أبو العلاء المعري في رسالته (الغفران) لم يُغفر له، ودانتي في (الكوميديا الإلهية) انقلبت به إلى تراجيديا مأساوية، والجنة الشائفة ل(ملتن الإنجليزي) انسكبت عليه كالنار الملتهبة، وشظايا ورماد ل(نازك الملائكة) انفجرت بها وشظتها إلى شظايا صغيرة ولم يبق منها إلا الرماد، والأجنحة المتكسرة ل(جبران خليل جبران) تكسرت عليه الخوافي والقوادم في الأجواء، ونتفت ريشه، وسقط على الأرض صريعاً مقصوص الجناح منتوف الريش. وأغاني الرعاة ل(أبي القاسم الشابي) أوتارها تقطعت، وعيدانها تكسرت، أما الرعاة فسقط عليهم الودق، ونزل عليهم من السماء من جبال فيها من برد فأصابهم وجرفهم السيل وقطعهم قبل أن يقطعوه وأخذ مواشيهم فلم يغنوا ولم يرعوا. أما إيليا أبو ماضي في (جداوله وخمائله) فقد بعثرها بيده، فجر الجداول وقطع الخمائل، أعياه الوحل في (تبر وتراب) وأذاب التبر في صافي اللجين وخليط العجين من الطين، وفي (تذكار الماضي) ندم وتفاءل وأقبل على الحياة وقد تزين بثوب التفاؤل والتذبذب ميلاً قليلاً إلى التشاؤم؛ بسبب هجرته عن مسقط رأسه ومكوثه في بلد المهجر بعيداً عن أهله وأحبابه.. أصمعيات (عبدالملك بن قُريب الأصمعي) صُمت عن السمع، وأخرست عن الكلام، وكفت عن النظر، فلم تسمع، ولم تتكلم، ولم ترَ شيئاً. روميات (أبي فراس الحمداني) إشارتها تغني عن عباراتها؛ فهي رومية الهوى رومية المأوى، لم يغله المهر في خطبة الحسناء، لكنه لم يلق الحسناء بسبب سجنه. ابن المفقع اسمه على جسمه؛ فقد تقفع جسمه وتفطر بسبب الضرب حتى الموت من قبل الحجاج بن يوسف، وفي كليلة ودمنة وأدبه الصغير والكبير خلطهم بالفارسية كثيراً بل بالكلية، ولم يترجموا إلى العربية إلا أخيراً بأمر من العباسيين.. أما أبو تمام في حماسته فقد احتفل بعناصر الصنعة البديعية من طباق وجناس فخرج عن أعين الناس، ترك المعنى والمضمون فغابت عنه العراقة والأصالة. أما ابن دريد في جمهرته فقد تسول علومها من كتاب العين للخليل بن أحمد فقالوا عنه: ابن دريد بقرة وفيه عيٌ وشره ويدّعي من حمقه وضع كتاب الجمهرة وهو كتاب العين إلا أنه قد كمله وكتاب العين للخليل أصابته العين لأنه لم يحرسه بالمعوذتين، أما (الأغاني) ل(أبي فرج الأصفهاني) فقد اشترى فيها لهو الحديث ليضل بها عن سبيل الله بغير علم ولا هدى. كل هذه «الخربشات» الأدبية تدعونا إلى أن نعود إلى تلك الكتب ونقرأها وننقب عن ثرواتها ونتأملها أكثر بعد أن ابتعدنا عنها وقلّت ثقافتنا التي نحن بحاجة ماسة إليها.