عز الاصبحي في القرن السادس عشر جاء المستكشفون الاسبان الى هذه البحار ولم يكونوا يعرفون حجم الاكتشاف لهذا العالم هنا وصل فاسكو نونييث دي بالبوا المغامر الاسباني الشاب الذي اكتشف بنما وكل كولمبيا, فقد رجاله بمقاومة شرسة من السكان الاصليين الامر الذي اعجزه عن العودة بالسفن التي اتى بها فقرر البقاء هنا والتعايش مع السكان والسيطرة على الامر ليكون فاتحاً وملكاً ولكن ككل المغامرين الذين اهتموا بالذهب مات بمؤامرة من رفاقه ومن ملك اسبانيا الذي رآه خائنا للعهد فطع رأسه ولكن بقي اسمه خالدا في بنما ولا يزال اسم العمله على اسمه (بالبوا Balboa هي عملة بنما الرسمية، بجانب الدولار الأمريكي. سميت بهذا الاسم تخليدا لاسم المستكشف والفاتح فاسكو نونييث دي بالبوا ) انا ذهبت لأرى اطلال بالبوا هذا وهي بقايا في وسط العاصمة بنما سيتي تذكرك باسوار الباب الكبير بتعز او الاحياء القديمة بمصر لا اكثر بقايا بسيطة ولكنها تعني ان هنا افنيت شعوب بأكملها من اجل الذهب ولا زالت تفنى للاسف هذه الشعوب وقفت على هذا السور لأرى اين مات المغامر الشاب واين تم ابادة شعب بأكمله!. إنها القصة التي تتكرر كل يوم الآن بأشكال أخرى. *** من العبارات التي اثارتني وانا اقرأ عن احتفائية بنما بمرور مائة عام على تشغيل القناة هي ( 1914 - 2014 ) ان الارض قد تتجزأ ولكن العالم يتحد!. قناة بنما في العام 2014 تكمل مائة عام على تشغيلها ! وهي كما تقول اللوحة واحدة من المنجزات البشرية العملاقة بهذا القرن. تمر بهذا الممر المائي 14000 سفينة بالعام ووقفت التقط الصورة اثناء مرور السفينة التي تحتاج الى ان تفتح القناة بوابتها ثم يرفع الماء ليتوازن السير وتمر بين اكبر محيطين من الهادي الى الاطلسي. لقد سيطرت امريكا على إدارة القناة 85 عاما ! وعادت إدارتها الى بنما في ديسمبر 1999 فقط بعد مفاوضات شاقة ! إن هذا الممر المائي الصغير الذي ترونه يوفر على أمريكا مسافة هائلة فالسفن تحتاج الى ان تنتقل من نيويورك الى سان فرنسيسكو الى 21000 كلم الآن بعد القناة صارت المسافة 8000 كم. إن تكلفة شق القناة لا تزيد عن 380 مليون دولار ولكن هذا قبل مائة عام!. لقد انجزت امريكا المشروع بعد ان افلست الشركة الفرنسية ولم تدفع الى بنما غير عشرة ملايين ثم مبلغ مائتين وخمسين الف دولار في العام !! تبدو القصة محزنة لكن المؤلم اكثر هو عندما تعرف أن شعباً هنا مات تقريبا في معظه بسبب الغزاة الجدد وأن عشرات الآلاف ماتوا اثناء شق القناة. وكانت أمراض الملاريا والحمى الصفراء تحصد الناس بالآلاف ويقال إن اكثر من عشرين الف ماتوا بفترة وجيزة فقط من حمى الملاريا!. لهذا عندما وقعت أمريكا على حق استغلال القناة في 1904 كانت الخطوة الأهم الذي عملها طبيب عسكري امريكي هو أنه لعامين كاملين لم يعمل شيئا في شق القناة غير تجفيف منابع البعوض والاوبئة ومكافحة المرض. ثم انطلق شق اكبر عمل بشري بين اليابسة والبحر ! مات الناس من أمراض الطاعون والحمى والاوبئة وهناك من يكتب ان ذلك جاء ضمن عنصرية الغزاة لهذه الارض ونشروا المرض ليقتل السكان الاصليين وتكون ارض بلا سكان ! البنميون الآن هم خليط من اسبان وافارقة وهنود حمر. لكنهم يستقبلوك بابتسامة عريضة ويقولون لك ان بنما الصغيرة ذات اقتصاد ناهض هو الاول في امريكا الوسطى وان التاريخ علمنا ( لقد نجونا!). هذا الدرس الذي تعلمته من بنما ! وأغادر وأنا أزور القناة ثانية وأطل على سماء وماء. هذه القناة تقسم بنما الى نصفين ولكن اكثر من تسعين بالمائة من السكان يتكدسون في الجانب الغربي من القناة ! دوماً الشرق مظلوم حتى في بنما ! قلت لنفسي وأنا أغادر شاطئ المحيط الممتد بلا نهاية.