حيس هي مدينة تاريخية عريقة، تقع على بعد 35 كم جنوب مدينة زبيد في محافظة الحديدة، وتشير أغلب المراجع إلى أن سبب تسمية حيس بهذا الاسم نسبة إلى مؤسّسها الملك الحميري حيس بن يريم بن ذي رعين بن شرحبيل الحميري، وتعرف المدينة أيضاً باسم “حيس القنا” كما يذكرها الهمداني، وهي نسبة إلى جبل القنا الواقع في جهة الشرق من المدينة. صناعة الفخاريات اشتهرت حيس بصناعة الفخاريات «الحيسي» وبها عدد من المباني الأثرية القديمة التي يرجع بناؤها على الأرجح إلى عهد الدولة الرسولية، ويعزي بعض الباحثين إليها نشأة الشعر الحميني، كما ينسب إليها الزنط الحيسي، وهو نوع من الزهور الحمراء التي تنمو في أراضيها بكثرة ويستخدم لتزيين عقود الفل التهامي. من أشهر علمائها القدماء العالم الصوفي عمر بن محمد الخامري الذي عاش وتُوفي فيها عام 882ه - 147م وضريحه مشهور في موقع شرق مدينة حيس جوار المسجد المسمّى باسمه، وتضم المدينة أكثر من 26 مسجداً ومدرسة علمية إسلامية يعود أغلبها إلى عهد الدولة الرسولية وتشتهر بصناعة الفخاريات «الحياسي» ومعاصر زيت السمسم وصناعة الحلويات المشهورة «بالحيسية». الجادة السلطانية كانت محطة على طريق الحج المعروفة ب«الجادة السلطانية» ومحطة على طريق انتقال الملوك والسلاطين بين عاصمتي الدولة الرسولية آنذاك زبيد وتعز، لذلك مثّلت المدينة موقعاً استراتيجياً مهمّاً للاستيلاء على العاصمتين أو الدفاع عنهما، فالمدينة تضم قلعة عسكرية كانت ترابط فيها دائماً فرقة من الجيش تقوم بصد غارات القبائل المجاورة. ومن الناحية الاقتصادية، تعتبر من المدن التي تخصّصت في صناعة الفخار والأواني الخزفية؛ إذ كانت المورد الأساسي لما تحتاجه اليمن من هذه الأواني، نظراً لتوافر التُربة الطينية الجيدة في وديان المدينة، إلى توافر الأكاسيد المعدنية في الجبال الواقعة إلى شرقها، وبلغت هذه الصناعة قمّة ازدهارها وتطورها في عصري الدولتين الرسولية والطاهرية، ويشهد على ذلك أن منتجاتها الخزفية كان ضمن هدايا سلاطين بني رسول إلى نظرائهم سلاطين الدولة المملوكية في مصر. ولأهمية المدينة قام سلاطين الدولتين ببناء العديد من المنشآت الدينية والمدنية والعسكرية بها كالمساجد والمدارس والخانقاوات والقصور والقلاع، وشيّدوها وفق طرز معمارية متنوّعة يتناسب كل نوع منها مع الوظيفة التي بني من أجلها، فضلاً عن تناسب مواد وطرق بنائها وتخطيطاتها المعمارية مع البيئة المحيطة بالمدينة، وتتكوّن من سهول ساحلية ممطرة، حارّة صيفاً معتدلة شتاءً، وتتوافر فيها التربة الطبيعية الجيدة لصناعة مواد البناء بالقدر نفسه الذي تندر فيه الأحجار والأخشاب، ما حدا بالمعماريين إلى الاعتماد كلية على الطوب المحروق «الآجر» سواء في الجدران أم التغطيات. عمائر تاريخية ومن العمائر الدينية التاريخية في مدينة حيس الجامع الكبير «الخانقاه المظفرية» والمدرسة الإسكندرية ومسجد مشهور ومسجد الهتاري وعمائرها السكنية التقليدية الرائعة، يقع هذا الجامع الكبير في مدينة حيس، وكان في الأصل عبارة عن مجموعة من المباني تضمّ خانقاه