تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    شركات الطيران العالمية تلغي رحلاتها إلى كيان العدو بعد تحذيرات اليمن    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    إصابة 15مواطنا جراء العدوان على صنعاء    فشل المنظومات الاعتراضية الأمريكية والإسرائيلية وهروب ثلاثة ملايين صهيوني إلى الملاجئ    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    قدسية نصوص الشريعة    رسائل اليمن تتجاوز البحر    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    في ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين: "الشعار سلاح وموقف"    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    دوي انفجارات في صنعاء بالتزامن مع تحليق للطيران    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية في المجموعة القصصية «طاهش الحوبان»
نشر في الجمهورية يوم 08 - 03 - 2014

صدرت الطبعة الأولى من المجموعة القصصيية «طاهش الحوبان» للقاص زيد مطيع دماج عام 1973م ،والطبعة الثالثة التي نحن بصدد قراءتها عام 1980م ،عن دار العودة – بيروت ودار الكلمة صنعاء، وقد قدّمها الدكتورعبد العزيز المقالح بمقدمة أشارفيها إلى أن الخط العام لأعمال زيد مطيع دماج لا يخرج عن «ثورية برؤيتها الناقدة لأعماق الواقع ،وهي أيضاً رافضة لهذا الواقع الذي يجعل أبطالها ضحايا ومعذبين ،ينهشهم الجوع والرعب ،حتى أبناء المشايخ والنقباء تبرزهم هذه الأعمال في حالة عذاب وثورة ،عذاب من الواقع وثورة للخروج من جلودهم بعيداً عن الآباء والعائلات» ص8.
ليل الجبل:
في هذا النص نجد تصميم الأب وإرادته التي قهرت اللبوءة بكل وحشيتها وغدرها ،لقد صعد الأب «الحاج صالح» درجات «المرحل» المعبّدة بالحجارة بخطى ثابتة وبيد تحمل ذلك الحسام ،ترتعش ليس من الخوف ولكن من الحمية والنشوة بالانتقام ،تسلّق الحاج صالح العجوز «المرحل» الملتوي ثأراً من اللبوءة التي افترست ابنه ,إذا كانت المرأة في قصة «الغول» لمحمد عبد الولي قد اجتمعت لديها الإرادة والشجاعة والقوة لمواجهة الغول وقتله لتنزع من قلبه حياة لصغيرها ،فإن الحاج صالح قد واجه «اللبوءة» ثأراً لقتلها ابنه الشاب «اقترب منها الحاج صالح» واستل سيفه من نحرها فلم تبد حراكاً ...ثم اتجه صوب الصخرة فوثب عليها وسيفه بيده، ومن فمه تعلو أنشودة حزينة يرثي بها إنه .... وبدأ الناس بعد ذلك يصعدون الجبل ليلاً»ص23.
كلٌّ من الحاج صالح والأم واجها الخوف وانتصرا عليه ،لتبدأ بعد ذلك حياة الناس صعوداً للجبل وتحرياً من اللبوءة وسلطة الغول الأسطورية...
