سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القصة.. رقم في سماء الإبداع اليمني القاصون في اليمن بعضهم وصل إلى العالمية وآخرون لم يتجاوزا المحلية، لعدم وجود قنوات ولا مؤسسات ثقافية فاعلة تقوم بدعم ونشر أعمالهم الإبداعية
في 14 فبراير احتفلت الأوساط الثقافية باليوم العالمي للقصة، التي تعد البوح اللذيذ والإبداع الأكثر انتشاراً اليوم, كما يرى بعض النقاد, ممن قالوا بأن الزمن هو زمن الرواية.. والقصة هي ربيبتها وطفلتها المدللة, توجز وتختصر وتوصل, لغتها لطيفة لمّاحة, قد لا تخلو من شعرية آسرة تتغلغل بيسر في ذواتنا لتعطي نتائج أكبر من المتوقع.. وكما نرى في مشهدنا الثقافي القصة بدأت تسعى وبجد لتأخذ مكانتها مقارنة بالشعر, الذي مازال يحتل الصدارة بالنسبة للمهرجانات الثقافية والدراسات النقدية.. ريادة قبل حوالي قرن من الزمن بدأت حكايتنا مع القصة, التي لم تنته فصولها بعد بقاصين وروائيين كثر, إذ يمكن القول إن القصة القصيرة في اليمن قد ولدت كجزء من عملية التجديد الأدبي والفكري التي ظهرت بوادرها في الثلث الأول من قرننا، ولم تكن عملية التجديد محصورة في إطار انتزاع الشعر من ربقة الانحطاط.. وإنما تعدته إلى ولادة ألوان جديدة في الفن الأدبي منها الرواية والمسرحية والقصة القصيرة وكان لظهور الرواية والمسرحية المتقدم أثره على تكوين بعض الممهدات الفنية لنشوء القصة القصيرة فقبل ظهور (فتاة الجزيرة) إضطر الأدب –غير التقليدي- إلى الهجرة خارج اليمن بحثاً عن صفحات للنشر، كما ظهرت في المهاجر بوادر التأليف في الجديد من ألوان الأدب، كما في مسرحيات محمد علي نعمان القصيرة (حبيب الله فان والمبشرون) و (الشباب السكير أو الخمر أم الكبائر) التي نشرت في صحيفة العرب في سنغافورة عام 1932 والقصص المترجمة في ما سمي بصفحة العرب الروائية 1933 إضافة إلى ما نشر من قصص مترجمة أو مؤلفة في مجلة (النهضة الحضرمية) 1933 الصادرة في جاوة.. أقرب الفنون وبحسب الناقد هشام شمسان الذي قرر بأننا نحيا زمن القصة القصيرة، ومرادفاتها : الأقصوصة والأقصودة، والقُصاصة النصية، ولا مكان للقصة الطويلة، أو الرواية بين مجتمع هذا الجيل، وإذا ما حدث أن وجدنا قصة طويلة، أو رواية بين حين وآخر, فهذا من قبيل الشذوذ المتوقع خارج الدائرة القاعدية . ذلك أن “ القصة القصيرة أضحت، ومازالت أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر، لأنها انتقلت بمهمة القصة من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية بكل ما يحيط بها من أبعاد، وحوادث وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد، أو زاوية واحدة من زوايا الشخصية الإنسانية، أو موقف أو تصوير خلجة واحدة، أو نزعة واحدة من خلجات النفس، ونوازعها تصويراً خاطفاً يساير روح العصر.. طغيان الغربي عمران أحد أبرز كتاب القصة في اليمن حالياً قال عن القصة ويومها العالمي: في اليمن موطن الشعر.. تحاول القصة أن تجد لها مكاناً وحيزاً ولو صغيراً