الفهم الخاطئ والغلو في الدين، والقول على الله بغير علم في أعظم المسائل الدينية والشرعية وترويع الآمنين، والسعي في الأرض فساداً لإهلاك الحرث والنسل من أسوأ نتائج القول على الله بغير علم؛ و الذي هو من أعظم المحرّمات وأشدّها، والذي كان نتاج الفهم الخاطئ لديننا الإسلامي، والذي نتج عنه ما يسمى بالقاعدة والذي أدّى إلى الغلو، والتطرّف، والإرهاب، فقد استرخص هؤلاء النفس البشرية بالقتل والاغتيال، ودمّروا الممتلكات، وأهلكوا الحرث والنسل، فالتصدي لهذا الفكر المنحرف، والتحذير منه، ومنع انتشاره، والتوضيح للناس مدى خطورته من عدم الانسياق بالعواطف واجب ديني ووطني، ومن هنا تبرز أهمية الفهم والوعي و القدرة على فرز المفاهيم التي تسهم في بناء الحياة بطريقة سليمة وبطريقة عصرية وحضارية، دون اللجوء إلى العنف والإقصاء والتهميش.. ومن هنا استطلعنا آراء مجموعة من المواطنين حول موضوع الإرهاب والفهم الخاطئ للدين وما هي العوامل التي أدت إلى ذلك. عوامل عدّة المحامي عبدالرحمن الآنسي قال: ظاهرة الإرهاب نتاج لعدم الفهم والوعي لدى بعضهم للدين وباسم الدين واستغلال عواطف البعض، وهي نتاج عوامل عدة أدت في مجملها إلى تفجر العنف بالتطرف والغلو، أولها ما يمكن أن نُطلق عليه عامل الفهم، فعلى سبيل المثال ما يتعلق بالقراءة القشرية للنصوص الدينية ومحاولة استلهام سُنة السلف واقتفاء أثرهم بصورة حرفية وقشرية، والابتعاد عن القراءة المعمقة والرصينة التي دعا إليها القرآن الكريم في ألفاظ عدة مثل كلمة (يتدبّر، يدّكر، يعقل، ينظر) وما نتابعه يومياً من خروج بعض المسلمين على القانون العام أو انتهاك الحرمات المدنية بقلب بارد؛ والذي يشير إلى حجم الأزمة التي تعيشها بعض الجماعات والتي دائماً ما تطلق على نفسها جماعات دينية وبمختلف مسمياتها الدينية، بالتفجير والقتل والذبح دون الخوف من الله سبحانه وتعالى وباسم الدين. وأضاف: ومن العوامل أيضاً فقدان عدم تطبيق القانون بعدالة ومساواة من قِبل الدولة، يدفع هذه الجماعات للخروج على الدولة وتخلخل أمنها باستمرار، ومن العوامل كذلك غياب التنمية الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة، وسوء توزيع الثروة، والتفاوت الطبقي الحاد بين الناس، وانعدام العدالة الاجتماعية، والذي يتلازم عادة مع انتشار الفساد وغياب الشفافية. وأردف الآنسي أن من النتائج التي تتمخض عن تنامي ظاهرة التطرّف والإرهاب تراجع مسيرة الإصلاح والذي يؤدي إلى هروب رأس المال وتعثر المشاريع التنموية، وتعثر الخطط الإنمائية وتدهور الوضع الاقتصادي والذي يؤدي إلى زيادة الفقر والبطالة، هذا على المستوى الاقتصادي، أما على المستوى الاجتماعي يؤدي إلى ازدياد حدة الاحتقان بين جميع الطوائف والتيارات والمذهبيات المختلفة، مما يؤدي إلى تضعضع السلم الأهلي، وكما هو حاصل الآن مع اتساع الجفوة بين أعضاء المجتمع الواحد. حالة من الإحباط أما الناشط والحقوقي يحيى الشرفي، فيرى أن هناك عدة أسباب تدفع ببعض هذه الجماعات إلى ممارسة العنف والإرهاب، تجمعها حالة الإحباط الشديد التي أُصيب بها العرب والمسلمون منذ أمد ليس بالقصير، مما يمكن لهذه الجماعات، من تعبئة وتجنيد المغرر بهم من الشباب، فعندما يقف المواطن في البلاد العربية والإسلامية، أمام جدار سميك من اليأس والقنوط، يفصل بينه وبين المستقبل، عندها لا يجد أمامه إلا البحث عمن ينتشله من هذا الواقع المزري، وإن كان بطريقة القتل والموت، وعندما يظل يبحث عن طريق للخلاص، لا يجده، وللأسف الشديد، إلا عند جماعات العنف والإرهاب التي تعده بالجنة، بدل النار، إذا ما قتل نفسه بالطريقة التي سيختارونها له، تحت مسمى الجهاد والمقاومة، ولو وجد هذا المواطن طريق الخلاص من اليأس للانتقال إلى مستقبل أفضل في ظل نظام سياسي ديمقراطي يحترم حقوقه، فلا يصادر حريته أو يسحق كرامته لما اختار أساليب العنف والإرهاب.. ومن الأسباب التي تقف وراء اختيار هذه الجماعات للعنف والإرهاب يقول الشرفي: إنها تكمن أيضاً في التفسير الخاطئ للدين، ولنصوصه وتاريخه؛ فيجتزئون آيات القرآن الكريم من سياقها القرآني والتاريخي بما يتلاءم مفهومهم، للحياة والدين، فالديمقراطية عندهم مثلا فكرة واردة من بلاد الكفر ولا يجوز