ومسجداً وداراً للضيافة وفناءً مكشوفاً وأماكن للوضوء وبركة وبئراً ومئذنة، ويحيط بجميع هذه المباني سور من الآجر، وعلى ما يبدو أن المسجد هو أقدم هذه المنشآت، وجاء ثاني ملوك الدولة الرسولية الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول وبنى في سنة 652ه/1295م داراً للضيافة وخانقاه كبيرة سميت ب«الخانقاه المظفرية» كانت دار الضيافة مفتوحة تستقبل كل الغرباء والمسافرين والقادمين إلى مدينة حيس من داخل اليمن أو من خارجها وتوفر لهم الإقامة والمأكل والمشرب مجاناً، وفي شهر رمضان المبارك كانت دار الضيافة تفتح أبوابها وتطعم الفقراء والمساكين والمقيمين فيها، وكان الأكل والأطعمة التي تعدّها هذه الدار في اليوم الواحد بمقدار حمل جمل من البر والذرة وحوالي ثمانمائة رطل «أربعمائة كيلو» من اللحم وما يعادلها من التمور والفواكه والخضروات، وكان بيت المال يتولّى تغطية جميع النفقات. كانت الأسر الميسورة في مدينة حيس، وحرصاً منها على نيل الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، تتسابق في تقديم أفضل وأشهى الوجبات والتمور للغرباء المقيمين في دار الضيافة خاصة في شهر رمضان الكريم، أما في الخانقاه فكان يقيم فيها شيخ الخانقاه وطلبة العلم من الفقراء والمريدين الذاكرين الشاكرين القادمين من مناطق مختلفة لطلب العلم والاستزادة والاستفادة منه، وكانوا جميعاً يلتقّون مع أبناء مدينة حيس في رحاب الجامع الكبير بمدينة حيس لأداء الصلاة في أوقاتها الخمسة. يتم الدخول إلى البناء الحالي لجامع مدينة حيس من المدخل البارز الذي يفتح في الجزء الشرقي من الواجهة الجنوبية، وهذا المدخل عبارة عن بناء مربع الشكل يبرز عن الواجهة ويغطّيه سقف نصف برميلي الشكل، ويعلو المدخل بقايا من نص تأسيس الجامع يظهر عليه اسم بانيه الملك المظفّر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول، يتم الدخول منه إلى قاعة مستطيلة الشكل تفتح في جهتها الشرقية على غرفة مربعة وتفتح في جهتها الشمالية على فناء الجامع التي تطلُّ عليه قاعة الصلاة التي تتكوّن من جناحين جانبيين ومساحة وسطى عبارة عن بلاطة المحراب، تغطّي كل من الجناحين الشرقي والغربي أربع قباب نصف كروية الشكل «كل جناح تغطيه قبتان» ويغطي المساحة الوسطى قبوان، محراب الجامع يفتح في الجزء الغربي لجدار القبلة وهذا يعطي فرضية أنه تم توسيع الجامع في فترة لاحقة على بنائه الأول، تتخلّل جدران بيت الصلاة نوافذ مستطيلة الشكل وتغطّي هذه الجدران عناصر متنوّعة من الزخارف الكتابية والهندسية والنباتية المنفّذة بالجص، وللجامع رواق شرقي يفتح على الفناء بواسطة ثلاثة عقود مدبّبة الشكل. تقع مئذنة الجامع بجوار المدخل الرئيسي في الواجهة الجنوبية، أما البركة فتشغل الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد. ويقع هذا المسجد عند مدخل السوق القديم في مدينة حيس، وكانت فيه مدرسة تسمّى «المدرسة الاسكندرية» نسبة ربما إلى بانيها الأمير العثماني إسكندر موز بن سولي في القرن العاشر الهجري/الخامس عشر الميلادي.