ما أن يحدث حدث جسيم سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي فإنه لا يوجد تعبير مناسب لذلك الحدث غير الإرهاب، فهو بمثابة المفهوم المتوافق عليه لوصف ما يجري في الوقت الراهن.. أصاب بظلال مفهومه كثيراً من المفكرين والمثقفين، وهتك بوقع حدثه حقوق الضعفاء والأبرياء والمساكين.. ما حقيقته وما مسبباته وكيف نواجهه؟ أسئلة حاولنا الإجابة عنها في الاستطلاع التالي: خلاصة مشكلات بدايتنا كانت مع إبراهيم المسلّمي- باحث ومدرب حيث يرى أن هناك متغيرات محلية وعربية ودولية فرضتها أحداث متعددة ومصالح أيضاً ولا شك أن الإرهاب حلقة من حلقات أخرى قائمة على مصالح معينة ولها أهداف ليست واضحة، وهناك ضبابية في المواقف الإقليمية والدولية بخصوص تعريف الإرهاب ولا توجد معايير أيضاً واضحة يمكن أن نطلقها على الإرهاب, وما يجري على الأرض اليوم هو خلاصة لتراكم مشكلات وتشابكها مع بعضها واستخدام مصطلح الإرهاب لعدم القدرة على التحكم في هذه المتغيرات بالإضافة إلى ذلك هناك جهات وأطراف تستخدم الإرهاب كذريعة لتحقيق مآرب ومصالح معينة. وما ذكرته أعلاه لا يعني عدم وجود إرهاب وإنما هناك منظمات إرهابية وخلايا تقوم بعمليات إرهابية بين الحين والآخر تستهدف حياة الأبرياء والمصالح الحكومية والمجتمعية وهو ما يدعو إلى دراسة حالة الإرهاب وتشخيصها والتوصل إلى حلول جذرية لذلك. ويضيف: أن هناك أسباباً متعددة لوجود الإرهاب منها ما هو مرتبط بمصالح وأطراف خارجية ومنها ما هو مرتبط بأسباب ومصالح لأطراف داخلية ومنها ما هو مرتبط بتدني مستوى الوعي المجتمعي والمعيشي وخاصة فئة الشباب حيث يعانون الفقر والبطالة بين أوساطهم مما يجعلهم لقمة سائغة للتطرف والإرهاب. ويختتم حديثه بالقول: إن تحصين المجتمع عامة والشباب خاصة من الوقوع في فخ الإرهاب والتطرف هو من خلال تبني برامج تنموية تهدف إلى تحسين المستوى المعيشي للناس وكذلك من خلال تغيير اتجاهات الشباب وتوجيه طاقاتهم بما يخدم أهداف التنمية وإشراكهم في العملية التنموية ورفع مستوى الوعي لديهم بمخاطر التطرف والإرهاب وما يتسبب به من خسائر مادية وبشرية وتوقف عجلة التنمية في البلد. كما يجب أيضاً التعامل بحزم مع الأطراف الداخلية والخارجية التي تغذي التطرف والإرهاب وتجفيف منابعه من خلال حزمة متكاملة من الإجراءات التي يتوجب على الجهات المعنية وصُناع القرار إتباعها. مظلة الاستبداد أما جلال الحزمي- شاعر وكاتب فمن وجهة نظره أن مصطلح الإرهاب من المصطلحات العائمة أو التي حاولت القوى العالمية تعويمها لكي تُدخل في قائمته من تشاء وتستثني من تشاء؛ وعلى العموم فمفهوم الإرهاب هو باختصار استخدام العنف للوصول لغاية معينة.. وانتهاك حقوق الناس وحياتهم وأمنهم بشتى وسائل العنف.. وهناك نوعٌ آخر من الإرهاب وهو الإرهاب الفكري وهو باختصار- أيضاً - فرض أفكار معينة وإلغاء حق الآخرين في طرح آرائهم.. أيضاً