جوار هذا العملاق “الشعر” الذي يحتل وجداننا منذ الأزل, ولا أخفيك أنني كسارد أشعر بأني مواطن إبداعي من الدرجة الثالثة في وطني نتيجة لطغيان الشعر.. لكن علينا أن نحتفل بيوم القصة في نادي القصة وعبر صحافتنا.. فتاة قاروت وعن بدايات السرد في اليمن يقول الغربي: أول سارد في اليمن هو السقاف مهاجر من حضرموت إلى شرق آسيا, صاحب رواية فتاة قاروت الذي جاء على غلافها توصيفها بالقصة الطويلة, وقد طبعت في القاهرة في العقد الثالث من القرن الماضي.. نتاج قليل وعن القصة وما تشكله في اليمن قال عمران: إنها تأخذ مساحتها في وعي القارئ في اليمن.. ولنا عدد كبير من الكاتبات والكتاب من أضحت أسماؤهم تطوف الوطن العربي.. ولنا مشهد سردي يمني, وهناك إصدارات سردية من خارج وداخل اليمن وبشكل مطرد.. بمعنى أن السرد في اليمن كأفضل ما يكون, وقد يأتي ضمن السرد العربي لا يقل عنه شيئاً.. عدا في الكم, فهناك نتاج كبير ونحن نتاجنا قليل, لكنه من حيث الكيف فالسرد في اليمن وتقنياته عالية.. والغد يبشر بأسماء شابة كثيرة.. تجنيح من جهته القاص والأديب المبدع وليد دماج تحدث عن هذا اليوم بقوله: أعتقد أن تخصيص يوم للإبداع القصصي يدل على ما صار يمثله هذا الفن الإبداعي من مكانة وأهمية في المشهد الثقافي والإبداعي, فالفن القصصي تجنيح في الخيال وسبر لأعماق النفس وتشريح للواقع، لذا تزداد أهميته يوماً بعد يوم خصوصاً الفن الروائي، وأظن أن هناك تطوراً ملحوظاً في الفن القصصي والروائي في اليمن، وظهرت أقلام كثيرة ارتقت بهذا الفن حتى صار بالفعل يحتل مكانة لا بأس بها على المستوى العربي. أسماء وعن الأقلام اليمنية التي برزت في هذا الفن قال دماج: هناك الكثير من الأقلام ظهرت وتميزت لا يمكنني أن أحصرها الآن؛ خشية أن أنسى أحدهم, لكنني سأضع أمثلة فقط وليعذرني من لم أذكرهم فقط لقصور ذاكرتي أثناء الكتابة, وعموماً فهناك جيل الرواد الذي سأذكر منهم على سبيل المثال الأستاذ محمد على لقمان والأستاذ أحمد البراق والأستاذ صالح الدحان والمبدع الكبير محمد عبد الولي وزيد مطيع دماج وشفيعة زوقري ورمزية الإرياني وعبدالله باوزير ومحمد مثنى ومحمود صغيري وصالح باعامر وآخرين, ومن الجيل المتأخر هناك الكثيرون الذين نقلوا فن القصة والرواية اليمنية إلى آفاق أبعد, مثل نبيلة الزبير ومحمد الغربي عمران وعلي المقري وبشرى المقطري ونادية الكوكباني وهند هيثم ووجدي الأهدل وسمير عبدالفتاح وبسام شمس الدين وياسر عبدالباقي وسماء الصباحي وريا أحمد وأروى عثمان وخالد العبسي ولمياء الإرياني وانتصار السري وهمدان دماج ورامز مصطفى وطلال قاسم ومحمد عثمان ومحمد عبدالوكيل جازم وآخرين كثر في الطريق.. عراقيل وعن نتاجات القاصين وطباعتها وتداولها قال دماج إن هناك الكثير من المعوقات, فالكاتب الذي يحترف كتابة القصة أو الرواية يحتاج إلى كثير من الإمكانات المادية والمعنوية, التي لا يمكن لأكثرية الكتاب تحقيقها, كما أن إخراج الأعمال للنور, وأقصد بذلك إمكانية