الإيمان : الإيمان من القيم التي نسبت إلى الله في مواضع، وأضيفت إلى الإنسان في مواضع أخرى. وقد ورد لفظ الإيمان ومشتقاته 784مرة في القرآن، ونُسب في أكثر هذه المواضع إلى الله، ونُسب إلى الإنسان في المواضع الأخرى، مثل قوله تعالى {إيمانكم} التي وردت بهذا اللفظ تسع مرات في القرآن. أ الإيمان المنسوب إلى الله: وردت آيات عدة تنسب الإيمان إلى الله وتجعله منحة منه، ومنها قوله تعالى لنبيه(صلى الله عليه وسلم) {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى:52] فهو جَعْلٌ من الله لمن يشاء من عباده وهم من يستحقون الإيمان ممن تعرضوا لنفحاته وأخذوا بسلوك السُبُل الموصلة إليه، وبدون ذلك لا يمكن لأي إنسان أن يؤمن، ولذلك قال تعالى {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} [يونس:100] . ويتم ذلك بأن يحبب الله الإيمان لمن يحمل خيراً ويطرق أبواب الإيمان { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} [الحجرات: 7] وكان قد زينه في قلوب الخلق جميعاً عندما خلقهم على فطرة الإسلام ، وألهمهم التقوى بجانب الفجور {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس:8]. ولذلك اعتبر القرآن بأن الإيمان أتية من الله {قال الذين أُوتوا العلم والإيمان} [الروم:56] ونهى عن المن بالإسلام {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليَّ إسلامكم بل الله يَمُنُّ عليكم أن هداكم للإيمان} [الحجرات:17]. إذن لابد من جهد للإنسان في تحصيل الإيمان، ولو كان جهداً نفسياً وعقلياً. ب إيمان الإنسان: نسبت مئات الآيات الإيمان إلى الإنسان بصيغ متعددة وفي مناسبات مختلفة ، ومن ذلك قوله تعالى {ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر} [البقرة:253] ، {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم} [آل عمران:110] ، {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} [النساء:147] ، {لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً} [البقرة: 109]. إذن، الإنسان يملك إيمانه بنفسه بحسب تجسيده لمنهج القرآن في تحصيل الإيمان وتنميته، وهو يملك الاختيار في أن يؤمن أو يكفر {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} {الكهف:29]. ج تكامل الإيمانين: إذن الإسلام يعطي بني الإنسان فرصة الاختيار لكي يؤمنوا إذا أرادواً، ومن المستحيل أن يتحقق الإيمان كثمرة لعوامل خارجية دون وجود القناعة الداخلية، ولذلك قال الله تعالى لرسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس:99]. وأكد الله هذا المعنى في قوله تعالى {إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 177]. ويمكن القول إن الإيمان في أصله كدين هو ملك الله، لكنه كتدين متاح للناس جميعاً وبالتالي يتكامل المفهومان، فالدين تنزيل الله والتدين تطبيق الإنسان. وفي ذات السياق فإن الإسلام الذي هو دين الله في الأرض، نسبه الله إلى البشر في بعض المواضع، مثل قوله تعالى {قل لا تمنوا علي إسلامكم} [الحجرات:17] ، {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}[التوبة:74] . وقع مثل هذا الأمر في الصلاة، وهي عبادة لازمة بين العبد وربه إذ أنها من أخص حقوقه تعالى، ومع ذلك أضيفت إلى الإنسان في أحد عشر موضعاً من القرآن، مفرداً وجمعاً، بضمير الحاضر وضمير الغائب، مثل قوله تعالى {الذين هم على صلاتهم دائمون}[المعارج:23] ، {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110]. وهذا يعطي مزيداً من الأدلة والبراهين على امتلاك الإنسان للقدرة والاستطاعة والاختيار التي تمكنه من تحمل المسؤولية وصناعة الحياة، بعيداً عن السلبية ومنهج التبرير والبحث عن المعاذير. 5 التزكية: التزكية مأخوذة من زكا: نما وزاد. وزكا فلان: صلح وتنعم وكان في خصب فهو زكي، وجمعه أزكياء. والزكاة: البركة، والنماء، والطهارة، والصلاح، وصفوة الشيء . والزكية: الأرض الطيبة الخصبة. والزكاء: ما أخرجه الله من الثمر(21) . وقد وردت مشتقات التزكية سبعة وعشرين مرة في القرآن (غير مصطلح الزكاة)، ونُسبت في أكثر هذه المواضع إلى الإنسان، سواء كان المقصود بها التزكية الإيجابية بمعنى التربية والتطهير والمراقبة والمحاسبة، أو التزكية السلبية المقصود بها الإعجاب بالذات. أ- التزكية المنسوبة إلى الله: نُسبت التزكية إلى الله في الدنيا مرتين، الأولى في قوله تعالى {بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً} [النساء: 49]، والأخرى {ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم} [النور: 29]. وتزكية الله هي نتيجة لتزكية الإنسان، ولا تتحقق النتيجة بدون تحقق المقدمة، ومما يؤكد أن هذه التزكية قائمة على معطيات ذات صلة بالإنسان نهاية الآية الأولى، حيث قال تعالى {ولا يُظلمون فتيلاً} ، كأن الله يقول بأنه لا يوجد من يأخذ بأسباب التزكية ويستحقها إلا وزكاه الله!. ب- تزكية الإنسان: الأنبياء هم من الناس، وقد عُلم من خلال القرآن أن من مهماتهم تزكية الناس، فضلاً عن تزكية الناس لأنفسهم عبر التربية الذاتية والمراقبة والمجاهدة للنفس الأمارة بالسوء بصورة مستمرة. قال تعالى {قد أفلح من تزكى} [الأعلى:14] ، وقال {قد أفلح من زكاها}[الشمس:9] ، وقال: {خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى} [طه:76]. ج- تكامل التزكيتين: الإنسان يمتلك أن يأخذ بأسباب التطهر وتشذيب النفس وتأديبها، وهي منح متاحة من الله لكل عباده، وبالتالي فإن من يزكيه ربه هو من يزكي نفسه، {ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه} [فاطر:18] . وبمنح الله لأسباب التزكي تنسب التزكية إليه، لتكون فضلاً منه ورحمة، قال تعالى {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً}[النور:21] . والتزكية كواجب على الفرد نحو ذاته تتصف بالشمول لأبعاد الشخصية المختلفة، إذ يجب أن يزكي نفسه روحاً وعقلاً وجسماً (22). أما بالنسبة للتزكية السلبية فهي إعجاب المرء بذاته وإظهار الصلاح أمام الناس مع الأمن من مكر الله وادعاء دخول الجنة. وهي تزكية منهي عنها شرعاً {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}[النجم:32] . وقد حذر العلماء من الإدلال بالطاعة، والعجب بالالتزام والقرب من الله، وذهبوا إلى أن المعصية مع الخوف خير من الطاعة مع الأمن من مكر الله (23). وروى ابن القيم أن رجلاً قال لأحد الزهاد: إني أُكثِر البكاء. فقال: إنك إن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك” (24). ذلك لأن المدل بعبادته يشعر بالإعجاب بنفسه، فينفخه الشيطان، وغالباً ما يدفعه ذلك إلى الاستطالة على خلق الله.