الإرهاب هو استخدام وسائل غير مثالية كوسيلة للحوار بدلاً من الوسائل الطبيعية السلمية المتعارف عليها.. وبخصوص الأسباب التي تمهد الطريق للإرهاب يقول: في رأيي أن الاستبداد هو المظلة الرئيسية التي ينشأ تحتها الإرهاب؛ وهناك أسباب فرعية تتفرع عن الاستبداد.. منها الفقر والجهل والظلم وانعدام العدالة إضافة إلى الأفكار الدينية المتطرفة التي تجعل من الفرد كتلة ملغومة قابلة للانفجار، وسبب أخير وهو مهم جداً وهو صناعة الإرهاب من قبل أطراف داخلية وخارجية عن طريق تجنيد البعض وعن طريقهم اختراق بعض الجماعات المتطرفة ودعمها لتنفيذ عمليات إرهابية يهدف من ورائها خلط الأوراق أو الانتقام أو الوصول لهدف ما. واختتم بالقول: من الحلول التي يمكن بها مواجهة هذه الظاهرة الشروع في بناء الدولة المدنية التي تضمن لرعاياها الحرية والعدالة والحياة الكريمة وينشأ شبابها أسوياء فكرياً وخلقياً وأيضاً إشاعة الفكر الوسطي المعتدل ومحاربة الأفكار المتطرفة محاربة فكرية وتجفيف منابع تلك الأفكار. تشوه أخلاقي كان من ضمن من تحدث إلينا خالد المقطري – ناشط شبابي حيث أبدى رأيه قائلاً: لا يوجد مصطلح فضفاض وهلامي ويثير حوله الكثير من الخلافات والجدل كمفهوم الإرهاب، فلو تتبعنا بوعي الباحث عن الحقيقة لوجدنا بأن مفهوم الإرهاب غير متفق عليه عالمياً خصوصاً كمفهوم سياسي وقد نتفق عليه كمفهوم إنساني محض فقط بعيداً عن سياسات الدول. فالإرهاب كمفهوم سياسي يمثل التشوه الأخلاقي الكبير للنظام العالمي وازدواجية المعايير فلا يكاد العالم يتفق على مفهوم واضح للإرهاب لأن هذا المفهوم قد تحول إلى أداة سياسية بيد الدول العظمي في إدارة صراعاتها تماماً كما تستخدمه الأنظمة المستبدة وتستغله أسوأ استغلال لتحقيق مصالحها الغير مشروعة في السيطرة على الشعوب بذريعة الإرهاب بطريقة تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان. وما دعم أمريكا للقاعدة في أفغانستان أثناء الحرب الباردة ضد روسيا إلا خير دليل على أن الإرهاب على هذا التشوه، فبعد انتهاء الحرب تحولت القاعدة من حليف لأمريكا إلى عدو وجماعة إرهابية، ويزداد الخلاف حول مفهوم الإرهاب في تعاطي العالم مع القضية الفلسطينية العادلة حيث يتغاضى العالم عن إرهاب الصهاينة الواضح والممنهج المنافي لكل القوانين الدولية وحقوق الإنسان وينظر للدفاع عن النفس للفلسطينيين أنه إرهاب ناهيك عن استخدام الأنظمة العربية المستبدة للإرهاب كشماعة لقمع شعوبها وفرض دكتاتوريتها، لذلك فالإرهاب كمفهوم عالمي من وجهة نظري هو ما يمارسه النظام العالمي من استغلال لشعوب العالم ونهبه لخيراتها ومقدراتها، الإرهاب هو ما تمارسه الأنظمة الديكتاتورية العربية القمعية ضد شعوبها بسلبهم حريتهم واستئثارها بالسلطة والثروة، الإرهاب هو إقصاء الآخر ورفضه، الإرهاب هو حرمان الإنسان في ممارسة العمل السياسي بحرية. تنوع المعالجات