قالت: ألا ترى أن جعل الرجل قواماً على المرأة «الرجال قوامون على النساء»، قد فرض وصايته عليها، وسلبها بذلك حريتها وأهليتها، وثقتها بنفسها. قلت: ليس الأمر كذلك، فليست القوامة قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد، ولكنها قوامة التبعات، والالتزامات والمسؤوليات، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة، وإنما منشؤها المسؤولية التي عليه في الإنفاق ورعاية شئون الأسرة, ومسؤوليته في إيجاد المسكن وحمايته, ولذا ينسب أولاده إليه أيضاً, وسبب آخر يجتمع مع السبب الأول وهو ما ركب الله في الرجل من طبائع فطرية تخالف طبائع أخرى عند المرأة فكل نوع مفضل على الآخر بشيء من الطبائع تؤهله للدور الذي يقوم به في الحياة. فمن ينسب أولاده إليه ومن يقوم بتحمل مسؤولية الإنفاق والرعاية يكون قواماً على أسرته وهي تبعات وتكاليف لا استبداد فيها، ولا استعباد للمرأة، بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين الشريكين. فالمرأة إنسان قبل كل شيء، والإنسان له حقوقه الإنسانية، وهي شقيقة الرجل، خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه، فهو وهي سيان في الإنسانية. قالت: وإذا لم يستخدم الرجل قوامته كما ذكرت فما العمل؟ قلت: من لم يتحمل مسؤوليته كما أراد الله، واستبد، وتعالى، وجار على المرأة فقد خالف ما أمر الله به, ومن حقها أن تطالب القضاء بإنصافها. قالت: ألا ترى أن قوامة الرجل على المرأة لا تتفق مع مبدأ حرية المرأة ومساواتها بالرجل، التي ننادي بها، ونروم تحقيقها. قلت: العقل والمنطق السليم لدى كل عاقل في الأرض يقول: لا بد للأسرة من قيّم توكل إليه الإدارة العامة لتلك الشركة القائمة بين الرجل والمرأة، وما ينتج عنها من نسل، وما تستتبعه من تبعات، و ما دام الأمر كذلك فإن هناك أوضاعاً ثلاثة يمكن أن تفترض بشأن القوامة على الأسرة: فإما أن يكون الرجل هو القيم، أو تكون المرأة هي القيم، أو يكونا معاً قيمين. أما الافتراض الثالث فإن التجربة والواقع والمنطق يستبعده, فوجود رئيسين في العمل الواحد أدعى إلى الإفساد من ترك الأمر فوضى بلا رئيس، وكذلك حين يكون الرجل والمرأة قيمين على بيت الأسرة, إذ أن المسؤولية ستضيع بينهما في إدارة البيت. وعلم النفس يقرر أن الأطفال الذين يتربون في ظل أبوين يتنازعان على السيادة، تكون عواطفهم مختلفة، وتكثر في نفوسهم العقد والاضطرابات. إذاً لا بد من قيّم واحد فقط, فإن قلنا بالافتراض الثاني بأن تكون المرأة هي القيم, بقي السؤال كما هو, فالرجال سيقولون: ولماذا النساء قوامات على الرجال؟ وقد اختار القرآن أحدهما ضمن مجموعة تكاليف على الرجل والمرأة داخل الأسرة الواحدة وسمى تلك التكاليف حدود الله, فهي تؤخذ كتلة واحدة لا أوامر منفردة, حتى لا يُرى في ظاهرها الظلم لأحدهما. قالت: المرأة اليوم تساعد الرجل وتشاركه في النفقة, وقد تكون قادرة على تحمل المسؤولية بعد أن تفاعلت مع المجتمع واختلطت بالناس؟ قلت: نفقتها ليس إلزاماً عليها, ولكنه فضل منها ويحق لها أن تلزمه بكامل النفقة, وأوامر الأسرة في القرآن جاءت حزمة واحدة سماها القرآن حدود الله, أي تؤخذ حزمة واحدة, وأي انخراط لأحد أوامر الحدود ينهار الحد, لأن عزلها عن سياقها ضمن الحدود يجعل ظاهر أوامرها ظلماً على المرأة مرة وظلم على الرجل مرة أخرى, ولكن إن أخذت كتلة واحدة, ذهب ذلك التوهم من الظلم. ولا تمتد تلك القوامة إلى حريتها في اختيار ما تؤمن به من الأديان والمذاهب والأفكار, ولا ما تعبّر به من رأي, ولا تمتد كذلك إلى أغلب تصرفاتها في شئون حياتها إلا ما يمس الأسرة ككيان فإنها تلتزم كما يلتزم الرجل بالحفاظ على هذا الكيان بالمحافظة على الميثاق بينهما, ولذا لها كامل الحق في التصرف في ما تمتلكه من مال خاص بها, ولها كذلك أخذ كل حقوقها الأخرى. قالت: فإذا اضطرت للإنفاق معه لحال ظروفهما فهل تبقى القوامة له؟ قلت: نعم تبقى القوامة له للاعتبارات التي ذكرتها سابقاً, ولكن يمكن أن يتفقا على أشياء بينهما بأن يقدم الرجل تنازلاً في شيء ما في مقابل أن تساعده في النفقة, طبعاًً ولا ننسى أن البيوت تقوم أساساً على الحب والمودة, وهذا يخفف كثيراً من تلك المشاكل بين الزوجين, وتجعل كل فرد منهم يتقبل الآخر ويتحمل معه كل التعب والمشقة كي يعيشا في سعادة وحب . فإن فقدا الحب والمودة فإن كل قوانين العالم لن تستطيع أن تجعلهما يعيشا في سعادة وفرح. قالت: وهل هناك ظروف قد تجعلها هي القيمة؟ قلت: نعم إذا كان الرجل غير قادر على القوامة لسبب من الأسباب التي أفقدته القدرة على القوامة، سواء كانت بسبب ضعف قدراته الذهنية أو قدراته الجسدية. قالت: تلك علاقة المرأة مع زوجها, فهل عليها قوامة قبل زواجها ولمن هي تلك القوامة؟ قلت: قبل زواجها مثلها مثل بقية إخوتها الذكور يكون الجميع تحت قوامة أبيهم وليس كما يعمل الناس في بلادنا فيتقدم كل ذكر في الأسرة ليجعل من نفسه قيماً على أخواته , فتصبح البنت في البيت الواحد لديها عدة قيمين بعدد إخوتها فإن كانوا خمسة صار عدد قيميها خمسة بالإضافة إلى القيم الأساسي وهو الأب وهذه عادة توارثها الناس ولا سند لها من الدين .. فإن توفي الأب وكان الأولاد صغاراً لم يبلغوا بعد فإن الأخ الأكبر يكون هو القيم على الأسرة, فإن كانت البنت قد بلغت فإنها تأخذ حريتها كإخوتها, ولكن نفقتها تبقى على قيم الأسرة ما لم تتوظف في عمل يسد حاجتها.