ما يحدث اليوم في بعض الفضائيات التي تتطارد في الصحراء خلف الإبل يكشف لنا عن الحال الذي وصلت إليه بعض شرائح المجتمع العربي من تسطيح ثقافي، وفقرٍ جمالي، وفراغٍ اجتماعي كبير.. سابقاً، كانت الإبل في البادية وسيلة النقل الرئيسة، ومصدر الغذاء الرئيس، كانت عصب الحياة، إلا أنها ومع ذلك كله لم تكن معشوقةً لفارس، أو مصدر فتنةٍ وغواية لأبناء القبيلة.. كانت العلاقة بين الإنسان والجَمل علاقة طبيعية، تقوم على المنفعة، فقد سخر الله جميع المخلوقات ومنها الحيوان للإنسان، وليس العكس. الآن، فيما يسمى بالقنوات الشعبية تتم المطاردة والركض خلف الإبل على مدار الساعة، وهو ما يجعلنا نتساءل: أين الإثارة والمتعة والفائدة في تلك المطاردات الهوليودية التي لا تتوقف؟ ما المثير الفاتن والجذاب في خُف البعير، أو براطم الناقة؟! .. العجيب أن معظم من يظهر في تلك القنوات تأخذه الدهشة عندما يتحدث ويتملكه العجب من فرط الافتتان بذلك البعير أو تلك الناقة، ثم يعقب بذكر الله عز وجل للإبل في القرآن، مع أن القرآن الكريم قد ذكر أيضاً البقرة، والبعوض، والحمار، والجراد، والقمل، والنمل! .. إحدى هذه القنوات أدركت أن النجاح السريع قد لا يدوم خاصةً في ظل هذه المنافسة المحمومة وأنه لا بد من التجديد، فأحدثت تغييراً فنيّاً مفاجئاً على غير العادة، يتمثل في عرض مشاهد طبيعية لبعض الأشجار والنباتات الشوكية، مصحوبةً بإيقاعاتٍ صوتية نشاز... قناةٌ أخرى عمدت إلى تغييرٍ أكثر ذكاءً، لا يخرج بالقناة عن توجهها الأصلي، ويعود عليها بالنفع المادي، فأحدثت مسابقةً لفحول الإبل، وما يؤخذ على هذه القناة أنها لم توضح الشروط والمواصفات التي يتم على أساسها اختيار البعير الفحل! تتوالد هذه القنوات وتتكاثر عبر ظهورها في أكثر من قمرٍ صناعي، والسؤال الذي يحضر دوماً: ما الذي قدمته تلك القنوات للمشاهد سوى مهرجانات ومسابقات تحتفي بالإبل، وتحتفي بشعراء أثروا الساحة الثقافية بقصائد المديح والتزلف وتمجيد القبيلة، وتكريس العصبية؟