وأردف قائلاً: بخصوص الأسباب التي تساهم في ظهور هذه المشكلة العويصة وتفاقمها: إن أكثر ما أدى إلى ظهور التطرف هو الاستبداد، فالاستبداد سواء كان استبداد دولة أو استبداد جماعة أو طائفة يخلق رد فعل معاكس تكون ردة الفعل هذه متطرفة في كثير من الأحيان. وعن السبل التي يجب سلوكها لمواجهة حالة التطرف والإرهاب قال لنا: كثيرة هي المعالجات ومتنوعة كتنوع الأسباب والوسائل التي أدت إلى ظهور التطرف والإرهاب وفي مقدمة هذه المعالجات هي إزالة العنف وإيقاف الاستبداد بكل صوره وأشكاله وترسيخ قيم الديمقراطية والمشاركة السياسية وعدم إقصاء الآخر أو الأقليات تحت أية ذريعة، كما ينبغي مراجعة المفاهيم الدينية المغلوطة والمتطرفة ويجرى مراجعات وحوارات مع هذه الجماعات وكوسيلة للمعالجات بل استخدام الحوار كوسيلة منهجية. تبني الحوار بدوره أيضاً الشيخ خليل الصغير-إمام مسجد قال لنا: أن مفهوم الإرهاب من وجهة نظري هو كل عمل أو قول يؤدي إلى العنف ويهدد السلم الاجتماعي من أي طرف كان. وللأسف أن هذا المفهوم أصبح الآن يطلق على المنظمات الإسلامية فقط مع أنه توجد المئات من المنظمات الإرهابية الغير مسلمة في العالم والتي لم نسمع يوماً أن دولة حاربتهم أو على الأقل صُنّفوا في قوائم الإرهاب. ويضيف: الإرهاب هو ظاهرة ونتيجة في الغالب لظلم وقع على فرد أو جماعة أو دولة ولم يوجد عدلاً أو حلاً مناسباً لتلك المظلومية فيكون الإرهاب والعنف أسهل طريق للانتقام من الجميع ولا نغفل أيضاً الأسباب الخارجية المتمثلة بالمخابرات العالمية المستفيدة من هذا المصطلح والمجموعات التي تؤمن به حتى تبقى متربعة على حكم العالم والاستحواذ على ثرواته. وبالنسبة له فإن من أهم السبل التي تحفظ المجتمع منه هي العمل على دمج هؤلاء في المجتمع والتوعية المستمرة من الجميع والحوار الجاد والبناء من قبل السلطة والعلماء والمفكرين وأن يستشعر الجميع المسؤولية ويعمل على محاربته وتجفيف منابعه من أي طرف أو فصيل كان. غرس القيم الإرهاب هو انتهاك حرية الآخرين هذا هو المفهوم الذي توصلت إليه هناء الحميضة – أستاذة جامعية وترى أن عملية سجن الأفكار في المجتمع وحب التسلط والتحكم وعدم القبول بالآخر أسباباً كافية لظهوره ومن وجهة نظرها أن غرس قيم الحرية والتحلي بالأخلاق المثلى ستكون بمثابة المعالجة الناجعة لمثل هذه الظاهرة الشائكة بحسب قولها. وآخر من استهدفناه في استطلاعنا كان مستور الشميري – طالب جامعي حيث يرى أن الإرهاب ظاهرة يستحال التعايش في إطارها لأن من يرتكبون الحماقات المنسوبة إليها لا يمكنهم أن يبوحوا بشيء إيجابي مفهوم المقصود حسب قوله. ويضيف: إن توصيل المعلومة بطريقة سليمة بعيداً عن المعتقدات الخاطئة سبيلاً جديراً بالاهتمام لمعالجة قضية الإرهاب التي يراها أنها نتاج ممارسات فكرية وسياسية مغلوطة وغياب التوعية الحقيقية بمبادئ الإسلام والقيم الإنسانية المثلى.