تلبّدت السماء غيوماً وأخذ القمر يشع من بين ثناياها نوراً بين الفينة والأخرى؛ فهزّ الليل وجداني، فأخذت أبحث عنه في كل مكان أتلمّس طيفه في وجه القمر، أعزف لحناً هو من علّمني عزفه على موسيقى دون أوتار، ثم أردّد كلمات كالهذيان تعلمتها هي الأخرى منه، وبقرب نهر كان ليس ببعيد عن منزلنا جلست هناك عند حافته حيث كان الماء هادئاً وساكناً إلى حد كبير، فرأيت القمر على سطحه وخيّل إليّ أنه يتحرّك وتغطيه الغيوم تارة وتارة أخرى تكشف عنه، فشدني الشوق إليه، تساءلت: لماذا القمر يغيب ويبدو إلا هو رحل ولن يعود، ومن دون أن أشعر تسلّلت دمعاتي ساخنة وأخذت طريقها إلى أحداقي فسقطت واضطرب ماء النهر وغاب القمر خوفاً وأظلم الكون وبدأت العاصفة قوية وشعرت بالخوف والوحشة وتسارعت دقات قلبي بشدة، وارتعشت أناملي وسمعت صوت اليل صاخباً وموحشاً وكأنه زئير أسد ضارٍ؛ تكثف خوفي وتضاعف، وحاولت الوقوف دون جدوى، قدماي لا يحتملان جسدي، أغمضت عيني بقوة شديدة ثم رأيت شرطياً غليظاً شديداً حاولت الإفلات منه فلم أستطع بل أوقفني سائلاً: هل أنت مدمنة..؟!، سألته بشفاه مرتجفة ولسان متلعثمة: وكيف عرفت..؟!. فبادرني بالرد مباشرة: كلماتك كالهذيان تتمتمينها غير مفهومة، كما أنه الصيف والجو حار جداً إلا أنك تكادين تتجمدين من البرد... يا إلهي عرف الحقيقة فما الذي أوصلني إليه وأوقعني بين يديه؟ إزاءها حاولت أن أتماسك قليلاً ثم قلت له بثبات الواثقة: نعم أنا مدمنة. فمسك يدي برعونة وشدّني بقوة وغضب, وقلت بصرامة: ولكن إدماني لا يعاقب عليه القانون ولم يورد له الشرع عقوبة، فإلى أي قاضٍ أنت ذاهب بي..؟! فبادرني بالرد ساخراً: وأي إدمان هذا يا مغفلة..؟!. قلت: أنا حقاً مدمنة ولكن على حب وطني الصغير الذي طالما بحثت عنه ولكني لم أجده، فمنذ أن غادرت الحمامات الخمس "الحب, السلام, العدل, الحق, الغيرة" غادر هو الآخر معهم ولم يعد إلى الآن، وكلما بحثت وجديت في البحث عن إحدى تلك الحمامات لأسألها عن وطني، قالوا إرهاب، إذن إذا كان الحب إرهاباً والسلام إرهاباً والعدل إرهاباً والحق إرهاباً والغيرة إرهاباً فسجّلوا اسمي في قائمة الإرهاب؛ لأني أحب الإرهاب وأرغب أن أكون إرهابية إن كان هذا هو الإرهاب.