من الموضوعات التي شُغلت بها الأصوات في مجمع اللغة العربية ما يتصل بتعدية الفعل “إعبتر، يعتبر” إلى مفعولين متضمناً معنى “عدَّ” في مثل قول بعضهم: والذين يفرحون بما أوتوا من مال في هذه الحياة الدنيا ويعتبرون ذلك أكبر متاع وأعظم لذة ولا يفيدون غيرهم منها فيقعون في غرور باطل.. يقول آخر: الإيمان ببعض الأنبياء والفكر ببعضهم يعتبره الإسلام كفراً بالكل ويقول أحد العلماء: يعتبر العلماء طاقة الرياح طاقة مجددة غير ملوثة للبيئة. والذي جعل الأمر موضوعاً هاماً للمناقشة أن بعض المهتمين بالصواب اللغوي لا يجيزون هذا الاستعمال ويرون أن الفعل “إعتبر” يجيء في العربية الفصحى لازماً بمعنى! تعجب وتدبر ونظر في الأمر واتعظ. يقول ابن منظور في لسان العرب مادة “عبر” والعبرة: العجب. واعتبر منه: تعجب وفي التنزيل “فاعتبروا يا أولي الأبصار” أي تدبروا وانظروا فيما نزل بغيركم والعبرة: الاعتبار بما مضى. ويرى علماء اللغة أن الاستعمال يمكن أن يكون جائزاً لسببين: الأول: أن يضمن الفعل “إعبتر” معنى الفعل “عدّ” فينصب مفعولين. الثاني: الاستئناس بورود هذا الاستعمال في نصوص عربية قديمة منها: أ قول ابن كثير في تفسير قوله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا تعتبر قول الواحد ولا الإثنين مخالفاً لقول الجمهور فيعده إجماعاً. ب وقول العشيري في تفسير قوله تعالى {قل أتعلّمون الله بدينكم} قول الآية على أن الوقوف في المسائل الدينية يعتبر واجباً. ج قول الألوسي في تفسير قوله تعالى {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} والمراد من الأرض نفسها أو المدينةالمنورة والحمل على جميع الأرض ليس بشيء.. إذ أن تعريف المفرد يفيد استيعاب الأفراد لا الأجزاء، اللهم إلا أن يعتبر كل بقعة أرضاً. ء وقول ابن عادل في تفسير قوله تعالى: { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} سرّح الإبل يسرِّحها سرحاً. أي أرسلها، وأصله أن يرسلها ترعى، واعتبر من السرح المضي فقيل إناقة سرح: أي سريعة. واختتم العلماء والذي تمت الموافقة عليه والحكم بعدم تخطئته بناءً على تضمن الفعل “إعتبر” معنى الفعل “عدَّ” واستئناساً بما ورد في النصوص العربية القديمة المذكورة آنفاً التي جاء فيها الفعل “إعتبر” متعدياً إلى مفعولين بمعنى “عد” بهدف التيسير والتوسع في اللغة. يقول الديب في مقام التعبير عن روحه الفاضية المتمردة: شكوت وما شكواي ضعف وذلة فلست بمستجد ولا طالباً يدا ولكنني أفحمت ظلماً بمنطق من الدهر، لم تبلغ غباوته مدى دمي، دمُ أكفاء الحياة، ونظرتي بها للمحيط الضخم لا الطل والندى وهو يرى في نفسه وفي شعره عوناً للهف وغوثاً ونصرة للمحتاج أأسجن من عون اللهيف وغوثه ونصرتي المظلوم سجناً مؤبداً أيئبسيني قومي، لأني مشاعرٌ أهلهل في الآلام شعراً مخلداً وشدت كما شاد النبيون شرعة تنزل فيها الوحي شعراً مردداً وقلت وقال الناس لم يبق قولهم بياناً ولا سحراً فأربيت منشداً حتى يصل إلى ذروة موقفه الوجودي والشعري بقوله: يمنياً لئن لم يؤمنوا بقضيتي لأمضي إليهم سهم ظلمي مسدداً سأرقب عدلاً من قُضاتي فإن أبوا أبت قوتي في الهجو أن تتقيدا وفي قوله أيضاً: أجزني إذا أنشدت شعراً، فإنما بشعري أتاك المادحون مردداً ودع كل قول غير قولي، فإنني أنا الطائر المحكي، والآخر الصدى وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشداً