ما هذه الهزائم؟ لماذا بطلة الرواية محبطة وحزينة وهي تناجي في خوالج نفسها التي اختارته الروائية صبيحة شبر أسلوب لتناول الحدث السردي فالمفردات تنطلق من أعماق روحها وتصل إلينا ونحسها ونسترسل معها ومنذ بداية الرواية نجد أن بطلة الرواية تريد أن تأخذنا لواقعة غريبة أقضت مضجعها وآلمتها وصارت أشبه بغيمة سوداء ترافقها أين ما حلت وحيث ما كانت وهي في حرب داخلية دائمة من اجل التخلص من هذا الحدث الذي لانعرف كناه لحد الآن (اشعر اليوم إنني سأقهر الضعف الذي لازمني طويلاً , وأتغلب على الداء الذي سكنني, وابتسم للشمس) تحاول البطلة وهي ترافقنا لندخل عالمها لنعرف ما بداخلها وما سبب هذه الانكسارات النفسية التي تعيشها, وعند انتقالنا للفصل الثاني وهي نقلة موفقة إذ أن الروائية تقدم لنا ومن خلال البطلة البطل الثاني للرواية (لم يحقق يوماً نجاحاً, حياته فشل متواصل , وخيباته مستمرة, يعمل لغيره, ويناضل كي يقدم للآخرين ما يريدونه على طبق من ذهب). ومن هنا نعرف أن البناء الروائي في السياق السردي يدعونا لطفرة ثانية فهذا الرجل له علاقة وطيدة مع البطلة فنحن أمام شخصية غريبة الأطوار, فقد شاءت الأقدار أن يقترب البطل الثاني لحياة البطلة ويقتحمها وهي تصفه بكونه يعيش للآخرين وهو زير نساء ويستطيع الإيقاع بأية امرأة يريدها وله قصص وحكايات كثيرة مع النساء وأصدقاؤه يتندرون ويضحكون لهذه العلاقات وهو يشاركهم فيترك واحدة ليتعلق بأخرى ربما كان هذا سبباً رئيسياً في أن بطلة الرواية بدأت تتعلق به إلا أنه لا ينظر إليها كبقية النساء اللاتي عرفهن, يعرف أنها جادة ورزينة ولديها القدرة على أن تنظم حياته, نحن أمام شخصيتين متناقضتين وفي الفصل الثالث من الرواية بما أننا أمام صورة تتضح أمامنا تدريجياً رأت الروائية صبيحة شبر أن نتوغل أكثر ونقترب من الأحداث حيث هذه العلاقة الحميمية الطيبة بينها وبين صديقتها سميرة التي كانت معها في المراحل الدراسية وتعتبرها صديقة عمرها التي لا تستغني مما حدا ببطلة القصة وكنوع من الكشف ومعرفة البناء الحقيقي للبطلة وسلوكها فقد استطاعت البطلة أن توفق في زواج صديقتها سميرة من صديقها احمد وكان هذا العمل مدعاة لسعادتها وفرحها فقد أنجزت هذه المهمة بنجاح في الفصل الرابع تعترف البطلة بأنها وقعت بحب هذا الرجل زير النساء وتتساءل (لست ادري كيف أحببتك؟ أنت الذي عرفتك كل النساء اللواتي وقعت بغرامهن انك لعوب) ونتعرف على البطل اكثر انه مدلل ضعيف الشخصية لا إرادة له ويعترف البطل بكل هذا (وماذا يمكنني أن افعل. وقد خلقني الله ضعيفاً متخاذلاً مقهوراً لا املك شروى نفسي) وهكذا يتأزم الحدث الروائي وتبدأ الحبكة في الوضوح فهذا الاعتراف امر في غاية الأهمية لأنه يرى النساء اللواتي أقام علاقة معهن مسكينات وأنهن خدعن به ويقعن صرعى حبه لأنه يتلفظ بالكلمات السحرية ويتسارعن إلى الارتماء