لكل شعب من الشعوب أو أمة من الأمم لغة تخصها وتميزها للتخاطب فيما بينها وتتبادل الأفكار والآراء والمعلومات بين الأفراد والجماعات واعتبارها جزءاً من موروثهم الثقافي والقومي وللطير منطقه في الحديث والخطاب كما ورد عن النبي سليمان عليه السلام مع الهدهد والنمل وإيحاء الله تعالى للنحل أن تتخذ من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون.. وقد تعددت اللغات بإشاراتها وتعبيراتها لتكون قادرة بتوصيل الرسالة في أسرع وقت ممكن دون النطق والمشافهة باللسان كلغة الإشارة بالألوان والرموز والعبارات ومدلولاتها، وتظل العيون بلغتها هي اللغة السائدة بين تلك اللغات لما تمثله العيون من لغة وسحر يفوق لغة الكلام والبيان والخطاب وللأدب والشعراء فلسفتهم ونظرتهم الخاصة إزاء هذا الموضوع لما للعيون من سحر فائق في اسر قلوب المحبين والفتك بها. كقول جرير: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا وقولهم عن صدق العيون وما تحمله من حقيقة في التعبير الصادق عن مشاعر الإنسان بقولهم: العين تبدي الذي في قلب صاحبها من الشناءات أو حب إذا كانا إن البغيض له عين يصدقها لا يستطيع لما في القلب كتمانا فالعين تنطق والأفواه صامتة حتى ترى من صميم القلب تبيانا وتعبير العيون بالرضا والقبول بقولهم: أشارت بطرف العين خشية أهلها إشارة محزون ولم تتكلّمِ فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيمِ وللعيون بسمتها وضحكتها وإن لم تنطق الشفاه بذلك كما في قول أمير الشعراء: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عينيّ في لغة الهوى عيناك وكما تعبّر العيون عن الفرحة هي كذلك تعبّر عن الحزن والألم كما ورد في قصة يعقوب عليه السلام إذ قال «يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم».. وتكنى العين بالمحبة كقولهم: أنت عيوني وعن الفرح والرضا والسرور بقولهم: قرة عيني وعن السمع والطاعة بقولهم: من عيوني. خلاصة القول: مهما تعددت اللغات وتنوعت أساليبها ولهجاتها وطرق إنشائها وتعبيراتها الفنية ستبقى لغة العيون وحدها موسوعة كل اللغات؛ لأنها فتنة الناظرين وبوح الحالمين ودنيا العاشقين في شكلها وصفاتها وبريقها وسعتها ولونها وسحرها وبسمتها ودموعها وبكائها لما تخلفه في القلوب من أثر.