أكد أشرف عقل، سفير جمهورية مصر العربية الشقيقة في صنعاء وقوف بلاده إلى جانب اليمن ومساعدتها على الخروج من مأزقها الحالي، وقال في حوار ل«الجمهورية» إن مصر مع وحدة اليمن وأمنه واستقراره، داعياً إلى تغليب المصلحة العليا للبلاد، والعمل بروح الفريق الواحد للوصول إلى حلول ونتائج توافقية تغلّب الصالح العام وتراعي المواطن اليمني دون تمييز، وتحدّث عن الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك للبلدين في سياق اللقاء التالي..كيف تقيّم العلاقة التاريخية بين اليمن ومصر..؟. بالنسبة للعلاقات المصرية اليمنية فهي علاقات قديمة بدأت عندما كانت الملكة حتشبسوت ترسل سفنها للحصول على التوابل والبهارات والبخور والعطور والأخشاب لما كان يسمّى آنذاك «بلاد بونت» ويُقصد بها البر الأفريقي والأسيوي التي كانت تشمل اليمن أيضاً، وهناك نماذج لهذه الرحلات مسجّلة في معبد الدير البحري في الأقصر تم خلالها استجلاب أنواع كثيرة من الأعشاب والأشجار من اليمن, كما نشأت علاقة بين مصر والممالك اليمنية القديمة وهي معين وسبأ وحمير, ناهيك عن العلاقات في العصر الإسلامي حينما فتح عمرو بن العاص مصر؛ حيث اصطحب معه خمسة آلاف من قبيلة عك اليمنية التي استقرت في الشام فيما بعد، وشارك أبناؤها في بناء مدينة الفسطاط بسبب خبرتهم في العمارة، وكان لهم دور واضح في فتح الاسكندرية وتحرير حصونها من الرومان, وتواصلت هذه العلاقات وامتدت إلى أن وصلت إلى ثورتي 26 سبتمبر عام 1962 و14 أكتوبر عام 1963, وساعد على ذلك أن هناك بعثات يمنية ذهبت إلى مصر ومن هؤلاء قادة الثورة منهم العنسي والزبيري والنعمان والمسمري, وكذلك وفود من الجنوب, وشكّلوا البدايات الأولى للثورة اليمنية, كما اعترفت مصر بهذه الثورات كأول بلد عربي، وأرسلت جزءاً من جيشها ليساند الثوار اليمنيين في إنجاح ثورتهم، وكان همّها إخراج اليمن من عصر الإمامة المتخلّف إلى العصر الحديث، وكل ذلك أتى بعد تأثر الشباب اليمني شمالاً وجنوباً بكتابات محمد عبده والعقاد والمازني والرافعي وطه حسين؛ إذ خلقت فيهم وعياً جديداً؛ كانت نتيجته حركة معارضة لنظام الإمامة والحياة القائمة آنذاك، ناهيك عن تسرُّب الكتب والمجلات والصحف والمصرية وكذا إذاعة «صوت العرب» وكلها مجتمعة مثّلت الخميرة للثورة اليمنية، وعندما جاءت مرحلة الثورة شكّل الضباط اليمنيون التنظيم على شاكلة الثورة المصرية وأبلغوا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ وعلى ضوئه تبنّت مصر الدعم العسكري والسياسي للثورة اليمنية المستوحاة أهدافها من ثورة 23 يوليو في مصر، كما تحمّلت مصر بعد نجاح ثورة سبتمبر حمايتها وبناء الدولة اليمنية الحديثة، كما ارتبط الدور المصري بعملية إخراج الاستعمار البريطاني من جنوباليمن. .. ما تقييمك أيضاً للتبادل التجاري وحجم الاستثمارات بين اليمن ومصر، وما هي أوجه التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين..؟. بالنسبة للتبادل التجاري وحجم الاستثمارات بين البلدين؛ فقد بلغ مؤخراً حوالي 258 مليون دولار؛ منها 214 مليون صادرات مصرية إلى اليمن، وهو بذلك لا يرقى إلى المستوى المنشود؛ لكن الفترة الماضية شهدت فتوراً واضحاً نتيجة الثورتين اللتين شهدتهما الساحة في البلدين، وبالتالي نحن نأمل أن يصل إلى مراحل متقدّمة في الفترة القادمة باعتبار أن هناك لجنة عليا مشتركة بين البلدين برئاسة رئيسي الوزراء للبلدين لم تنعقد منذ 2008م, وقد حاولت بذل الجهود لانعقاد دورتها بعد مجيئي إلى اليمن عام 2010م، واتفقنا على ذلك لكن قيام الثورة أخّر انعقادها, كما أن ذات العام شهد انعقاد لجان نوعية في مجال النقل البحري والاستثمارات وتسوية الديون والمجالات الأمنية, وهناك تطور للزيارات ولم تنقطع عن اليمن، وقد عقدت اللجنة التجارية المشتركة بالقاهرة في أبريل 2013م، وقام وفد مصري بالمشاركة في اجتماع وزراء العدل العرب وزيارة أخرى لرئيس هيئة المواصفات القياسية المصرية مطلع مارس 2013, وحالياً يقوم وزير الثقافة اليمني بزيارة لمصر ووزراء آخرون, لذا فالعلاقات مستمرة وإن كانت في حجمها المعتاد الأمر الذي يزيد من طموحنا بأن تكون متميّزة كدأبنا دائماً. .. ماذا عن الاستثمارات المصرية التي يمكن أن تأتي إلى اليمن..؟. هناك استثمارات في مجالات كثيرة، فمثلاً شركات المقاولات المصرية يمكنها أن تأتي لتنفيذ مشروعات البنية الأساسية، وكذا يمكن تطوير علاقات التعاون في