العسكري ذبح الدجاجة:
نص يعكس الواقع البائس لما يمثله العسكري كأداة للاستغلال ضد الرعية ،فالفلاح لا يملك في بيته سوى دجاجة وبقرة، ومع ذلك تتحالف أدوات القهر والاستغلال ضده من عدل القرية والعسكري وعامل الناحية. ليس مهماً ماهي قضية الشجار والخلاف بين الرعوي والشاكي «سعيد النجار» فالرعوي موضوع للاستغلال ،والعامل والعسكري والعدل هم قوى الاستغلال المباشرة التي تعتاش على عرق الرعوي.. يصور زيد مطيع دمّاج في هذه القصة شراهة العسكري وهو يطارد الدجاجة لأكلها، وشراهة عدل القرية واستغلاله وهو يضاعف القرض على الرعوي مستغلاً حاجته لأجرة العسكري!ويصعق الرعوي من موضوع الشكوى «لماذا أنفذ عليك «سعيد النجار» هذا العسكري.. ودهش الرعوي لسؤال جاره فهو إلى الآن لم يعرف السبب ،فما كان منه إلاّ أن صاح بالعسكري قائلاً: لماذا أنفذ عليّ غريمي من عند العامل ياعسكري.. وأجابه صوت العسكري ومازال قريباً منهم: لأن دجاجتك نقرت عين ابنه.. وصعق الرعوي لسماعه ذلك بينما كان القرويون في حالة تعجب.. وارتبك الرعوي وهو لا يدري هل يضحك أم يبكي لذلك ،فقال مرة ثانية مخاطباً العسكري: ولكنها لم تنقره .. - المهم أنها نقرته يارعوي - ولكن ابنه أمامك ليس به شيء ،وهو الذي ذهب يدعو العدل لوداعك - المهم أنها نقرته يا رعوي - ولكن هذا ظلم.. إياك أن تتأخر في الحضور صباحاً ،وإلاّ عدت لك مرة أخرى ...»ص35.
طاهش الحوبان :
يستقي القاص هذا النص من واقعة حقيقية بطلها الشهيد «عبد الله بن حسن أبو راس» أحد شهداء قبيلة «ذو محمد» وبطل القصة في النص هو النقيب عبد الله بن صالح ،الذي فرّ إلى عدن،ثم عاد إلى داره بعد عام قضاه في عدن، هارباً من الإمام يحيى ..وكان قد عاد إثر عفو عام صدر من الإمام عن مجموعة من الأحرار اليمنيين في عدن»ص36.
استدعاه ولي العهد للوصول إلى تعز «وحاول ولي العهد أن يتخلّص منه فأرسل إليه رسولاً يطلب منه الحضور دون إبطاء ،وقد تعمد ولي العهد أن لا يكون الرسول من أحد أفراد حرسه لكي لا يفطن النقيب لذلك..» ومع ذلك لا نجد منطقاً تاريخياً يسوغ رغبة ولي العهد للتخلص من النقيب عبد الله بن صالح ،ويبدو أن ساحة المعركة في قاع الحوبان كانت الوسيلة والمنطق السردي للتخلص من النقيب، لأن وادي الحوبان فيه وحش كاسر«طاهش الحوبان» فحين أجفلت الفرس ،وعلا صهيلها ،وتسلق التابع شجرة ليحتمي بها من الخوف ،بدأت المعركة بين الطاهش والنقيب،بسرد بصري متصاعد ،انتصر فيه النقيب على الطاهش بعد أفرغ رصاصة في نحر الطاهش» وعبأ بندقيته برصاصة أخرى وأطلقها فاخترقت رأس الوحش ،الذي أخذ يتلوى من الألم ولكنه انقض من جديد قاصداً مهاجمة«النقيب» الذي لم تطاوعه في الانطلاق»ص40.
ومرةثالثة يعبئ بندقيته دون جدوى «بينما الوحش قد اقترب وجهاً لوجه ،وفتح ذراعيه ليطبق على «النقيب» الذي أدخل ماسورة البندقية في فمه المفتوح واستل خنجره وأغمده في جوف الطاهش عدة مرات»ص40.
الصراع بين الوحش وبين النقيب صالح يحيل إلى صراع الإرادات بين ولي العهد أحمد والنقيب، وقد انتصر السارد للنقيب، من خلال مشهد متحرك للمعركة التي دارت بين «الطاهش» والنقيب ،ليستل النقيب في الأخير صوت الوحش «لسانه» كرمز للغة وخطاب الخصم وسلطته،فوفاة الطاهش تتحقق بانتزاع لسانه تتويجاً لبطولة النقيب.