طباعة هذه الأعمال تعترضها الكثير من العراقيل, منها ضعف إمكانات الوزارة المختصة وقلة عدد دُور النشر. مرونة بدورها أحلام المقالح, وهي قاصة شابة بدأت التعامل مع تكنيكات هذا الفن ونجحت تقول عن القصة بأنها من أكثر الألوان الأدبية المرنة والقابلة للتطوير والتجديد، فهناك من النماذج القصصية الجديدة التي بدأت في التخلي عن تلك القواعد الصارمة, التي وضعها كتاب القصة القصيرة الأوائل. تجديد وعن المشهد في اليمن تقول المقالح بأنه يسير على نفس النهج فأكثر القاصين لديهم رغبة التجديد, إذ يتخلون عن أهم مقومات القصة أو القصة القصيرة، مما يمنح رؤية مغايرة واشتباهاً أن يكون النص نوعاً آخر من أنواع الأدب العربي .. إذ لا مانع كما تقول من التجديد وخوض تجربة كتابة القصة بحذر بحيث لا يفقدها أهم مقوماتها، فعندما نتحدث عن بناء القصة، فإننا نعني عناصرها الرئيسة الشخصية الحدث البيئة، وأما الحديث عن نسيج القصة فيعني: اللغة الوصف الحوار السرد، ومن هذه الأدوات يتكون النسيج العام للقصة وهي أدوات لا تستخدم استخداماً عشوائياً .. من الملاحظ أيضاً أن القصة القصيرة تنمو مع حياة المعاناة، لأنها تتخذ الومضة النفسية أو الحضارية للمجتمع والإنسان محوراً لها تعالجه وتهتم به.. وعن أبرز كتاب القصة في اليمن في نظر المقالح هما محمد عبدالولي, وزيد مطيع دماج.. رسالة القاص منيف الهلالي تحدث عن القصة بأنه لابد من الاحتفاء بها كونها رسالة سامية يقدمها القاص بفلسفته الخاصة, بهدف معالجة عديد من القضايا المجتمعية والسياسية الشائكة.. وبالنسبة للمشهد القصصي في اليمن فإن القصة شهدت تطورا ملحوظاً بعد تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو عام 90 حيث ظهر عدد كبير من كتاب القصة من الجنسين والذين ينتمون إلى تيارات تقليدية وحداثية وتجريبية مختلفة.. غير أن حضورهم لم يتجاوز المحلية، نتيجة لعدم وجود قنوات ولا مؤسسات ثقافية فاعلة تقوم بنشر أعمالهم القصصية.. معاناة وعن معاناة المبدعين ومنهم القاصون يقول الهلالي: إن القاص اليمني لا يجد من يساعده لإيصال أعماله الأدبية إلى الداخل قبل أن يحلم بوصولها إلى الخارج، بل أنه إن تمكن من جمع بعض المال بعد بيع شيء من ممتلكاته أو ممتلكات أحد أقربائه لطبع مجموعته القصصية فإنه يقوم بتوزيعها مجاناً بين أصدقائه ومعارفه ويبقى حبيساً لهذا الواقع المؤلم. وفي المقابل هناك أسماء لها حضور عربي لا بأس به كوجدي الأهدل وهدى العطاس والغربي عمران ونادية الكوكباني وسمير عبد الفتاح ونبيلة الزبير, لكنها تظل أسماء تعد بأصابع اليد.. بصراحة الدولة لا تمتلك سياسة ثقافية البتة وليس لها استراتيجية لتنمية الثقافة مطلقاً.. وما يحدث من فعاليات ومهرجانات آنية هي احتفالات شكلية لا علاقة لها بالثقافة وإنما هي نوع من المغالطات التي دأبوا عليها.. بل إنني أرى أن هناك تكريسا للتجهيل بدليل موازنة العام الحالي إذا ما نظرنا إلى ميزانية وزارة الثقافة مقارنة بميزانية شئون القبائل.