إن كان التاريخ والآثار هي ذروة مقصد السياح الوافدين إلى قرية أهل الكهف في قمة جبل صبر فإن أهالي عزلة المعقاب لا يعنيهم ذلك الشجن ولا وقت لديهم لاستقبال السياح خاصة في هذه الأيام الشتوية الجافة حيث يكرسون وقتهم فقط للبقاء أحياء بسعيهم وكدّهم المتواصل لتأمين مياه الشرب ! وفرة الماء والعطش الإحباط يحاصرهم فلم يعد يعنيهم كثيراً شرح وإقناع الزائرين بمعالم ودلائل أهل الكهف لديهم فلا فرق لديهم في ظل غياب الاهتمام الأثري والسياحي لمسجدهم التاريخي وكأن لسان حالهم يقول : الحي أبقى من الميت، لا يطمحون بأكثر من شربة ماء تصل منازلهم من ذلك المشروع المتعثر منذ عقد على توقيع مياه الريف للاستلام النهائي من المقاول دون حتى ضمانات الصيانة رغم وفرة المياه المتجهة من أسفل قريتهم والواصلة جداوله إلى أودية الضباب دون أن يستفيدوا منها ورغم جاهزية المضخة والخزانات التجميعية واكتمال مد شبكة المواسير المعدنية إلا إنه أمر في غاية الغرابة وراء فشل المشروع الذي سعى وراءه أحد أبناء المنطقة المنتسبين لهيئة مياه الريف, ولقي حتفه على أيدي شيخ المنطقة والمعنيين بتشغيله بدءاَ بفرع مياه الريف بتعز ومروراً بمحلي المديرية وانتهاءً بممثل المنطقة في محلي المديرية المنصرف منذ سنوات في عمله بصنعاء تاركاً مشاكل وقضايا من صوتوا له وراء ظهره .. بلكنة الحرقة والغيض يتحدث أحد أبناء القرية قائلين : نحن في قمة جبل صبر ووادي الضباب في أسفله غرباً .. فهل من العدل أن يشرب أبناء الضباب وعشرات القرى الواقعة بيننا من المياه الواقعة أسفل قريتنا فيما نحرم نحن من وصولها إلى منازلنا ! تبادل التهم في تاريخ 4/ 7/ 1999م تم توقيع عقد تنفيذ مشروع شبكة مياه عزلة المعقاب بجبل صبر بين كل من الهيئة العامة لمياه الريف بتعز كطرف أول وبين المقاول المنفذ للمشروع طرف ثان ويشمل العمل توريد وتركيب أنابيب حديد 3 هنش انجليزي مجلفن سماكة 4.5 ملم وما تحتاجه من دعامات خرسانية وغرفة تفتيش وغرفة للمضخة وخزان خرساني مسلح وإجمالي المبلغ المتفق عليه أحد عشر مليوناً وستمائة وسبعة وتسعين ألفا وأربعة وستين ريالاً وفترة تنفيذ المشروع لا تزيد عن ثمانية أشهر على أن يلتزم المقاول بصيانة المشروع لمدة عام. وقد سبق وأن أوضح المهندس سمير الشخصي مدير عام فرع الهيئة العامة لمياه الريف بمحافظة تعز :إن الخلاف بين أهالي قريتي المعقاب ومحزف على الماء أطال مدة تركيب الشبكة لأكثر من أربعة أعوام ولم يتسلم فرع الهيئة المشروع من المقاول إلا في تاريخ 18/4/ 2004م أما الأخ محمد هزاع رئيس لجنة الخدمات بمحلي صبر الموادم .. فقد اعتبر محضر استلام المشروع من المقاول إلى فرع الهيئة باطلاً لخلوه من أي توقيع لمن يمثل المجلس المحلي في المديرية غير أن مصادر أخرى تكشف أن مدير عام المديرية آنذاك ومدير عام فرع مياه الريف الأسبق أيضاً وافقا على استلام المشروع من المقاول وما يؤكد هذا أن المقاول تسلم كاملا مستخلصاته المالية في العام 2004 قبل تشغيل المشروع أصلاً بمعنى أنه صار «معفي» من فترة الصيانة لمدة عام حسب أمين عام مشروع مياه المعقاب الأخ عبدالواسع العماري الذي أضاف بأن أول وآخر تشغيل للمشروع تم خلال الانتخابات المحلية في العام 2006م أي بعد عامين من رحيل المقاول عن المشروع وتسلمه كامل مستحقاته برغم أن مواسير المشروع غير مكتملة .. كما أكد ذلك العماري وتقرير المهندس يعقوب عباس كون المشروع يحتاج إلى زيادة شراء وتركيب مواسير بقيمة تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين ونصف ريال حسب التقارير والجداول الموضحة المدفوعة من المهندس يعقوب مهندس المديرية إلى المدير العام لمحلي المديرية أي بأكثر من ثلث قيمة المناقصة للمشروع . أما المهندس سمير الشخصي مدير عام فرع هيئة مياه الريف فقد اعتبر مواسير المشروع مكتملة وأرجع أسباب تعثر المشروع حتى اليوم شيخ قرية المعقاب الأخ عباس عبدالله سيف أما الأخير فقد رد على هذه التهمة بأن السبب الحقيقي لتعثر المشروع هو فرع هيئة مياه الريف بتعز لاستلامهم مشروع شبكة مواسير ركيكة مخالفة للمواصفات المذكورة واكتفى المقاول بتوصيلها مع بعضها بتواصيل مسننة من الداخل فيما كان الأولى أن تكون المواسير برمتها من النوعية المتصلة مع بعضها بفلنجات ملتصقة بأبوال .