العائد من البحر:
هي قصة ترسم صورة للصراع بين ما هو كائن من سيطرة الشيخ «صالح » ولفيف من «خبرته» وعسكره وبين العائد من البحر «علي بن علي» ابن الرعوي ،الذي اكتسب مالاً من غربته ،وعاد إلى قريته ليشتري أرضاً ويبتني بيتاً ،كمواطن يحتكم للقانون وليس للشيخ ،لقد تعرف علي بن علي على ثقافة أمم عديدة تحترم الإنسان كمواطن ،ثم عاد إلى قريته التي يتعامل فيها الشيخ مع كل ما فيها من بشر و أرض وحيوانات على أنها ملكه، بل هي ملكه يبتاع فيها ويشتري كما يشاء، علي بن علي في نظر الشيخ رعوي بن رعوي ،هو وأبوه من أملاكه«لقد عاد من البحر ومعه المال الكثير ،يلبس الأبيض والأزرق ،ولديه بندقية «زكي كرام» وجنبية مذهبة وحذاء من «عدن» ويشرب الماء البارد في ثلاجة صغيرة أينما ذهب ليقيل علي بن علي بهذه الصفات يمثل تهديداً لما يمثله الشيخ من سيطرة واستبداد ،يشتري الأرض ويعمل على بناء بيت كبير وحديث، كل ذلك دون أن يأخذ الإذن من الشيخ ويقبّل ركبته أو يلعق ركبته حسب تعبير السارد ،وفي لفظ يلعق ،من المهانة مالا يتوفر في مفردة يقبل ...من هنا بدأ الشيخ وخبرته ووكيله «محمد عبد الجبار» في حبك مؤامرتهم ضد علي بن علي ،ويبدأ الصراع في تفاصيل حبكته يتكتل ضد علي بن علي ،فمحمد حسن الذي باع له أرضاً أصبح بسبب خوفه من الشيخ مدعياً عليه ،وحمادي الحاج الذي سيصاهره ،وصديقه الذي كان يعمل في عدن ميكانيكي سيارات ،وأصبح يعمل في طاحونة الشيخ ،وعمال القرية وفلاحوها كلهم أصبحوا ضد علي علي ،بل إن هيكل جدران البيت وأساساته تم تخريبه وحرث الأرض التي عليها وبذرها ،أنكروا عليه ملكية الأرض والبيت والانتماء للقرية،ووصفوه بالغريب الذي لا ينتمي لهم ،هذه الحلقة من الطغيان والاستبداد التي التفت على رقبة علي بن علي وجعلته في ذروة القصة يوجه بندقيته لوجه الشيخ رغم وجود حاكم المقام وجاهزية عساكره الذين حاصروه،لكن خاتمة النص كانت تعبيراً عن الإرادة الحرة ،القادرة على إسقاط رأس الاستبداد «الشيخ صالح» قتيلاً.هو صراع بين ما ينبغي لأن يكون من مساواة وحق التملك للمنزل والأرض ،وأن يختصم الناس لأجهزة القضاء والمحاكم العادلة ،والخالية من الفساد ،لا التي تحمي الفساد ولا للتحاكم إلى استبداد الشيخ وخبرته ،صراع لتحقيق الذات الحرة، الرافضة للخنوع و«لعق» الركب.
مقطع من النص أمام حاكم المقام:
«يا مولاي –لقد جاء محمد حسن إلى الشيخ «مصلح» يشكو إليه شخصاً يدعى علي بن علي قد بسط على أرضه دون حق شرعي ،فلما حاول الشيخ معرفة الحقيقة استدعى المدعو علي بن علي فلم يحضر بل أشهر سلاحه على رسول الشيخ ،وبعد ذلك صرف محمد حسن لحاله ،ونصحه باللجوء إلى مقامك الشريف. - ولكن ما هي دعواك على «علي بن علي»...؟ - هذه دعواي يا مولاي ..فقد بسط على أرض موكلي دون حق شرعي ..ما ردك على قوله يا علي بن علي ..؟، يا سيدي الحاكم لقد اشتريت أرضاً من «محمد حسن» ولديّ ورقة الشراء وهو يعرف ذلك وليس غريمي..،ومن غريمك..؟ الشيخ غريمي.. يا سيدي الحاكم ..»ص67.
