ما أن يطل شهر كانون الأول «ديسمبر» من كل عام يرحل الصيف عن أديم التراب ويودّع المزارعون أنس رياض حقولهم ليحل ضيف الشتاء الذي لا يناسبه تموجات اخضرار الحقول أو حتى يبلغ الزرع مبلغه؛ فمنتجات المزارعين اليوم في محافظة ذمار ترزح تحت وطأة موجة الصقيع التي حوّلت حبوب سعادتهم وبذور وفائهم للأرض التي زرعتها محبّة العطاء إلى لون رمادي داكن اختفت معه الابتسامة.. تحذيرات حذّرت وزارة الزراعة والري المزارعين والقاطنين في مناطق المرتفعات الجبلية وخاصة محافظات«صنعاء، عمران، صعدة، ذمار، البيضاء، إب» من موجة برد شديدة قادمة من القارة الأوروبية قد تضرّ المحاصيل الزراعية وتحمّل المزارعين خسائر اقتصادية كبيرة إثّر تدنّي درجات الحرارة وفقاً لمؤشرات الأرصاد الجوية، ويدعو الخبراء الزراعيون إلى سلسلة إرشادات زراعية من شأنها المحافظة على المحاصيل الزراعية وتجنب تعرّضها للتلف. تحت الصفر كما هو معلوم أن محافظة ذمار واحدة من أكثر المحافظات برودة، حيث انخفضت درجات الحرارة فيها مؤخراً إلى تحت الصفر، وفي هذا السياق يقول المهندس عبدالله عامر، مدير عام مكتب الزراعة والري في المحافظة إن موجة الصقيع تبدأ عادة في منتصف شهر نوفمبر وهو ما أعلنت عنه الوزارة ومركز الإرصاد الجوي وفي الغالب يكون منتصف شهر ديسمبر إلى منتصف شهر يناير هو ذروة البرودة الشديدة الأمر الذي يسبب موجة صقيع تطال المزروعات الشتوية وهو ما سينعكس سلباً على منتجات المزارعين وخاصة الخضروات التي انخفض إنتاجها في كثير من المناطق الزراعية بذمار. إرشادات وفي معرض كلامه يقول المهندس عامر:ولتجنُّب أضرار ذلك يقوم مكتب الزراعة والري في المحافظة بنشر التوعية للمزارعين في المناطق التي تطالها موجة البرودة من خلال وسائل الإعلام المختلفة عبر مجموعة من الإرشادات والممارسات الزراعية بهدف التقليل من حدّة تداعيات موجة الصقيع على المنتجات الزراعية وما تلحقه من خسائر اقتصادية على المزارعين، وبالرغم من عدم وضوح مقدار المساحات التي تضرّرت في مختلف المناطق؛ إلا أن المزارعين الذين أخذوا التحذيرات والإرشادات الزراعية على محمل الجد ساعد بدوره في مواجهة أضرار الصقيع، حيث وصلت نسبة الضرر عندهم إلى مستويات ليست كبيرة على عكس الذين لم يتفاعلوا مع هذه الإرشادات؛ فقد تتفاوت الآثار الارتدادية من حقل إلى آخر، ومن مزرعة إلى أخرى. حزنٌ وإحباط ومهما يكن من أمر فقد أفاق المزارعون في كثير من قرى وقيعان محافظة ذمار على رؤية حقولهم الزراعية وقد دُمّر عددّ منها بفعل موجة الصقيع التي مثلما ضربت حقولهم حطّمت آمالهم وأحلامهم في تعويض خسائرهم، ويسود الحزن والإحباط صفوف المزارعين في شتّى أنحاء قيعان ذمار خاصة ممن يزرعون الخضروات، وفيما أوضحت بيانات الإحصاء الزراعي أن محافظة ذمار تحتل المرتبة الأولى في كمية الإنتاج والثانية من حيث نسبة المساحة المزروعة بالخضروات على مستوى الجمهورية؛ إلا أن المعطيات التي يتداولها المزارعون تؤكد أن موجة الصقيع انخفضت معها زراعة الخضروات إلى أكثر من النصف تقريباً ويقومون بإتمام أعمال زراعية إضافية إلى تحمُّلهم أعباء مالية لم تكن ملحوظة لديهم بحيث أصبحت الخسارة أكبر من قدرة المزارع على تحمُّلها. صقيع لا يرحم وفي هذا الجانب يقول المزارع سند محمد: موجة الصقيع كبّدتنا خسائر مالية كبيرة؛ قضت على معظم محاصيلنا الزراعية خاصة الخضروات مما ضاعف من معاناة المزارعين، وبادر عدد منهم إلى القطف المبكّر خشية أن تتلف بسبب موجة الصقيع والبرد القارس، ومع هذا فإن حجم الأضرار التي خلّفها الصقيع كان كبيراً، وكل ما استطعنا فعله هو الحفاظ على نسبة قليلة جداً لا يمكن أن تعوّض خسارتنا. ما في اليد حيلة أما المزارع ناصر أحمد فقد قال: لم يعد في اليد حيلة؛ ما كان ينقصنا سوى الصقيع، ألا يكفينا الدور الخجول للمؤسّسات والهيئات الزراعية لمتابعة هموم ومشاكل المزارعين وارتفاع أسعار المُدخلات الزراعية وقطع الغيار والديزل؛ إلى جانب تأثرنا كمزارعين بانخفاض أسعار المنتجات الزراعية من الخضار وغيرها مع غياب السياسات التسويقية المؤسّسية من تسويق وتخزين وآلات