وإضافة إلى ذلك يضيف تاجر مواد البناء ومواسير المياه الحاج حسن العماري أحد أبناء القرية أن مواسير المشروع لم تأت كما في مواصفات العقد المبرم بين مياه الريف والمقاول فقد ركبت مواسير سماكة 1.5 هنش بدلاً من 4.5 هنش كما أن نوعية الحديد هندي والعقد قال « إنجليزي » ونتيجة شدة انحدار خط المواسير من أسفل القرية إلى قمتها لم تتحمل المواسير قوة دفع المياه من أسفل القرية إلى أعلاها وبالتالي تفككت في اليوم الأول لتشغيلها خلال الدعاية الانتخابية في العام 2006م والأغرب من ذلك هو ما جرى بعد فترة من فضيحة تفكك مواسير المشروع عند قيام أحد أهالي القرية بسرقة أجزاء المضخة وعندما كشف أمره أعيدت وصرفت له مكافأة مالية لتركيبها مجدداً. خزان مشبوه ثمة تشعبات أخرى بمعضلة مشروع مياه المعقاب تتمثل في دوامة الخزان التجميعي المجاور للمضخة الذي بناه الأهالي بحسب أمين عام محلي المحافظة محمد الحاج ودعم المحافظ شوقي أحمد هائل قبل أن يترأس المحافظة بمبلغ مائتين وسبعين ألف ريال في العام 2004م وبعد مضي ستة أعوام من بنائه وجه مدير عام مديرية صبر الموادم في العام 2010 مدير المالية بالمديرية باعتماد صرف مبلغ مليون ومائة وستة وتسعين ألف ريال للمقاول عقلان علي أحمد أحد أبناء القرية مع اعتبار المبلغ الذي قدمه الأخ شوقي أحمد هائل مجرد مساهمة خصمت من المبلغ المطلوب مقابل بناء خزان المعقاب وتوريد وإصلاح المضخة حسب استمارة اعتماد الصرف المختومة بداية ذات العام 2010 . أما الخزان الآخر الذي كان الأهالي قد بنوه بأنفسهم للمشروع فقد إنهار ذات يوم مشئوم وانقضّ جداره على جسد الطفلة « خلود» ست سنوات التي تحدث والدها سلطان محمد ناجي المنهك بالفقر والمرض العصبي قائلاً بأن أحداً من الأهالي أو المعنيين في المجلس المحلي لم يلتفت إليه بعد وفاة طفلته , مضيفاً بأنه تطوع مع عدد من الأهالي لبناء ذلك الخزان , لكنه عمل لعدة أسابيع مع مقاول الخزان الآخر التابع للمشروع لكن المقاول هرب بعد استلام مستحقاته ولم يدفع له الأجر , مختتماً : كنت يومياً أبكّر بالماء والشاهي والصبوح لي وللأساطيه وكأنني أنا عمهم أو المقاول وفي الأخير هرب المقاول وتركني أبكي على فقدان طفلتي ومشقايتي . معاناة ما يمكن استخلاصه من هذا التحقيق أن أكثر من أربع قرى محيطة بجامع أهل الكهف بقمة جبل صبر احتسب عليهم مشروع مياه بملايين ولم تصلهم قطرة ماء منذ تسعة أعوام على تشغيله التجريبي الفاضح لفشله ومخالفة مواصفاته الفنية, فما زال الماء يصعد من منبع الماء إلى المنازل البعيدة عنه في قمة الجبل على ظهور الحمير وعلى رؤوس فتيات القرية اللاتي غادرن المدارس صوب عين الماء . ختاماً لأن فرع مياه الريف بالمحافظة لم يتشاطر مع محلي المديرية المسئولية أمام نيابة الأموال العامة أو لجنة مكافحة الفساد أو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو أمام أحكم الحاكمين , لا بأس من نقل تفاؤل أهالي المنطقة بمدير عام مديرية صبر الموادم الحالي الأخ عبدالباري الحمودي الذي جربوه قبل أعوام ولمسوا تفاعله مع هموم الناس , وعليه يحطون أملهم مجدداً بعد عودته إلى المديرية .. آملين أن لا يسمح بترحيل مبلغ صيانة وتشغيل المشروع إلى مشاريع أخرى أو بنود وهمية كما هو الحال في الأعوام الماضية .