وينكر فقيه القرية أنه كتب ورقة الشراء ،ولايبقى لداره أثر ،بل أصبحت أرضاً محروثة وقد نبت فيها الزرع، وأنكر الرعية معرفتهم به قائلين«لا نعرف علي بن علي ولا يملك هنا داراً ..»ص71.
وصديقه محسن خرج من بين الصفوف مهرولاً نحو الطاحون متنكراً لصداقته خوفاً من الشيخ صالح «وألقى علي بن علي نظرة على دار حمادي الحاج فوجدها هامدة لا حياة لها ،وسمع صوت الطاحون يدوّي محدثاً الصوت المتقطع ،واقترب من الحاكم وبندقيته متدلية إلى الأمام بيده تترنح ،وأشار الحاكم نحو عساكره، فتحركوا نحو علي بن علي ليطوقوه.. ولما اقتربوا منه دوّت طلقة نارية سقط على إثرها الشيخ مضرجاً بدمه ..»ص71.
الرمال العابرة:
نص يصور الجوع الذي ينهش أبناء تهامة ،بطل القصة بلا اسم،مما يعطي دلالة تعميمية وشمولية للجوع، كان قرص الروتي هو الهدف اليومي له،وخصومه هم الجياع الذين يقذفونه بالحجارة كي لا يحظى بقرص الروتي» كان ذلك أول درس تعلم منه البعد عن الناس ،وأخذ مكاناً لائقاً بالخطف السريع للقرص والفرار به قبل أن يتمكن أحد الجياع من اللحاق به وقذفه ...»ص 73
الجياع في هذا النص لا أسماء لهم ولا مكان سوى أنهم عابرون كالرمال المتحركة، يذكرون بصفات فتاة وعجوز عمياء وشرذمة الأطفال العراة ،وهو بطل القصة بلا تعريف سوى «فمه المفتوح وعظامه تكاد تبرز من جلده» وتنتهي القصة بمشهد الجوع الذي يقتل بعضه «وحاصرته الشرذمة بينما تحرك «الباص» ورمى الرجل بقرص من «الروتي » الأبيض ،ولشدة ارتباكه حسبه حجراً مقذوفاً، لكن رائحته أعادت له الأمل ،فخطفه بفمه بينما اشتد عليه الحصار ولم يعد أمامه منفذ للعبور سوى من تحت «الباص» فمرق لكن «الباص» كان قد تحرك.. وما هي إلاّ ثانية حتى كان جثة ممدودة ،ملطخة بالدماء ،واختلط الدم بالقرص، وبجثته الممزقة.. وعبرت الرمال مسرعة من فوق جثته نحو جبال الهضبة الخضراء...»ص75.
عمر النسور:
في نص عمر النسور نجد فقيه القرية يستغل عمال وفلاحي القرية مقابل تهريبهم للعمل في الحجاز، رغم ما يقاسيه العمال اليمنيون من بؤس في الحجاز ، كان الفقيه بعد أن أصبح عدل القرية «يدفع الأجرة للعساكر مقدماً عن الرعية ،ليأخذها عند الحصاد» وقد رسم للقرويين خطة كان يعتبرها حكمة خالدة ،وهي «إن من لم يسلّم أجرة العسكري تتضاعف عليه العساكر عدة مرات ومعنى ذلك تضاعف الأجرة.. ومن لم يخضع للشيخ من أول مرة ولا يستمع ويقبل الصلح لا بد أن يغرمه الشيخ أدباً باهظاً»ص82.
الناس بالنسبة للفقيه الذي صار عدلاً للقرية ليسوا أكثر من استثمار لجهلهم وخوفهم وحاجتهم ،لهذا فهو يجيد مضاعفة أمواله من أموال البسطاء.
