اهتم التشريع الإسلامي بأمر الجار اهتماماً كبيراً، وقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة بالإحسان في معاملة الجار، وجاءت السنة المطهرة توضح وتبين عظم حق الجار. قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْن إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) سورة النساء: أية: 36. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظنت أنه سيورثه” متفق عليه.. من حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، وعن أبى شريح الخزامى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت” النووي: رياض الصالحين ص 125، 126. والمسلم الذي لا يأمن جيرانه شره لم يذق طعم الإيمان، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “الذي لا يأمن جاره بوائقه( أي غوائله وشروره” متفق عليه. ولقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتنفق وتتصدق، ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم “ لا خير فيها هي من أهل النار” قالوا: وفلانة تصلى المكتوبة، وتتصدق بأثواب، ولا تؤذى أحداً ؟ فقال رسول الله هي من أهل الجنة”. البخاري: الأدب المفرد ص 42. ولقد تعلم الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم حسن معاملة الجيران فقد ذبحت لعبد الله بن عمرو بن العاص شاة، فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي؟ أهديت لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”. فالجار الصالح يكون سبباً في سعادة جاره ولذا قيل: اطلب لنفسك جيرانا تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجارُ ولقد باع أحدهم منزله فلما لاموه في ذلك قال: يلومننى أن بعتُ بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغصُ فقلت لهم كفوا الملام فإنما بجيرانها تغلوا الديار وترخصُ ولقد باع أبو جهم العدوى داره بمائة ألف درهم ثم قال للمشترى: بكم تشترون جوار سعيد بن العاص قالوا: وهل يشترى جوار قط، قال: إذاً ردوا علي داري وخذوا مالكم فإني والله لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عنى، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأل بدأني، وإن نابتنى حاجة فرج عنى، فبلع ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم. مانع الشمرى: شذر الذهب من كلام العرب ص 124. وهذا هو الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان، كان له جار فاسق سكير عواد ومغنٍ إذا جن الليل أقبل على لعبه ولهوه، وكان إذا أكثر صياحه وغنائه إذا ثمل قال : أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر” حتى حفظ أبو حنيفة كل غنائه لكثرة ما كان يردده، فأخذه الحرس من داره وهو سكران وحبسوه فافتقده أبو حنيفة، وافتقد صوته، فقال: ماذا فعل جارنا؟ لقد فقدنا صوته، فقيل: أخذه الحرس البارحة وحبسوه، فقال: قوموا بنا نسعى في خلاصه، فإن حق الجار واجب، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالجار، فأتى مجلس الأمير فلما بصر به قام إليه وأخذ بيده، ورفعه مكاناً علياً وقال: ما جاء بك يا أبا حنيفة؟ قال: جئت لمحبوس عندك من جيراني، أخذه الحرس البارحة، وأسألك أن تطلقه، وتهب لي جرمه، فقال الأمير: قد فعلت ولجميع من معه في الحبس، هلا بعثت برسول حتى أقضى به حقك وأخرج من واجبك! فلما أن أخرج من حبسه قال له أبو حنيفة: هل أضعناك يا فتى؟ قال: لا يا سيدي ومولاي، لا تراني اليوم أفعل شيئاً تتأذى به ثم أخرج أبو حنيفة عشرة دنانير وأعطاها له، وقال: استعن بهذا المال على نقصان دخلك وقت الحبس، ومتى كان لك حاجة فابسطها إلينا، واترك الحشمة فيما بينا وبينك، فقام الرجل وقبل رأس أبى حنيفة، وكان بعد ذلك يختلف إلى درسه وتفقه حتى صار من فقهاء الكوفة” . فالإحسان إلى الجار شعور أصيل وعميق في وجدان المسلم الصادق، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره” رواه الترمذي بإسناد حسن. ومراعاة الجار تكون في أدق الأشياء، فهو يراعى حق الجار فلا يجرح إحساسه حتى في أبسط الأشياء فهل يوجد دين آخر وضع مثل هذه الحقوق للجار مثلما وضعها الإسلام الحنيف، إن الإنسانية - كلها – اليوم لهو في أشد الحاجة إلى آداب الإسلام، كما يحتاج الظامئ المشرف على الموت في الصحراء إلى شربة ماء، فهلا تعلمنا هذه الآداب وعرفنا هذه الحقوق ومارسناها في حياتنا؟!.