إنّ لفظة أنثروبولوجيا Anthropology لفظة إنجليزية مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين: أنثروبوسAnthropos ، ومعناه الإنسان و لوجوس Locos، ومعناه علم، وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ “علم الإنسان” أي العلم الذي يدرس الإنسان . ويعّرف أيضا أنه علم(الأناسة) أي العلم الذي يدرس الإنسان كمخلوق، ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة، ومن جهة أخرى أنّه الوحيد من الأنواع الحيوانية كلّها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها، والمخلوق الذي يتميّز عنها جميعاً. أياً كانت التعريفات فهذا العلم يدور حول الإنسان من كل زاوية، أو علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً كما يقول الدكتور شاكر سليم …رغم أن مصطلح الأنثروبولوجيا ظهر في بريطانيا عام 1593م - وكان المقصود به دراسة الإنسان من جميع جوانبه الطبيعية والسيكولوجية والاجتماعية، وظل يحمل معنى الدراسة المقارنة للجنس البشري - إلا أنه لم يأخذ طابعا أكاديميا متخصصا، وتتبلور موضوعاته، و مناهجه المميزة إلا في القرن التاسع عشر و خلال النصف الثاني منه على وجه التحديد…فقد كان العالم البريطاني إدوارد تايلور Taylor (1832-1917م) يرى في تنوّع أساليب حياة الشعوب وتطوّرها، ظاهرة جديرة بالدراسة، وأنّ علماً جديداً يجب أن ينشأ ويقوم بهذه المهمّة، فكان هذا العلم. علاقته بالعلوم الأخرى ولأن علم الأنثروبولوجيا يدرس الإنسان من عدة زوايا، فهو يقوم بدراسة موضوعات مختلفة، كالتطور البيولوجي والحضاري للإنسان، والعلاقات البيولوجية بين المجتمعات المعاصرة، والمبادئ التي تحكم علاقات الشعوب بعضها بعضاً لذا ظهرت تفرعات كثيرة لهذا العلم، التي ما هي إلا اهتمامات خاصة منه تفرعت عنه لتشكل محوراً أو محاور قائمة بذاتها؛ ومن ذلك: الأنثروبولوجيا الفيزيقية Physical Anthropology للإشارة إلى دراسة الإنسان العضوي في نشأته الأولى، وفي تطوره عن الرئيسيات، حتى اكتسب الصفات والخصائص الإنسانية في صورة الإنسان العاقل Homo Sapiens، في حين الأنثروبولوجيا البيولوجية Biological Anthropology تدرس السجل البيولوجي للإنسان، إذ تبدأ بدراسة المكانة الحيوانية للإنسان، وتحاول اقتفاء أصل وتطور الإنسان من خلال الدراسات المقارنة، وتفحص طبيعة الاختلافات العنصرية بين الشعوب والأقوام، كما تدرس أثر العوامل البيئية المختلفة على تشابه واختلاف أعضاء الجنس البشري على نمو أو اضمحلال السكان.. أما الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology فهي مجموع التخصصات التي تدرس النواحي الاجتماعية و الثقافية لحياة الإنسان (يدخل في ذلك الدراسات التي تتعلق بحياة الإنسان القديم أو حضارات ما قبل التاريخ)،التي منها الأثنوجرافيا Ethnography تلك الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة و مجموع التقاليد و العادات و القيم و الأدوات و الفنون و المأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة، بحيث تشكل المادة الاثنوجرافية قاعدة أساسية لعمل الأنثروبولوجي. وتهتم الأنثروبولوجيا الاجتماعية Social Anthropology بدراسة مجموع البناء الاجتماعي لأي جماعة أو مجتمع، بما يحويه هذا البناء من علاقات وجماعات وتنظيمات. ومن هنا تقترب العلاقة بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع Sociology، والمفهوم المحوري في الأنثروبولوجيا الاجتماعية هو البناء الاجتماعي Social Structure؛ فالأنثروبولوجي الاجتماعي يفكر في المجتمع الذي هو تكوين منظم لأجزاء متعددة، وليس في الثقافة وواجبه الأول هو اكتشاف هذا النظام وتفسيره(وهو يتكون من العلاقات القائمة بين الأفراد، وهي علاقات ينظمها مجموعة من الحقوق والواجبات المعترف بها).. وتهتم الأنثروبولوجيا الاقتصادية Economical Anthropology بدراسة الاقتصاديات القروية أو القبلية الصغيرة. وقد تزامن ظهور الأنثروبولوجيا الاقتصادية علماً فرعياً مع ظهور أساليب العمل الميداني الحديثة، التي أجبرت الأنثروبولوجيين على مقارنة النظريات الاقتصادية والأنثروبولوجية بواقع الإنتاج والتوزيع، والتبادل في الاقتصاديات القبلية أو القروية الصغيرة التي درسوها. في حين تهتم الأنثروبولوجيا السياسية Political Anthropology بوصف الأنظمة السياسية وتحليلها على مستوى البُنى، والعمليات، أو التمثيل، والتفاعل، خاصة في المجتمعات القبلية التقليدية. إلى غيرها من التفرعات لهذا العلم كالأنثروبولوجيا اللغوية والأنثروبولوجيا البيئية والأنثروبولوجيا النفسية.. الخ هذه التفرعات العدة تجعل من عالِم الأنثروبولوجيا يستعمل نتائج عدة علوم طبيعية أو إنسانية في أعماله كالأحياء والآثار والتاريخ و الطب و الاجتماع وعلم النفس و الفسيولوجيا وحتى علم اللغة والبيئة وغيرها من العلوم.. مما يجعلنا نعتقد أن هذا العلم ما هو إلا سلة تضع فيها كل العلوم نتائجها وأبحاثه.. فأين هذا العلم في جامعاتنا اليوم ؟ أترك الجواب لكم.