الأخذ بها في بلاد المسلمين، كما أن الانتخابات مشروع غربي لا يحق للمسلمين العمل به، وغيرها من الأفكار التي تبيح المال والدم والعرض.. وأضاف: ومن الأسباب أيضاً السبب الطائفي الأعمى والبغيض الذي يدفع بالبعض إلى ممارسة الإرهاب ضد شرائح مذهبية معينة بعد أن أخرجوهم بفتاوى منهم من الدين ومن ملّة المسلمين، ليبيحوا دمهم، فالإرهاب يؤخر ولا يقدم، ويدمر ولا يبني . برامج فكرية وأما الأخ محمد الوزير “خطيب جامع الرحمة” فيرى أن هذه الجماعات فهمت أن الإسلام هو إسلام الغزوات الحربية وإسلام السيف، دين أسلمة الناس تحت حد الحراب كما يرى أنه لا يمكن وضع اللوم كله على هذا الجيل، لأن المادة التي يتثقفون عليها هي مادة العنف، بل وبعض المناهج التربوية تعلّمهم كراهية المسلم وتكفيره بمجرد أنه لا يتفق مع هذا المذهب أو ذاك في بعض الفروع الفقهية، كما يتم توزيع كتب فيها عبارات تكفّر المسلمين دون أية رقابة، سواء من الدولة أو المجتمع. وأضاف: وما لا يختلف عليه اثنان أن العنف والتطرّف ينتجان العنف والتطرّف المضاد، ومن يزرع العنف لا يحصد السلام ومن يغرس التطرف يجني الدمار، ولهذا كانت التربية القرآنية شاخصة أمام مسيرة المسلمين، لذا يجب علينا تسليط الضوء على الأفكار المتشددة وكشفها للناس من خلال الحوار الموضوعي والفهم الصحيح، فالحوارات الهادئة هي الوصفة الأنجح لفك طلاسم ظاهرة العنف المتشعبة لاحتواء التطرّف والإرهاب والقضاء عليه، كما لا بد من معالجة أسبابه ومسبباته من خلال وضع برامج فكرية لمعالجة ظاهرة العنف يعالج الأسس الفكرية والدينية التي يرتكز عليها دعاة العنف، ويوضح حقيقة المفاهيم الإسلامية التي يبني عليها دعاة العنف فكرهم، ولابد من تصدّي كبار العلماء والفقهاء لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة، كما أنه من المهم تشجيع قيم وثقافة الحوار والتسامح، والتحلّي بأخلاقيات الاختلاف، واحترام التنوع المذهبي. مشكلة ثقافية وفكرية وعن استئصال حالات التطرف والإرهاب جذرياً يقول الأخ عبد القوي الشميري “تاجر”: إنه يجب الاتجاه نحو الجذور لمعالجتها كون هذه المشكلة هي في الأساس مشكلة ثقافية وفكرية بحسب ما يراها، حيث تشكّل عقل الإنسان بمجموعة من المفاهيم الخاطئة لتكوّن لديه أيديولوجيا، يكون فيها مستعداً للموت في سبيلها، لذلك فإن المعالجة الفكرية هي الأهم في مكافحة الإرهاب، إلا أن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون مجرّدة من إصلاحات كثيرة مصاحبة لها، وهي إتاحة الحرية الفكرية مع الرقابة لتلافي أي انحراف قد يحصل، وبالتالي يمكن تلافيها ومعالجتها سريعاً قبل أن يستفحل وينتشر، وأن نقوم بانقلاب ثقافي وفكري يغير الوعي ويصحّح المفاهيم. ويضيف الشميري: إنه من الصعب جداً أن يتم استئصال العنف والإرهاب من جذوره لتحقيق الهدف المنشود إلا إذا منعنا استغلال الدين تحت أي مسمى وباسم أية جماعة، وحققنا العدالة المنشودة، وجففنا الفقر، وحدينا من البطالة، فنحن يمكن أن نقول إننا وضعنا أرجلنا على أول طريق استئصال الإرهاب. وأضاف: من يريد القضاء على الإرهاب عليه تجفيف منابع تمويله أولاً داعياً إلى تكثيف عمليات التوعية ضد الإرهاب والقوى السياسية ذات النزعات الطائفية والسياسية حتى لا تتسع مساحات الأعمال الإرهابية. معالجة الأسباب أما المقدم حِمير الحورش فيرى أن الإرهاب حزام الجبناء وسلاح المهزومين، فالإرهاب لا يميّز بين طفل وعسكري ولا يفرّق بين صنعاء والبيضاء ولا بين صعدة أو حضرموت أو غيرها من المدن، فالمعركة التي يجب أن تكون هي معركتنا ضد تنظيم القاعدة وتشعباتها.. ويرى الحورش أن مكافحة ظاهرة الإرهاب تحتاج إلى معالجات الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة في المجتمعات خاصة المجتمعات الفقيرة والتي ينتشر فيها ملايين العاطلين عن العمل، حيث يجد الشباب الفقير العاطل عن العمل والفاقد للأمل في حياة كريمة مع الجماعات الإرهابية ما قد يوفر لهم ملاذاً لمواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المزمنة، مستغلين التوجّه الديني بين الشباب، فمحاربة الإرهاب تحتاج إلى إخلاص وصدق وإلى كادر أمني وعسكري وقضائي على أعلى درجات المعرفة والخبرة. [email protected]