بياع من برط: في هذا النص نجد العادات والتقاليد القبلية وهي تزدري التجارة في السوق ،وترفض دخول وسائل الحداثة كالطريق المزفلت ،والمدارس... الخ.. فالبياعون والجزارون والحلاقون درجات اجتماعية باهتة ودونية ،فالقبيلي يعتمد على حسبه ونسبه، وليس على كسبه الشخصي ،ومع معالم الحضارة الزاحفة على «جبل برط» من عجلات نارية.. وسيارة لوري.. وبعض «بومبات » وحراثات.. أصبحت معاصم الرجال تزين بأفخر الساعات السويسرية الغالية الثمن ...أجهزة الراديو الترانسستور معلقة على فروع شجر العلب وفي الحوانيت وأصبحت التجارة واسعة الحركة.. وأهم حدث حضاري لديهم هو وجود ثلاثة مطارات لنزول الطائرة ومع كونها بدائية إلاّ أن الطائرة «الداكوتا» الصغيرة تثير الزوابع الرملية في كل أسبوع مرتين ...»ص86.
ومع دخول الوسائل التقنية للحضارة بدأت القيم القبلية بالمواجهة مع القيم الحديثة ،وبدأ «ابن ثوابة» يفكر في العمل بالتجارة ،ففتح حانوتاً في سوق «العنان» فتبرأ منه أبوه وقبيلته، واعتبروا ذلك انحرافاً عن العادات والتقاليد ،لكن الماساة أن العادات والتقاليد تتعامل مع الفرد على أنه جزء من الكل القبيلي ،عليه ما عليها من ثأر وغرم ،لهذا فقد اختارت «المهامشة» قتل محمد «ابن ثوابة» ثأراً لقتيلهم الذي قتله آل ثوابة «دخل (العنان)ثلاثة من البدو مدججين بالسلاح يتلفتون حولهم بحذر شديد، وهم يمرون من أمام حانوت صديق «بن ثوابة» عرفهم فاصفر لون وجهه. نهض وبعجلة شديدة وهو يتمتم بألم مكبوت .وفيما هو يسرع الخطى سمع ثلاث طلقات نارية مكتومة متتالية، صياح قتيل لفظ أنفاسه الأخيرة .وقف واجماً وقد فاضت عيناه بالدمع ...أسرع يجري نحو حانوت صديقه فوجده مرمياً أمام حانوته، مضرجاً بدمه وعيناه إلى حانوته كأنما انبهرت بذلك الوهج الرائع لمختلف أنواع الأقمشة والبضائع»ص99.
الذماري:
نص يصف حالة الجهل الاجتماعي ،وفسادالعمال ، الذماري يجيد عدة لغات أجنبية ،ويلبس على طريقة الأفندية ،أتى إلى صنعاء طامحاً بأن يعمل مترجماً مع طبيب إيطالي ،وفي «سمسرة وردة» تعرف على المقهوية ،وتعرف منها ومن غيرها على كراهية الناس للدستوريين ،وفهمهم الخاطئ لمعنى الدستور والشورى.. كان يناديها باسم وردة ،متوهماً أن اسم السمسمرة مضاف إلى اسمها «سمسرة وردة» عاش مع المقهوية في السمسرة أياماً ممتعة «فضحكت ،ومال نحوها فتحركت وطوقته بيدها فقبّلها في فمها ،لكنها قبّلته على خديه ،فلم يمهلها فقبّلها مرة أخرى في شفتها دون أن يترك لها فرصة في التملص وكانت الرغبة لديها فاحتضنته وقد تمايلت نحو الأرض ،فأبعد من على رأسها «العصاب» وذابا مع الرغبة...»ص109.
يقع الذماري ضحية نصب من قبل عسكري في السوق طلب منه شراء هدية لتقديمها للعامل ،حتى يتسنى له الحصول على عمل .أخذه العسكري إلى سوق الأقمشة وأخذ «طاقتين» قماش حريري«ممتاز» وبعض «دساميل» هندية مزركشة ،وكان المبلغ غالياً ،فقال العسكري فجأة: سأذهب بكل هذا إلى مولانا «العامل» فإذا ناسبه سندفع لك الثمن”113ص.
