الطلاق من الظواهر الاجتماعية التي تسعى الجمعيات والمراكز الأهلية لمكافحتها والحد منها، وهي قضية جديرة بالاهتمام والعناية، حيث تمس النواة الاجتماعية الأساسية المتمثلة في الأسرة التي تعد اللبنة الرئيسة لأي مجتمع. الزواج والطلاق في مناهج المدرسة وحول بحث المقترحات الواقعية والممكنة للحد من ظاهرة الطلاق للحفاظ على كيان الأسرة، تقول السيدة أم كريم(موظفة بوزارة الثقافة) من الضروري أن تكون ثقافة الزواج والطلاق أحد المناهج التربوية، والتعليمية المقررة على طلاب المدارس؛ حتى يحصل تراكم معرفي، وحين يتقدم الولد أو البنت للزواج يكون لديه الوعي الكافي بأهمية الأسرة ويكون لديه من المهارات ما يمكنه أو يمكنها من القيام بالدور المطلوب. غياب الأسرة الكبيرة له تأثير أما السيد خلف (صاحب مخبز) فيقول: لست على درجة من التعليم، لكن عندي من الخبرة في حالات الزواج والطلاق، ما يمكن أن يكون مفيدا، وأول هذه الأشياء أن الطلاق في السابق لم يكن بمثل هذه السهولة في الوقت الحالي. ويضيف: ألاحظ أن الزوجين في الوقت الحالي لا يجدون من ينصحهم النصح الكافي، وربما يكون ذلك لانشغال كل أسرة بحالها، ولم تعد هناك الأسرة الكبيرة قديما، التي لم تكن تعطي الشخص الحق في الانفراد بقرار الطلاق أو غيره من القرارات المهمة، سواء كان طلاقاً أو أي شيء آخر، وكان هناك لكل عائلة كبير، ويكون هناك أخذ ورد، وهذه الحالة كانت تمنع الكثير من الوقوع في الطلاق أو الأخطاء الاجتماعية الأخرى التي يكون التسرع من أهم أسبابها. اتباع الشرع فيه الحل ويقول الشيخ الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر: إن الحل لهذه القضية يكمن في اتباع الشرع المطهر، باتباع حسن العشرة، وألا تطلب الزوجة الطلاق لغير مقتضى مشروع، كما يجب ألا تستفز الزوج، ولا تستثيره حتى لا يفقد أعصابه فيطلقها. ويضيف الدكتور إدريس أنه إذا استحالت الحلول الودية، واضطرا الزوجان للطلاق فيجب العناية بالأولاد إذا وجدوا، وعلى الزوج أن يوفر لهم وللأم المسكن المناسب إذا كانت حاضنة. كما يجب أن يعطيها سائر الحقوق المادية المتعلقة بها، ثم يخلي سبيلها لقول الله تعالى: “.. فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ..”سورة البقرة 229، يضاف إلى ذلك أنه لا ينبغي أن يسيء إليها عند إنهاء العلاقة، فلا يشهر بها ولا بأهلها، ولا يذكرها بسوء لأن الإسلام نهى ذلك كله. التدرج في الحلول أما الدكتورة ماجدة هزاع أستاذ الفقه بجامعة الأزهر فتقول: لقد وضعت الشريعة الإسلامية منهاجا لعلاج المشاكل التي تنشأ بين الزوجين، والتي قد تؤدي للطلاق، فقد قال الله تعالى “وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”سورة النساء 34. وقد أشارت الآية الكريمة إلى وسائل معالجة الأمور مع الزوجة قبل أن يصل الأمر إلى الطلاق، أولا بالعظة التي تبين للزوجة مواطن الخطأ، ثم إذا لم تستجب يهجرها الزوج في المضجع، وهذه عقوبة بها من القسوة ما يجعل الزوجة تتراجع عن موقفها وتعود لطبيعتها الأولى. فإذا لم تستجب الزوجة فإن الشرع أمر بالضرب غير المبرح الخفيف، بحيث تصلها رسالة الغضب والرفض من زوجها، فتتراجع عن موقفها. فإذا لم تجد هذه الحلول فالشارع الحكيم أمر بإدخال الأهل لمحاولة العلاج والإصلاح، بالجلوس مع الاثنين لمحاولة تقريب المسافات، وتقديم الحلول التي قد تغيب عن الزوجين، وقد قال الله تعالى “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” سورة النساء35. وبعد التدرج في هذه الحلول إذا لم تجد شيئا، فقد أباح الله تعالى الطلاق، وهنا يجب أن ننظر إلى أهمية نشأة العلاقة الزوجية التي يعد حسن الاختيار أحد أهم أسسها، وقد قال الرسول e “فاظفر بذات الدين تربت يداك”متفق عليه، وهو يعني أن الزوجة المتدينة، هي الزوجة الناجحة في جميع أدوارها وجميع مراحل حياتها. وقد قال أحد الأعراب لأبنائه: لقد أحسنت إليكم صغار، وأحسنت إليكم كبارا، وأحسنت إليكم قبل أن تولدوا؛ فقال أحسنت إلينا صغارا وكبارا، ولكن كيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟، قال: أحسنت إليكم بحسن اختيار أمكم. أثر الطلاق على الروابط الأسرية عند الزوجين والأولاد قال الداعية الإسلامي ماهر بركات: إن الطلاق يعرض أفراد الأسرة للعديد من المخاطر، ويقلل فرصها في أن تحيا حياة اجتماعية طبيعة بشكل كامل، لكنه لا يقضي على هذه الأسر، وربما كان الطلاق حلا مناسبا حين تغلق طرق الإصلاح، وحين يستبد كل طرف برأيه. وأكد بركات لموقع لها أون لاين أن الأطفال هم الطرف الأكثر تضررا في حالة وقوع الطلاق، حين يأخذون دور المفعول به، وأنهم يكونون ضمن حسابات الأب والأم، ولكن ليس على رأس هذه الحسابات، وهو ما يؤثر تأثيرات سلبية، تختلف من طفل إلى طفل، ومن مجتمع إلى آخر. *ما أشكال الضرر الذي يحدث للأطفال نتيجة طلاق الوالدين؟ هناك أضرار كثيرة.. منها: ما يقع على الطفل ووالديه، ومنها ما يقع على الطفل وحده. أما ما يقع على الجميع، فهو أن بعض الأطفال يدخلون في حالة من الرفض للمجتمع، والعزلة عمن حولهم، ورفض الأب والأم تحديدا، وهذه من المشاكل التي يصعب اكتشافها، خصوصا أن بعض الأطفال يتألمون ولا يبيحون، فيكون ألمهم مضاعفا! كما أن هناك أشكالا أخرى للضرر، منها: التأخر الدراسي، أو مصاحبة رفقاء السوء، خصوصا مع ضعف الرقابة الاجتماعية، والنظرة للمجتمع نظرة عدائية! *وكيف يمكن تلافي هذه الحالة التي يتعرض لها الأطفال؟ أهم إجراء لتجنب هذه الحالة، هو إجراء وقائي في الواقع، ويتمثل في الحفاظ على تماسك الأسرة، وأنصح الزوجين بالصبر الجميل على بعضهما؛ بل والمبالغة فيه، فالصبر على الكيان الأسري برغم الكدر والخلافات، أفضل بكثير من تعريض الأسرة للتشتت والتمزق. *لكن ما الحل إذا وصلت الأمور لطرق مغلقة ولم يكن هناك حل إلا الطلاق؟ في هذه الحالة يجب على الزوجين، وعلى الطرفين في الأسرة الكبيرة للزوجين، الحرص على إتمام الطلاق بما لا يقطع الرحم، ولا يؤذي الأطفال، ماديا أو معنويا، وفي الحديث الشريف “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه”رواه البخاري، وفي حديث آخر “لا يدخل الجنة قاطع” أي قاطع رحم، والحديث متفق عليه. ولابد من حضور هذه المعاني أثناء وبعد الطلاق، فالأخوال والأعمام والخالات والعمات يجب الحرص على صلتهما وبرهما، وتعويد الأطفال على ذلك، فهو يحفظ الأطفال في المقام الأول، ويحافظ على العلاقات الاجتماعية والأسرية ويبقى على أواصر الرحم. *كيف تتفادى الأسرة تبعات الطلاق من القطيعة الاجتماعية التي نلاحظها على أرض الواقع؟ لابد من للعقلاء في الأسرتين من التأكيد على نبذ القطيعة، والتعامل مع الموقف على أساس أن هناك أطفالا تحتاج عناية ورعاية من الطرفين، بل على الأم العاقلة والأب العاقل، أن يدفعا أولادهما لبر الأخوال والعمات وزيارتهم في الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة؛ لأن هذا من شأنه أن يخفف الضغط على الأبناء، ويشعرهم بأنهم كغيرهم من الأطفال، لهم امتداد اجتماعي، وأنهم مرغبون ممن حولهم، لكن ما يحدث غير ذلك للأسف، حيث يهتم الآباء في أحسن الأحوال بالجوانب المادية من مأكل وملبس وصحة ولا يفكرون في هذه الأبعاد الاجتماعية؛ بل وبعض الآباء هداهم الله لا يفكرون في هذا ولا ذاك. *هل يمكن أن يتحقق هذا في الواقع؟ ممكن جدا إذا علمنا أن الطلاق أمر مشروع في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وقد شرعه الله تعالى كحل يلجأ إليه الأزواج عند تعذر العلاقة. ولو نظرنا إليه باعتباره حلا وإن كان مؤلما ستتغير نظرتنا للتعامل مع تبعاته، خصوصا في حالة وجود أطفال، كانوا ضحايا انقضاء هذه العلاقة، وبالتالي فعلى جميع الأطراف مساندة الزوج والزوجة، ومن قبلهم الأطفال على تجاوز هذه الأزمة. كما يجب أن نفهم أن سوء التعامل مع تبعات الطلاق أو إهمالها، لا يتضرر منها الأطفال أو الزوجان فقط، وإنما يتضرر منها المجتمع بأسره، حين نعرض أطفالا على المجتمع بسبب فقدان الرعاية الواجبة لهم، إضافة إلى تزايد أعداد المشردين وانتشار جرائم السرقة، وغيرها من الآفات الاجتماعية الخطيرة.