مجالات النفط والغاز بين اليمن والشركات النفطية المصرية كشركة «بتروجيت» التي لها باع في اليمن، ومع شركات أخرى فيما يتعلّق باستيراد المواد الغذائية من مصر والمنتجات البلاستيكية والمواسير والإطارات وغيرها من السلع الاستهلاكية. .. هل هناك سلع يمنية تذهب إلى مصر في إطار هذا التبادل..؟. بالتأكيد، هناك سلع كثيرة أهمها العسل والبن والأسماك والقشريات والبهارات والسيارات المعاد تصديرها, وهناك مجالات كثيرة تتطلّب رؤية حتى تصل إلى المستوى المأمول. .. ما قراءتك لآخر المستجدات الراهنة على الساحة السياسية والأمنية والاقتصادية المصرية..؟. نحن مستمرون في تنفيذ خارطة الطريق، وسيجرى الاستفتاء على الدستور, وتحديد موعده بالنسبة للمصريين في الخارج ليكون في النصف الأول من شهر يناير 2014م, ونحن لدينا جالية مصرية في اليمن يصل عددها إلى بضع آلاف مسجّل منهم عدد بسيط لا يصل إلى ألف مواطن، وقد استعدّت السفارة للاستفتاء على الدستور، وستصلنا قريباً جداً آلية التصويت وكافة المستندات الدالة على ذلك، وبعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نهاية 2014 سيكون قد تم تنفيذ خارطة الطريق، ومن خلالها ستنطلق مصر إلى آفاق أرحب من الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية التي يستحقها الشعب المصري بكل تأكيد. .. كيف يمكن العودة بمصر إلى مكانها الطبيعي والريادي في قيادة الأمة العربية..؟. إن شاء الله بعد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور ستنطلق مصر إلى دورها القومي ومساعدة شقيقاتها الدول العربية, وقد قام وزير الخارجية المصري نبيل فهمي بزيارات لكثير من الدول العربية والآسيوية والأفريقية سعياً منه لتنشيط الأوضاع، وهناك الكثير من الدول التي تهتم بما يحدث في مصر وتسعى لمساعدتها في الفترة القادمة. .. ما قراءتك للمشهد اليمني الراهن..؟. اليمن شهدت أحداثاً ومحناً أكثر مما تمرُّ به حالياً، وهي قادرة على تجاوز كل ذلك كالعادة، وأنا متفائل بذلك؛ لكنني أناشد الإخوة اليمنيين بالعمل التوافقي وتعزيز قيم المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية، وتعزيز صمود الإنسان اليمني على أرضه، إذ لا ينقص اليمن شيء من المصادر المختلفة والمتعدّدة، وكل ما ينقصه هو الاهتمام بالمواطن وتعزيز قيم المواطنة على الأرض، كما أن القبيلة لها دور كبير جداً، وقريباً ستخرج اليمن من محنتها، ف«الإيمان يمان والحكمة يمانية» كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم. وحقيقة ما حدث في “العُرضي” أدمى قلوبنا وأدانته مصر بقوة، ونحن نجدّد وقوفنا إلى جانب اليمن دائماً، واليمن كونها أصلاً للعرب ومهداً للحضارة العربية لها خصوصية في الذهنية والعقل الجمعي المصري. .. في اعتقادك، ما شكل الدولة الأنسب لليمنيين..؟. نحن مع الوحدة، ونستنكر أية محاولات لشرذمة اليمن أو تشتيته, فتضحياتنا معروفة في اليمن، ولا عاصم من مشاكل اليمن إلا بوحدته، فالعالم في عصر التكتلات الكبيرة فيما نحن نسعى إلى تفتيتها نتيجة استهدافنا من الداخل والخارج، وهنا لابد من العمل على تعزيز الوحدة والترابط والتماسك، ولا يوجد ما يفرّق بين اليمنيين، حيث يجمعهم الكثير جداً، كما أن العمل هو الحل السديد للخروج باليمن مما يمر به، وتعزيز الديمقراطية والحرية وحب الوطن وتغليب مصلحته العليا. .. في اعتقادك، ما الضمانات الكفيلة بتنفيذ مخرجات الحوار..؟!. العمل بروح الفريق الواحد، وتغليب المصلحة العليا للبلاد، والخروج برؤية توافقية تراعي مصالح الوطن وأبنائه كافة دون تمييز أو محاصصة. .. هل كان الدور العربي مقنعاً في مساعدة مصر واليمن للخروج من الوضع الحالي..؟. دورهم مهم، ويجب أن يتكاتف العرب جميعاً، فبلادنا العربية كما أسلفت مستهدفة، ويأتيها الكيد من الداخل والخارج، وللأسف هذا الأخير يتم تنفيذه بأيادٍ داخلية، لذا يجب توعية مواطنينا، وهنا يأتي الدور المهم للإعلام ومنظمات المجتمع المدني، ولابد أن نعمل جميعاً في هذا الاتجاه. .. هل ثمّة مشاكل تعانيها الجالية المصرية في اليمن..؟. معظم المشاكل يتم حلّها بالتنسيق مع المسؤولين والإخوة اليمنيين، ونحن دائماً ما نلقى كل الترحيب والتكريم من أهل اليمن، وأنا حينما أتحدّث عن اليمن لا أقول "الشقيقة" بل أقول بلادي، ونحن نعرف قيمتها كثيراً، وأحيي كل الجهود التي تُبذل من أجل مساعدتنا في حل المشاكل التي تواجه أبناء الجالية المصرية في اليمن.