لكن الذماري تفاجأ اليوم الثاني بالتاجر وهو يبحث عنه وبصحبته عسكري ،واقتادوه إلى العامل ،وهناك ساومه كاتب العامل على أن يدفع رشوة له مقابل تخليصه من هذه الورطة ،وحين رفض الذماري دفع الرشوة ،حرض الكاتب المقرب من المقام ،العامل كي يرسله إلى سجن “الرادع”بحجة أن ملابسه الغريبة تدل على انه من الدستوريين ،وفي السجن التقى الذماري بشيخ شارك في حركة 1948م،ونشأت صداقة بينهم ،وقد سعى بما يدفعه من قات ومال لمدير السجن ،كي يراجع حول قضية الذماري ،وحين جاء أمر إطلاق الذماري ،على الخروج من السجن ،ومغادرة صنعاء ،وعدم الاتجار بالحبوب ففهم الشيخ أن أمر الإطلاق مقصود به شخص آخر ليس موجوداً في السجن ،أو أنهم لفقوا للذماري تهمة غير حقيقية كي يسوغوا سجنه ،وسعى الشيخ لتقديم الضمانة عن الذماري .وقبل الخروج من السجن يسأل الذماري الشيخ «أصحيح ما قلته مساء البارحة عن وردة»؟ وضحك الشيخ مودعاً قائلاً: كل ما قلت صحيح .. وإذا أحببت التأكد فاسأل العساكر المرافقين لك.. والتفت نحو العساكر المرافقين له فنهروه بسرعة العزم فأذعن»131ص. لقد كان حواره مع الشيخ مساء البارحة عن وردة ،واستعداده أن يرشي العسكري كي يسمح له برؤية وردة» لقد رفضت أن ترشي العامل وكاتبه من قبل كان ذلك موقفاً آخر..
والآن .. في سبيل الحب.. ثم ما الضرر من بقائي..
لم تخبرني من قبل عن حبك هذا فمن هي
«ودرة» المقهوية صاحبة “السمسرة”
لقد ماتت منذ زمن بعيد.
وقال مذهولاً:
ليس معقولاً،
لماذا ؟
عشت معها أسعد لحظات عمري قبل دخول السجن.
ربما تقصد «المقهوية»،
نعم
وضحك الشيخ قائلاً «وردة» هو اسم «السمسرة»
منذ القدم وهي ما اسمها
من هي؟
أعني المقهوية،
لا اعرف إلاّ انها “المقهوية”فقط .
ونام ليلته على ضحكات صديقه”130-131ص.
لا يوجد مبرر سردي يجعل الذماري ينسى المقهوية لمجرد أن اسمها ليس وردة ، لقد كان حضور وردة داخل النص ،هو العنصر السردي الرئيسي ،وكان النص في بؤرته الرئيسية هو “وردة” التي بدأ معها لحظات الحياة وتلاشى بتلاشي الاسم “وردة”بعد أن اصبح علماً على السمسرة، وليس على المقهوية .كان لديه أمل بالوظيفة ، وبالعيش مع وردة ،فتلاشى الأملان ليتم إخراجه من السجن من قبل العامل الجديد شرط الخروج من صنعاء .وكأن قصة الذماري معادلاً موضوعياً لحركة 48م حين قامت في وسط شعبي يرى الدستور والشورى زواجاً غير شرعي ،والقائمين به ملحدين،قامت وسقطت دون أن يعرف الشعب حقيقتها..
عقدة:
هو أقدم نصوص المجموعة ،فقد أرخها القاص بعام 1961م ،أي حين كان في بني سويف يدرس في الصف الأول الثانوي ،فقبل الثورة كان أبناء القضاة والمشايخ وهم الطبقة التالية في الترتيب بعد الطبقة الحاكمة ،يدرسون في بني سويف ويسكنون في عمارة واحدة ،وأبناء الطبقة الحاكمة يدرسون في حلوان ،وأبناء الفلاحين والعمال يدرسون في طنطا،وبعد الثورة انتقل أبناء الطبقة الحاكمة إلى السعودية ،ومن كان يدرس في بني سويف نقلتهم الجمهورية العربية اليمنية إلى طنطا ،في خطوة لإزالة الفوارق بين الطبقات قصةعقدة ذات منحى نفسي ، فهي ليست محملة بالدلالات السياسية والاجتماعية كبقية نصوص المجموعة. تتمحور عقد شخصية القصة بعدم التفات الفتيات وتجاهلنها له «وصلت «القاهرة» واختلطت بالشباب والكهول من زبائن الشارع الدائمين .. أحسست بأني لست ذلك الشاب ...شاب المدينة الريفية .. الوسيم ،المطارد من الفتيات ...»132ص.
