في أسوأ حظيرة على كرتنا الأرضية يتم الإعداد والتحضير لأطبائك يا وطن. ففي تربتها المتعفنة برجس الإهمال ونجاسة الجهل المخزي بأساليب الريادة المطرزة ببذرات الاستهانة والمحاباة والمجاملات، تٌثبت الرايات في كل شبر فيها وترفع عالياً لتحجب عن أطباء الغد ضوء السماء بكثافتها وألوانها الداكنة وشعارتها السوداء المناهضة للضحية المناصرة للجلاد الموالية للفساد التي ترفرف بالأسباب الوهمية الخادعة الكاذبة ومبررات التجاهل والتخاذل وسوء الإدارة وذلك الحرمان من أبسط وسائل مقومات التعًلم والعبث الكبير بمصير الأجيال. هم نخبة الطلاب في الصفوف المدرسية وقبل أن تطأ أقدامهم بوابة الحظيرة كانت أحلامهم تزن حجم الدنيا والكواكب من حولها, وطموحاتهم كانت تجوب أرجاء الأرض وأصقاعها وما بعد السماء شوقاً ولهفة لعناق المجد والنهوض بالبلد, وأفكارهم كانت تلد في كل لحظة دليلاً للتطوير والبناء وآيات النور ومصابيح الارتقاء وتبعث في النفس روح المثابرة والجد والهمة, يحدوهم المنى بأن يكونوا مشاعل نور لهذه الأمة وإنقاذ الإنسانية وتحريرها والتطهير من تلك الأسلحة الصامتة المتمثلة بالأخطاء الطبية لكن للأسف ارتطمت أفكارهم بواقع الصخور المأساوية على عتبة تلك الحظيرة فانطفأ الأمل وتحطم الطموح واحترقت الأحلام وتناثرت أشلاءها على بطون أرضها الجرداء وأجواءها الخانقة للإبداع الهائمة بديابيج الظلام المنعشة لقيود اليأس الحاضنة لسلاسل الركود وأوتاد العجز وسهام الإحباط فنسفت كل الأماني وتطايرت إثر أعنف عاصفة كونية تعشق الاستمرار ويطيب لها المقام والبقاء في أنحاء تلك الحظيرة. فحينما تتجول في أوكارها تتمنى أن ترى شيئاً يبرهن لك أنك في كلية الطب أو بالأصح أنك في كلية! باستثناء الثوب الأبيض, ومن الغريب جداً أنه لاوجود فيها لمشرحة! ومعاملها لا تكاد أن تذكر ونظراً لمحدوديتها وشحتها والندرة ترى أطباء الغد خلف أبوابها يتدافعون وعند الوصول يصعب عليك رؤية الجهاز فمثلاً الميكروسكوب الواحد يحوم حوله خمس عشر طالبا فأكثر وبمجرد النظر إلى تلك المعامل تصرخ مستغيثة في وجهك “هل من منقذ؟ “لم يعد لي القدرة على الاستمرار والبقاء, خارت القوى وتجاوز الظلم حدود المدى فلا أحد من المسؤولين هنا يرحم ضعفنا والوهن, لا يدركون معنى العجز والشيخوخة وانتهاء الصلاحية ولا أحد منهم يستقرىء في منعطفات ملامحنا طول الرحلة وآثار العناء وأقدمية الحكاية وتلك الخطوط المتشعبة والتجاعيد المتعددة ولكننا نلتمس العذر للمسؤولين على تلك الحظيرة! لا بل ونقدر إسهامهم الكبير في النهوض باقتصاد الوطن! من خلال اعتمادهم سياسة التقشف التي تتجسد في بقائنا صامدين كصمود البدروم والقاعة الوحيدة والغرف الضيقة في وطننا الأم على قلب الحظيرة! وللأسف نقدم العزاء لأنفسنا والبلد فكلما كان ثبوتنا والكفاح أكثر إنهار اقتصاد الوطن أكثر فأكثر! لأننا لا ندرك أن البطون الواسعة هنا كنار جهنم “هل أمتلأتي ...فتقول هل من مزيد” وفي تلك الزوايا تشهد أعنف جدل تاريخي بين الحلم والتحدي وتلك النهاية المأساوية المتمثلة باستسلام الحلم وإعلانه العجز والتنحي عبر تلك الوجوه الحائرة لأطباء الغد وأفكارهم المدفونة تحت ركام الحاضر وتنحي المسؤول، الضائعة الغارقة في وقائع الأمس واليوم ومصير المستقبل. تاهت بهم الخطى في الدهاليز المظلمة فذهبوا بعيداً للبحث عن سيوف العدل في مختلف النيابات والمحاكم فيامن أنتم في مراكز القرار ألا تخجلون؟! وأنتم تقتفون الأثر لثقة الابن المذبوحة, المنعدمة بسيادة الأب التي اندثرت وتدثرت برمال الظلم وغطاء التجاهل وكيف تواجهون أنفسكم بهذا المستوى المخزي من التجاهل والتخاذل والعجز وعدم القدرة على الوقوف الجاد على أبسط قضاياهم واستشعار المسؤولية وتقديس العدل وإحلاله بديلاً منير عن ظلمة الواسطة وجور المحسوبية ولاريب في ذلك! فالمسؤولون هناك هائمون بالمناصب والكيد العظيم لبعضهم البعض والعبور منه والتسلق إلى درجات أعلى فأعلى أما قضايا الطلاب وحقوقهم كأنها لا تعنيهم والتقهقر والتخاذل والضعف والظلم والسكوت عن الحق فيها وعدم الإنصاف صار لهم دليلاً ومرشداً ومنهاجاً ومبدأً وفي اتجاه آخر يراودك السؤال عن دور الرقابة إزاء ذاك التغيب الكبير لأعضاء هيئة التدريس ونسيانهم للواجب وركوضهم وراء الربح الأوفر الذي يكمن في عياداتهم والمستشفيات والكليات الخاصة والذي يفاقم المشكلة أكثر ويٌضاعف به العناء أكثر فأكثر. وهناك أيضاً لابد أن تخلى الذاكرة من كل شوائب الفهم والإبداع والاستفسار وملكات الابتكار! وذلك من أجل مسايرة السياسة المبتكرة ومن أجل الحصول على التفوق! وإياك إياك أن تحاول النقاش لأنك لم ولن تجد الإجابة! وإياك والغوص في محتوى المضمون لأنك ستغرق في صدر الورق وسيموت الفكر مخنوقاً بالإعدام شنقاً على أكتاف الحبال المنسوجة من نتائج السقوط بتهمة تجاوز الحدود والخوض بعيداً فالمطلوب هنا الحفظ والسرد فقط وإعادة الطباعة وهناك الكثير والكثير من السلوكيات والممارسات والتصرفات الغير مسؤولة التي تحدث ثقوبا عميقة في صميم القانون وترمي سهامها الحادة في قلب الطموح وتشق أنفاقا مظلمة كئيبة ضيقة لليأس والإحباط . فأتمنى من الإعلام بوسائله المختلفة ورسالته الإنسانية السامية تسليط الأضواء على تلك الأوضاع المأساوية التي يعيشها أطباء الغد ونتائجها الكارثية على مستقبل البلد ومناصرتهم والإنقاذ والحول دون تحول تلك الحظيرة إلى مفاعل لأقوى تخصيب بشري لدمار البشرية..