلم أنه غير قادر على الفهم والتعميم؟ لأن الانشغال بالجزئيات وترك الكليات والأصول. يجعل العقل تائها غارقاً لا يستطيع إصدار الإحكام إلا في أضيق الزوايا وبصورة مهترة وباهتة. 9 التشبث بالتقليد عكوفاً على الماضي, أو ارتماء في أحضان الغير. فالعلماني والمقلد المحافظ يريان التقليد – أخذ الوصفة جاهزة مصدر أمن يحمي من المغامرة والدخول في المجهول. 10 العزوف عن الأخذ بالأسباب تواكلاً واعتماداً على مفترض متوهم وتجاهل الأسباب والمسببات. 11 إضفاء البعد الشخصي على الفكرة والمبدأ – معرفة الحق بالرجال وليس معرفة الرجال بالحق؟. 12 اضطراب المنطق - تناقض داخل المذهب الواحد , وبين المذاهب, والسبب يعود إلى انحراف أساليب البحث وتجاهل مناهج الاستنباط , وطرق الاستدلال . وفقاً للأهداف والغايات. 13 الخلط بين الثابت والمتغير, فيتولد خلط بين المقبول والمردود, والتعبدي البحت, والمصلحي الدينوي البحت, وستنقلب المصالح الدينوية بدعاً, ووسائل حماية الدين محرمة وسائر الحقوق, وسينقلب الفردي جماعيا والعكس, وستنقلب البدعة ديناً متبعاً والشواهد كثيرة. 14 الميل إلى الاتجاه والتسطيح, والبعد عن التخطيط الشامل والتأصيل الدقيق والتمحيص العميق. 15 نزوع إلى تبرئة الذات وتزكية النفس, ورمي الآخرين أنهم السبب في كل البلايا والأخطاء وتهرباً من تحمل المسؤولية عن واقع الأمة المزري. 16 الانشغال بالشعارات والتهاويل – الإسلام هو الحل , وتجاوز المضامين , واستعجال الثمرات والتردد والاضطراب بين اليأس القاتل والطمع المبالغ فيه , والشواهد كثيرة كالقفز إلى أعلى الأمور وترك الأولويات. 17 الفصل بين العلم والتطبيق, بسبب الصراع بين العلماء حول الألفاظ فتضيع الجهود وتتبدد. 18 رواج وهم التعارض بين العقل والنقل, فيتولد عنه اضطراب في الرؤية العقدية والفكرية. 19 تداخل الجزئيات الكثيرة – حيرة الفقهاء نموذج لكتاب قديم, بسبب صراع على الجزئيات فيصبح العقل عديم القدرة على تنظيم الأمور تحت أمر كلي جامع. يحدد لكل وظيفته ومهنته. 20 - سيادة منطق الصراع – الإقصاء وعدم القبول بالأخر. 21 - الهروب من الواقع الموار بالمحن.. نحو الماضي الغابر لرسم صورة خيالية لما يراه, لا لما هو ممكن. 22 - فقدان المعايير الدقيقة في الأخذ والترك – فيأتي التحيز للطائفة والجهة والحزب والفئة دون مبرر. 23 - هيمنة التفكير الأحادي = التسرع في إصدار الأحكام على قضايا خطيرة. 24 - غياب النقد - تجاوزه؛ لأنه مرفوض, فكل يدعي أنه الفرقة الناجية وبالتالي غياب التصحيح والمراجعة؛ والذي هو من أهم مداخل ترشيد السير الذي يرمي إلى تأسيس راسخ وبناء شامخ.