في أحضانه الخالية من الدفء أوكلت الروائية مهمة سرد الأحداث لبطلي الرواية فتارة تقوم البطلة بالسرد فتنقلنا في نسق تصاعدي نحو توتر الأحداث وتارة يقوم البطل بهذه المهمة وهو ينقلنا إلى الجانب المخفي من الأحداث ويستطيع أن يجعلها تقع في حبائل حبه ولان الرواية سردت بإحباط وآلام النهاية إلا أن ذكاء الروائية جعلنا نتابع الأحداث من البداية وبعد أن تصل العلاقة إلى الرباط المنطقي نجد اعترافات غريبة ومدهشة في ذات الوقت حيث يقول البطل (( ولكن أنا ؟من يعرف من أكون ؟أنا منطفئ الأزلي ,ماذا يمكنني أن افعل ,وقد أحاطت بي الحجب المختلفة ومنعت عني الوصول إلى قرار صائب أحزن وأنا جاهل ما اقدم عليه )) ماذا تعني كلمة المنطفي لنا وماذا يريد هذا البطل أن يبوح به هل هو سر لا يستطيع إعلانه هل أنه يعيش في عالم لم نراه وفي ليلة الزواج تلك الواقعة التي بقيت تحوم في ذاكرة بطلة الرواية تتكشف لنا أسرار غاية في الأهمية (أين المفر؟ هذه الليلة التي رغب في تأخيرها, تأتيه رغماً عنه, كيف يمكنه التصرف, وهو لم يعهد مثلها طيلة عمره, كل ما فعله من جري خلف النساء الجميلات كان مجرد لهو حلو) هذه الليلة تعد من اجمل ليالي العمر بالنسبة للعروسين على حد سواء إلا أننا نجدها ليلة يقف فيها البطل وكانه أمام اختيار صعب, ماذا يدور في خلد البطل ؟ ولماذا يخاف هذه الليلة (يحس جسده صخرة يابسة لا قدرة فيها على الحركة , كيف تصرف الرجل في مثل هذه المواقف ؟ وهل انه عديم الجدوى ؟ فاقد الأهلية وكيف ينقذ نفسه من هذا المطب الذي أوقعها فيه ؟يعرف عجزه, لم يبالغ يوما في تصوير قدرة لاوجود لها جسده خشبة يابسة, وعضوه ميت) لقد حاول بطل الرواية إخفاء حقيقة موته كرجل أمام كل النساء اللاتي عرفهن إلا أن هذا الاختبار (العرس) يضعه في المحك فقد انكشفت الحقيقة وظهر بانه خال من الرجولة (كنت افكر بوضعي , حين شرع بخلع ملابسه, فكرت انه ربما اجتهد كي يقوم بدوره خير قيام, فقمت مقلدة إياه, لكنه قال وبوقاحة لم أكن أتوقع بأنه قادر عليها. - انظري يا بنت الناس, واسمعي جيداً, لا أحب النساء أبداً, واجدهن مخلوقات تافهات, يجرين خلف الكلمات البراقة, متناسيات الحقيقة, أحب الغلمان, ويمكن أن تلعبي دور غلام جميل )) إنها محاولة للهروب من ضعفه وعدم رجولته كما أنها حقيقة اعترف بها أمامها انه كان غلاماً جميلاً ولعبوا معه دور الغلام أنها ليلة ليلاء حقاً وأنه عرس لكنه لا يشبه أي عرس انه عرس حطم آمالها وقتل مشاعرها وهدم أحلامها, أنه الجحيم وعندما نطوي أخر صفحة من الرواية تكتمل عندنا الصورة لواقعة عرس حزين وقد كتبت الرواية بالأسلوب الدائري فإذا عدنا إلى بداية الرواية الآن نجدها اكثر تأثيراً من ذي قبل ,فخبرة الروائية صبيحة شبر في هذا المجال وهذا النوع من الروايات جعلتها في مصاف الروايات الناجحة رغم قصرها وقد كتبت في صورة الغلاف رواية قصيرة.