بعد نزعات التخسيس أثناء النوم، والحمية بواسطة الماء البارد، يطل علينا العلماء الهولنديون بطريقة تبدو أكثر علمية من سابقاتها لتقليل الوزن، وتدعو إلى جعل الجسم يستهلك خلاياه الدهنية عن طريق تعريضه للبرد.. يبدو ما كتبه العلماء الهولنديون في مجلة “نزعات في علمي الغدد والميتابولزم” يعاكس القناعات السابقة التي تدعو البدناء إلى زيارة صالات الساونا بانتظام، بهدف حرق السعرات الحرارية. وتبدو أيضًا أقرب إلى نظرية الحمية الباردة، التي تدعو إلى شرب الماء البارد في الشتاء بهدف قسر جسم الأنسان على معادلة ذلك بحرارة مستمدة من خزين الشحوم فيه. مدفأة داخلية تعتمد معظم نظريات الحمية على مبدأ أن يتلقى الجسم سعرات حرارية أقل مما يحتاج، مع ممارسة المزيد من الحركة والرياضة. ويعرف العلم، عبر ما يكفي من التجارب الشخصية والمختبرية، أن انقاص الوزن أسهل بكثير من الاحتفاظ بالوزن الجديد للجسم. لكن الحمية الهولندية الباردة ترى ضرورة تعريض الجسم إلى برودة نسبية، تكفي لتحفيز الخلايا الدهنية السمراء، وجعلها تحرق بنفسها الخلايا الدهنية البيضاء. وهي طريقة تضرب عصفورين بحجر، تقلل الوزن على المدى البعيد، وتقلل استهلاك الوقود والطاقة أيضًا.. كتب الباحث ووتر فان ماركن ليشتنبيلد، الذي ترأس فريق العمل من جامعة ماسترخت الهولندية، إنهم يريدون استخدام “مدفأة الجسم الداخلية” لخفض الوزن. ويتساءل : “نحن عادة نرفع ونخفض درجة حرارة الغرفة باستخدام المدفأة الخارجية، كي تكون أنسب لدرجة حرارة جسمنا، لكن ماذا سيحدث لو جعلنا المدفأة الداخلية تنظم ذلك؟” ويضيف أن ذلك لا يعني تعريض انفسنا لنزلات البرد، إنما تعريض جسمنا بانتظام، ولعدة ساعات يوميًا، لبرد نسبي يقسر جسم الإنسان على تنظيم حرارته بنفسه. تمارين باردة ويستعرض ليشتنبيلد وزملاؤه التجارب التي أجروها بأنفسهم على البشر، كما يستشهدون بدراسة يابانية درست دور البرد في تقليل الوزن. وقد راقب العلماء بدقة نشاط الخلايا الدهنية السمراء، في أجسام مجموعة متطوعين من الناس، وهم يتعرضون في الشتاء لدرجات حرارة منخفضة نسبياً. وتوصلوا إلى أن الجميع تقريباً فقدوا من وزنهم، وكانت الخلايا السمراء أنشط بكثير في افتراس رفيقاتها البيضاء بغية الحفاظ على حرارة الجسم. المهم في هذه التجارب هو أن البرد نشط الخلايا السمراء ولم ينشط البيضاء، ولا يختلف العلم اليوم على وظيفة الأولى المتخصصة في حرق السعرات. وأدى البرد أيضاً إلى تقليص الأوعية الدموية في جسم الإنسان، ودفع ذلك نظام المناعة الجسدي إلى الحركة، فعمل بدوره على تنشيط الأنزيمات التي تحفز نشاط الخلايا السمراء.. كانت الدراسة اليابانية أكثر دقة من الهولندية في تشخيص دور التمارين الباردة، وهكذا يسمي اليابانيون طريقة الحمية بالبرد في تقليل الوزن. وقسم اليابانيون المتطوعين في مجموعتين، تم تعريض الأولى للبرد وهم يرتدون ملابس خفيفة، بينما عاش أفراد المجموعة الأخرى في غرف مدفأة جيدًا. وبعد 6 أسابيع من التعرض للبرد مرتين في اليوم، فقد المتطوعون ما بين 150 و180 كيلو سعرة يوميًا. وكانت نتائج الحمية أفضل خلال 10 أيام تم خلالها تعريض المتطوعين يوميًا، طوال 6 ساعات، إلى برودة بدرجة 15 مئوية، لكن ذلك بحاجة إلى دراسات أخرى، خشية أمراض البرد. الخلايا السمراء لا يزيد الوزن الكلي للخلايا الدهنية السمراء في جسم الإنسان البالغ عن 50 إلى 100 غرام، تتركز في الجزء الأعلى من جسم الإنسان، ومبثوثة بين النسبة الكبيرة المتبقية من الخلايا الدهنية البيضاء. ويقل عدد ووزن الخلايا السمراء مع تقدم الإنسان بالعمر، ولذلك فإن فرصة الإنسان في تحفيزها ضد السمنة تتركز في فترة الشباب وفترة منتصف العمر. وتتواجد الخلايا السمراء على طول العمود الفقري، وحول الأوعية الدموية الكبيرة في صدر وبطن الإنسان، وتحت عظم القص..وأيد الباحث الألماني تيم شولز مبادئ الحمية الباردة التي طرحها الهولنديون، لكنه دعا إلى المزيد من الدراسات والتجارب المختبرية قبل دعوة الناس إلى ممارستها. وقال شولز، المختص في أبحاث الخلايا الدهنية السمراء بالمعهد الألماني لأبحاث التغذية، إن الخلايا الدهينة السمراء خاملة عادة، لكن خفض دراجة حرارة الغرفة يحفزها فعلًا من دون أن ينشط البيضاء. من ناحيته، كتب ليشتنبيلد في بحثه: “إن حرب البشرية على البرد لن ينقذ العالم، لكن القليل من البرد سيحسن حياة البشر الصحية”.