كثيرة هي المعاني الجميلة التي غابت عن حياتنا، وافتقدناها في يوميات تعاملاتنا، ثم نتساءل: لماذا أصبح عيشنا روتنياً مملاً لا تغيير فيه ولا تجديد..؟!. والعجيب أن التجديد في الحياة وكسر روتينه الذي نعيشه هو أوسع باب يمكن للإنسان أن يبدع فيه إذا أراد ذلك؛ لأن شريعتنا لوحدها من حضّت على الخير وتلمس مواطنه، والبحث عنه أمر سهل لا يكون إلا بتحسس مثل هذه المواطن من حولنا ومن خلال شواهد الحياة التي ندور حولها وفي فلكها، كما يعرف أن مفهوم النجاح مفهوم بواسع وشجرة باسقة لها كثير من الظلال كل يعرفه من زاويته التي يرى أهميتها. واليوم نتحدّث عن النجاح، ولكن في حياتنا الاجتماعية التي ركناها ولم نعد نعبأ بها على الرغم من أهميتها وما تكتسبه من ضرورة ملحّة ينبغي على المجتمع وخاصة من لهم فهم راقٍ وسليم عن عوالم الناس ومتطلباتهم ومن يفقهون ضرورات الحياة والعيش فيها. ونكتب اليوم عن النجاح أو عن بعض معاني النجاح؛ لأننا نعيش متسعاً من الوقت لخلق روح جديدة تحلّق بصاحبها نحو آفاق من السمو، ونفوس شفافة تعزّز عند أصحابها أرقى القيم التي من شأنها أن تأخذ بالإنسان حيث الأمان والاطمئنان، أعظم صفتين ينشدهما بنو الإنسان في حياتهم. لقد أثارني موقف قرأته لرجل كبير يرقد في المستشفى، رجل كبير يرقد في المستشفى لهرم جسده يزوره شاب كل يوم ويجلس معه لأكثر من ساعة يساعده على أكل طعامه والاغتسال ويأخذه في جولة بحديقة المستشفى ويساعده على الاستلقاء ويذهب بعد أن يطمئن عليه. دخلت عليه الممرضة في أحد الأيام لتعطيه الدواء وتتفقد حاله وقالت له: ما شاء الله يا شيخ الله يخلي لك ابنك أو حفيدك يومياً يزورك، نظر إليها ولم ينطق وأغمض عينيه وقال في نفسه: ليته كان أحد أبنائي..!!. هذا الولد يتيم من الحي الذي كنا نسكن فيه رأيته مرة يبكي عند باب المسجد بعدما توفّي والده وهدأته، واشتريت له الحلوى، ولم أحتك به منذ ذلك الوقت، ومنذ علم بوحدتي أنا وزوجتي يزورنا كل يوم ليتفقّد أحوالنا حتى وهن جسدي، فأخذ زوجتي إلى منزله وجاء بي إلى المستشفى للعلاج، وعندما كنت أسأله: “لماذا يا ولدي تتكبّد هذا العناء معنا..؟!” يبتسم ويقول: “مازال طعم الحلوى في فمي يا عمّي”. اليوم وأمام مثل هذه المواقف يتذكّر الإنسان كثيراً من المعاني التي جعلت كثيراً من الناس يرتفعون بالنجاح في حياتهم. إن من أرع المعاني في الحياة التي لا يختلف عليها اثنان هو أن مفتاح النفوس كلمة طِيبة تعطف بها على إنسان هو في أمس الحاجة إليها، وحديث صادق تتوجه به إلى من هو محتاج إليه على أن يكون الصدق ديدنك في كل أحوالك، ومن يعش بهذه الروح فإن تغيراً سيطرأ لا محالة على روتينه المعاش، حينها فقط ستشرق حياته بنقاء السريرة، والابتسامة المُشرقة، وجمال اللقاء مع الآخرين. واستدرك أخي القارئ حجم الهدوء النفسي الذي ستجده ليس أقلّه سؤال يسير عن حالك ممن لم تعهد منه السؤال عنك، وعلى العكس من كل ذلك تشدّنا شواهد الحياة إلى حقيقة مفادها أن من أقسى أنواع التبلد في حياتنا تبلد الإحساس وتبلد الشعور بحب الآخرين، فمتى نعي أن اليوم المفقود من حياتنا هو ذلك اليوم الذي لم نطوّر فيه من أنفسنا، وأن إرادة الحب والشعور بالآخرين ليست فكرة عابرة في ذات الإنسان؛ بل هي إنسان يتجسّد على هذه الأرض، ومن هنا يكون النجاح، ولمن لا يعلم نذكر بأن الوسادة - كما يحكي لنا الواقع - تحمل رأس الغني والفقير، والصغير والكبير، والحارس والأمير، لكن لا ينام بعمق سوى مرتاح الضمير من أدرك أن قسطاً رفيعاً من النجاح في الحياة يكمن في الإحساس بالآخرين. .. إضاءة: ازرع جميلاً ولو في غير موضعه فلن يضيع جميل أينما زرعا إن الجميل وإن طال الزمان به فليس يحصده إلا الذي زرعا