تتالت المواقف المعبرة عن جرح كبريائه «مللت البقاء كثيراً في عاصمة العقد فصممت العودة إلى مدينتي التي تكفلني فيها بالراحة وإعادة الثقة بالنفس ،بعد تكبدالعقد النفسية «الوسيمية»133ص.
تستمر العقدة في التكرار في مواقف عديدة آخرها «عن تلك الفتاة ،ابتسامات ناعمة ومشجعة أيضاً، وقد اتجهت بوجهها كله نحوي ،حتى خجلت ..كدت أطير فرحاً لأنها أعادت إليّ ثقتي المفقودة ،وقلت لنفسي: ربما يكون تصرفي اللائق وكلامي المؤدب وشكلي أيضاً قد جذبها. وبدأت تراودني أفكار مقدامة جريئة ...ولكن ما إن قمنا ودفع الحساب بعد معارضتي الشديدة طبعاً، حتى كانت زميلته تشرح له أسباب ضحكاتها..لقد كانت تضحك من أشياء موجودة فيّ .. نعم ...ربما في شعر رأسي أو ثيابي .. أو مدى قصر قامتي»138ص.
نصوص هذه المجموعة باستثناء نص عقدة الذي تميز بدلالات نفسية وذاتية ذات محمولات اجتماعية تتعلق بوصف الواقع الطبقي والعادات والتقاليد والتوق إلى الحرية، سواء من خلال تسليط الضوء السردي على الريف أو المدينة ، فبالتقاطها لطبيعة القاع الاجتماعي أو ما يعانيه من فوارق اجتماعية، وعادات وتقاليد قبلية متخلفة ،وهيمنة للمشايخ وفساد لمديري «عمال» القضوات والنواحي ، ميز نفسه السارد بهذا المنظور السردي. هي مجموعة قصصية قدمت صورة بواقعية تصويرية ووصفية للصراعات اليومية مع الرعية والشيخ والعامل والعسكري والمدينة كفضاء مغلق شبيه بالريف. لهذا كانت قصة «ليل الجبل» تجسيداً لصراع القروي مع اللبوءة والانتصار على سلطتها الأسطورية ،وكانت طاهش الحوبان ترجمة واقعية لصراع المشايخ مع الإمام يحيى وولي عهده أحمد ،وقصة العائد من البحر تعبيراً عن التوق إلى حاضر ومستقبل يكون فيه الناس متساوين ،وللجميع حرية التملك والبناء والاحتكام للقانون، وقصة «عمر النسور» التي تعكس رغبة الفلاحين والمهنيين في الهجرة وترك وطنهم ،وقصة «العسكري ذبح الدجاجة» تعكس العلاقة القائمة على الطغيان من قبل العسكري تجاه الرعوي ،وهي ما عبّر عنها الاستاذ أحمد محمد النعمان ،حين وصف مطلب الفلاح بوجود هدنة بين العسكري والرعوي، في حين أن مطالب المشايخ بانتزاع رأس السلطة والسيطرة عليها !وأما قصة «بياع من برط» فهي تصف وتصور توق القبيلي للاندماج مع قيم المدينة والتجارة ،وترك العادات القبلية التي تستعلي على التجارة وعلى أصحاب مهن الحلاقة والجزارة، وبقية أصحاب الخمس ،وفي قصة الذماري نجد الرغبة في الحياة من خلال ثنائية المرأة «وردة» والطموح إلى وظيفة مترجم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.