السائل صادق الوجيه.. هل توجد آيات قرآنية لا يوجد تفسيرها في القرآن الكريم؟ أزعم أنّه لا؛ جميع آيات القرآن المجيد تجد تفسيرها في القرآن، ولكن أنت تسأل عن التأويل، وليس التفسير؟ لأنّه يقول: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (الفرقان:33)، لكن التأويل له عدة معاني، وأهمها التطبيق، ولذلك يقول الله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (الأعراف:53) فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم- أمر بتأويل القرآن الكريم؛ ماذا يعني؟ تطبيقه عمليّاً، حتى السنّة همها التطبيق، وعندي دراسة في موضوع السنّة، تعبت في المفهوم نفسه مَا حلّ لي الإشكال في هذا الموضوع إلّا القرآن الكريم؛ لأنّ القرآن المجيد لا يطلق كلمة سنّة إلّا على مَا اتخذ عادة، واستمر حتى صار عادة، وخلقاً، إذن القرآن المجيد اشتمل على السنّة بهذا المعنى، فلمّا ربي جل وعلا شأنه يقول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:2) هو يعلم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم- ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم- يعلمنا كيف نكون من الحامدين، من الساجدين، من الراكعين، فهو عليه الصلاة والسلام يحمد، وحمده هو تأويل وتطبيق للسنّة القرآنيّة التي منها سلوكاً، فأصبح حمداً بحيث يستحق مَا نسميه في أصول الفقه. حينما نأخذ المشتق نلاحظ الاشتقاق مَا زال قائماً، فعندما أقول: فلان حامد، راكع، ساجد مستمر على هذه الحالة، فرسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلّم _ من خلال سنّة الحمد التي سنّها القرآن المجيد له حول الحمد سلوكاً، وقدمه للتأسي، لنكون من الحامدين والساجدين وما إلى ذلك، هنا تحل مشكلة مَا، يأتي شخص ويقول لي: سيدنا رسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلّم_ نحمد الله مائة مرة، ومن حمد الله ألف مرة حدث له كذا، لماذا؟ لأنّه يخرج الحمد عن حال كونه لفظاً إلى كونه سلوكاً. أشكل على كثير قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56) ويقولون خصيصة له صلى الله عليه وآله وسلّم، وأنا عندما أقول أي نبي آخر أقول عليه السلام؛ لأنّ الصلاة خاصّة برسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلّم_ نتيجة الأمر الإلهيّ، تجد قبلها وفي نفس السورة ?هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ?(الأحزاب:34) إذن هذه صلاة من نوع مخصوص فيها صلاة لتخرج من الظلومات إلى النور، لماذا ربنا جل شأنه في «سورة الأحزاب» قال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب:56)، وقوله ?فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً?(النساء:65). إذن التسليم هنا لم يعد الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وإنّما لا تؤمن حق الإيمان حتى تحكمه وعليه الصلاة والسلام وتسلم تسليما تاماً كاملاً؛ لأنّه ماذا قال هناك؟ {|إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب:56)، لماذا تسليماً؟ ربنا قال {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (النساء:164) وهنا يستخدم صيغ مماثلة، وأستعرض القرآن المجيد فأجد قوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65) فأصبحت الصلاة والسلام على النبي سلوكاً وممارسة حياتيّة، وممارسة -هذا النموذج الذي عليك أن تتبعه في كل شيء- مَا عندك اعتراض ولا مخالفة، ولا تبدأ تتحايل، وهي خصوصيّة من خصوصيّاته صلى الله عليه وآله وسلّم، أو هي خاصّة بالمخاطب بها في عصره؛ لماذا؟ لأنك قيدتَ نفسك وتركت القرآن الكريم، وذهبت تخلق لنفسك أفكاراً، وآراءً، وأشياءً، وأدخلت نفسك في المتاهة.