يأتي الفن في شكله ومضمونه جامع مانع لكل أمزجة وأهواء البشر في العالم باختلاف اللغات والأعراق والثقافات فأن النفس البشرية تنزع فطرياً إلى الجمال المتمثل في مختلف أشكال الفن والتي تخاطب الحواس بالدرجة الأولى وتترك أثرها الحسي ومن ثم المعنوي والفكري لدى البشر. فمن منا لم تهز مشاعره نغمة موسيقية أو تستفز وجدانه لوحة فنية من منا لم يبك مراراً وهو يشاهد مقطعاً درامياً مؤثراً وفيلماً سينمائياً، من منا لم يقف مبهوراً أمام دقة وروعة تماثيل الآلهة في أثينا وروما؟! فالفن والجمال صنوان وهنا يكسر الفن حواجز الزمان والمكان العادات والتقاليد والأعراف يأتي موحداً للنفوس التواقة للجمال. كما أن للفن استقلاليته وذاتيته المحضة التي تتشكل ضمن تجارب الخاصة. والمبدع إنسان يعاني ويجرب ويتعايش وتتبلور تجربته في عمله الفني الذي يصدره إلى الآخر ويكسر طوق عزلته فنجده قد أشرك أخاه الإنسان وجعه وواقعه وألمه في إطار فني لا يمكن رفضه وتصنيفه كنوع من إلقاء اللوم أو فرض التزام نفسي بل كحالة من المشاركة الوجدانية التي تتماهى فيها ذوات البشر وتصنع الهم الواحد. ولو أن الفن أخذ حقه من الانشغال والدعم لساعد في ردم الكثير من الفجوات الفكرية والاجتماعية.. ومن المؤلم أن القوى الاقتصادية استنتجت هذا الأمر وقامت باستثمار الفن ربحياً وقامت بتبني ودعم البرامج الفنية التي يقبل على مشاهدتها ملايين البشر في أنحاء العالم تصدر الثقافة والسلعة في آن معاً. بينما تغفل السياسات والحكومات عن مدى أهمية الفن ومقدار تأثيره في الوعي وإحداث الانتقالات الجذرية في مشاعر وتوجهات الناس. وإن كان هناك معرفة بها فنلاحظ وجود فئات متشددة تحارب وجود الفن وتسعى لتجريمه ووضعه ضمن المحرمات وربطه بالعقيدة بشكل يتناقض مع فطرة الإنسان ويجهل عليه استيعابه للفكر الذي يحتويه الفن. الفن هو جواز مرور إلى قلوب وعقول ووجدان كل البشر يمحو الفوارق ويحيل إلى التماهي وهو القاسم المشترك الذي ينتعش ويفرح ويحيا به الجميع.