لمياء الإرياني قاصة وروائية أصدرت مجموعتين قصصيتين ورواية جميلة حصلت بها على جائزة الدكتور عبد العزيز المقالح لعام 2011م ورغم انشغالها بالعمل المجتمعي وانشغالاتها الخاصة تواصلنا معها عبر الإنترنت وناقشنا معها العديد من القضايا الثقافية والإبداعية، وعن دور الأنثى المبدعة ومعاناتها في ضل مجتمع ذكوري يترصد لها ويرصد حتى أنفاسها. وإليكم نص الحوار الشيق واللطيف كروحها .. عفوية وبسيطة .. من هي لمياء الإرياني الإنسانة ؟ لمياء الإرياني أم لثلاث بنات وولد. عفوية. بسيطة. محبة للناس وخاصة الأطفال. للمشاعر ركن هام في حياتي لكنني لا ادعها تتغلب على العقل أبداً. أحب الحياة وتجاربها التي أتعلم منها ولا أدعها تهزمني. أصعب أنواع الأدب .. لماذا الكتابة، ولماذا القصة والرواية بالذات؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال لكن بشكل عام الكتابة متنفس فكري تهطل حروفها ربما بدون حتى غيم أو رعد .الكتابة بوح وإظهار لمكنون النفس والرواية أصعب أنواع الأدب وبواسطتها تشارك في تحسين العالم وفي ترحيل العادات والقيم والجمال للأجيال القادمة فالرواية شديدة الثراء تتفاعل بمكنونات النفس من خلال سرد لديه مساحات واسعة وعالم فسيح للتعبير وخلق شخصيات يتحكم الكاتب بأقدارها. رسالة وفن .. هل كل قاص هو روائي بطبعه أم أن للروائي سماتهُ الخاصة به؟ ليس بالضرورة أن كل قاص روائي بطبعه, فالرواية نتاج قلق بفكرة وشخوص تسيطر على الذهن قبل تجسيدها حياة في متن الرواية.. الرواية تحمل في طياتها رسالة ما وقد تعيد صياغة الواقع بفلسفة جديدة.. فهي مناورات بالحروف والكلمات. والرواية هي فن إحلال العالم الداخلي للكاتب إلى العالم الخارجي للقارئ عبر سطور. تخطت المحظور .. هل استطاعت المبدعة اليمنية البوح بكل ما تريده في ظل هذا المجتمع الذكوري المتسيد الذي يراقب حتى أنفاسها؟ الكاتبة اليمنية مبدعة برغم قصر تجربتها.. ورغم صعوبة تخطيها لحواجز التابو التي فرضها مجتمعنا التقليدي إلا أنها تمكنت من الانتقال بكتاباتها إلى حيث يتقاطع الماضي والمستقبل، الممنوع والممكن.. إلى حيث توجد سيرورة عميقة للمفاهيم والقيم المتحررة من خرافة الأدب النسوي المقيد بالتابو والمحظور.. هكذا فقط لأنها امرأة!. تشابه وتماثل .. يقال أن النفس الروائي للمبدعات اليمنيات متقارب إلى ماذا يعود ذلك؟ وإن كنت لا أتفق معك في ذلك لكن مجازاً ربما لتشابه وتماثل التجارب التي تمر بها اليمنيات وتقارب البيئة المحيطة والفرص المتاحة لهن في التعبير والسرد والبوح . هواية ذات درجة عالية .. لديك مجموعتين قصصيتين ورواية حدثينا عن هذه الأعمال وهل كان حصولك ع جائزة المقالح إنجازاً بالنسبة لك ؟ الأدب وكتابة الرواية ليست بالنسبة لي احترافاً وإنما هي هواية ذات درجة عالية من التأثير على تفاصيل وقتي واهتماماتي.. تتربع قائمة الأجمل في حياتي.. فأنا أجد نفسي أتسكع كثيراً بين أروقة المحاولات الشعرية متخفية بالنثر تارة وبالشعر الحر تارة أخرى.. تنتابني أعاصير الكتابة في أشد اللحظات ألماً وفي أكثرها على الإطلاق فرحا وسعادة.. أراقص الحرف في ليال كثر لأرسم مكنونات شديدة العمق في خوضها دهاليز نفسي وأفكاري. بدأت محاولاتي الكتابية شعرية وقصصية.. واحتفظت بها في دفتر خاص أزرق اللون، ومن ثم.. بدأت أنشر بعض تلك المحاولات الخجولة في الصحف والمجلات الخاصة بالدول التي تشردت فيها كثيراً بحكم عمل أبي في السلك الدبلوماسي ، ذاك التشرد الذي كان السبب المباشر ربما للكتابة عندي، فقد كان حنيني للوطن يأتيني كل يوم يخترق زحامي وسط الحروف والكلمات، يقذفني طفلة شاردة في موسم الهجرة إلى أرض الوطن.. الهجرة التي تمارس يومياً في ذاكرة كل غائب.. وتنزف كتابات شوق وحنين للوطن والأهل والأصدقاء.. تلك المشاعر التي غالباً ما كان يتم التعبير عنها بالشعر أو القصة أو غيرها من ألوان قوس قزح الأدب وفن الكتابة.. بالنسبة للرواية.. فقد كنت أدرك أن الرواية هي الفن الأحدث والأصعب ربما في مد جسور التواصل الإنساني مع الآخرين عبر اللغة الإنسانية الجميلة والغنية، كتابة الرواية بالنسبة لي كانت نوعاً من المغامرة التي شعرت أني بحاجة إلى خوضها في تجربتي الأدبية القصيرة وغير الاحترافية كنوع من التحدي للذات وكنتاج لإلحاح داخلي يفرض نفسه، مغامرة الخوض في حقل جديد كان دائماً يخيفني ويلوح لي براية خطر الاقتراب، خاصة في ظل وجود أقلام يمنية رائعة ومبدعة ومدهشة فعلاً.. ولكن لكتابة الرواية لذة استثنائية تغريك بالاقتراب، فهي مليئة بالعاطفة ومعارك مواجهة الكلمات، والخوض في تفاصيل وعوالم حياة قد لا تكون لك بها أي صلة أو تشابه في رحلة هي الأجمل في تاريخ محاولة الكتابة بالنسبة لي.. وهي إعادة أنسنة الأفكار والقيم والجمال، وبث الروح فيها لبرهة من الزمن هي فترة قراءتنا للرواية. كانت روايتي (امرأة ولكن ..) هي تجربتي الأولى، وقد حصدت جائزة الدكتور عبد العزيز المقالح للرواية في العام 2011م، وسط زوبعة من دهشتي وفرحتي وحماستي واعتزازي.. كانت هي الزوبعة الأجمل والأروع بالنسبة لي وخاصة أنني لم أفكر مجرد التفكير في الجائزة. لا يوجد اهتمام بالمبدعات .. هل ترين أن المبدعة اليمنية مظلومة ؟ بدون شك! فالمبدعة اليمنية لا تجد الاهتمام من الجهات المعنية؛ لا من اتحاد الأدباء والكتاب ولا من وزارة الثقافة أو المؤسسات ذات الصلة.. على سبيل المثال أنا أول من حصل على جائزة الدكتور المقالح عن الرواية ولا أذكر أن وزارة الثقافة أو اتحاد الأدباء أهتم بالأمر أو تواصل معي؛ بل على العكس، ولا أخفيك أنني حاولت الانضمام لاتحاد الأدباء دون فائدة !! ولعلها مناسبة هنا للقول بأن هذه شكوى كثير من الكاتبات. حذرة جداً .. كيف تتعامل المبدعة اليمنية مع تابو الدين والسياسة والجنس؟ بدون شك أن المبدعة اليمنية حذرة جداً فيما يخص تابو الدين والجنس وذلك لسببين أولاً العادات والتقاليد, ثانياً حداثة تجربتها الإبداعية, لكنها مستفيضة فيما يخص تناول القضايا السياسية التي تجدها تطرقها بحرية وعن وعي وتحليل دقيقين. سرد جميل .. في الف ليلة وليلة استطاعت شهرزاد الحفاظ على حياتها بالحكي وقول القصص فهل استطاعت المبدعة اليمنية عمل نفس الشيء؟ نعم استطاعت المبدعة اليمنية أن تحتفظ بتجربتها الأدبية وتطويرها من خلال السرد الجميل وتناول قضايا المجتمع المختلفة. حافز خاص .. كونك من بيت الإرياني هل هذا يمثل لك قيداً أم حافزاً؟ بالتأكيد أن ذلك مثل لي حافز اخاصة بعد أن قال الدكتور المقالح في تقديم مجموعتي الثانية (ربما سهوت منذُ البداية عن الإشارة إلى أن الشاعرة لمياء الإرياني تنتمي إلى أسرة من الشعراء الذين تركوا بصماتهم الأولى على جدارية هذا الفن الجميل، وأنها لم تنطلق من فراغ، وإذا كان أسلوبها قد أختلف عن أساليب الآباء والأجداد فإن تلك هي سنة الحياة وقاعدة التطور. ولو كان الآباء والأجداد قد عاشوا حياتنا وتعرضوا لما تتعرض له الأجيال الجديدة من تغيير في الوعي والحالة النفسية لما كانت قصائدهم إلاّ تعبيراً عن هذه المرحلة.. القيم هي الخالدة وشبه المقدسة أما وسائل التعبير عن النفس فتأخذ طابع زمنها وإلاّ تحولت في مسلكها المغاير إلى أشكال من المومياء)...