وإمكانيات تساعد المزارع على تصريف محاصيله الأخرى..؟!.. ولفت إلى أن المزارعين اليوم يجهدون في سبيل تقليل حجم الخسائر؛ وذلك بإتمام أعمال زراعية إضافية تحمّلهم أعباء مالية لم تكن ملحوظة لديهم بحيث أصبحت الخسارة أكبر من قدرة المزارع على تحمُّلها. تعويض ومن جانبه تحدّث الأخ منيف الصعتري قائلاً:باتت خسائرنا كمزارعين اليوم عبئاً إضافياً مرهقاً، فمع تزايد الوضع الاقتصادي ركوداًَ وغلاء المعيشة المتصاعد؛ تأتي موجة الصقيع لتزيد الطين بلّة، فمثلاً زراعة البرسيم وما تحتاجه المواشي من أعلاف تكلّفنا اليوم كثيراً نظراً لمحدودية العرض، ومن جهة ثانية طالت موجة الصقيع أيضاً مزارع تربية الدواجن والتي تسبّبت بنفوق كثير منها رغم الجهود التي يبذلها أصحاب هذه المزارع إلا أنها لا تخلو من الخسائر.ونطالب الجهات الرسمية بالوقوف على حجم الأضرار والخسائر الناجمة عن الصقيع وتعويض المزارع على خسارته من أصحاب العلاقة بمبالغ ماليّة؛ أو أقلّه تخصيصهم مساعدات عينيّة زراعيّة. القات أخرج..!! كما تحدّث الأخ محمد يحيى صلحي قائلاً: هذه الأيام لفحة الصقيع لا تسعف المزارع لزراعة محاصيل شتوية لا يجني من ورائها إلا الخسارة؛ لذلك أقوم بتركيز جهدي في الاهتمام على شجرة القات، حيث أقوم بتغطية مساحات عدد من مزارع القات بثلاث طبقات من القماش إلى جانب تدفئتها طوال ليالي هذه الأيام، وهذا هو حال كثيرين من المزارعين اليوم هنا، حيث تحوّلوا إلى زراعة القات نتيجة الانخفاض المستمر في درجات الحرارة، ويرون أن المساحات المزروعة بالقات تعمل على توفير سيولة كافية لاحتياجاتهم واحتياجات أسرهم الكبيرة العدد؛ إلى جانب مواجهة نفقات واحتياجات الأعمال الإضافية خلال موسم الشتاء. كبحت مستوى العرض هذا الواقع أثّر بشكل كبير على أسعار المنتجات الزراعية وخاصة الخضروات، حيث انخفضت المنتجات الزراعية في السوق إلى أكثر من النّصف تقريباً هذه الأيام، فلفحة الصقيع التي كبحت مستوى العرض وزادت من تكاليف المدخلات والعمل تحت ظروف الأجواء الباردة، عوامل مجتمعة أو منفردة دفعت إلى ارتفاع أسعار الخضروات في الأسواق. من جانبهم تجّار الخضار أرجعوا ارتفاع الأسعار وانخفاضها إلى عاملي العرض والطلب؛ إذ يتأثر بالظروف المناخية في الصيف والشتاء، وبالتالي انخفاض أو ارتفاع الأسعار، حيث يقول صادق محمود «تاجر خضار»: أسعار الخضروات اليوم أصبحت مرتفعة لعدّة أسباب أهمّها قلّة العرض نتيجة موجة الصقيع التي تدفع المزارعين إلى عدم الإنتاج، ودفعت أيضاًَ إلى ارتفاع أسعار العمالة إلى الضعف؛ لأن الكثيرين من العمال يشترطون مبالغ مالية إضافية كونهم يعملون تحت ظروف الأجواء الباردة، إلا أن أيام الوفرة تعد أنسب لهم على اعتبار أن غلاء أسعار الخضروات يدفع بكثيرين من المستهلكين إلى الإحجام عن شرائها. لا غنى عنها أما الأخ راجح «تاجر خضرة» فقد قال:بسبب ندرة المعروض لعدد من أنواع الخضروات في ذمار؛ نضطر إلى استيرادها من محافظات أخرى يزيد من مضاعفة أسعار النقل والتحميل، وهذا شكّل أيضاً عاملاً مهمّاً في ارتفاع الأسعار في سوق الخضار للبائع والمستهلك المستقبل الأخير لهذه المنتجات الزراعية الضرورية التي لا غنى عنها في العملية الغذائية. وفي هذا الإطار يقول الأخ وليد ياسين:أتمنّى ألا تستمر موجة الصقيع طويلاً، فأسعار المنتجات الزراعية الشتوية وخاصة الخضروات مرتفعة في الأسواق، فكثيرون من المستهلكين اليوم أحجموا عن شراء عدد من أصناف الخضروات نظراً لعدم مواءمة أسعارها اليوم مع دخل المواطن، فيما يرى محمد الحاشدي أن مبلغ ال 500 ريال الذي كان يشتري به الخضار لاحتياجات عائلته لكفاف يومين أو يزيد قبل موجة الصقيع؛ اليوم أصبح المبلغ الضعف، والسبب يعود إلى ظروف الأجواء الباردة وأثرها على المزارعين في كيفية التعامل مع زراعة المحصول بدءاً من الإنتاج حتى وصوله إلى المستهلك. عملياً يصعب العثور على مزارعين لا يشكون حالهم بسبب موجة الصقيع، وعملياً حاول الكثيرون منهم أخذ التحذيرات على محمل الجد، مستخدمين العديد من الطرق منها ما يتعيّن زراعته على طول السلسلة الزراعية من المحاصيل الشتوية بدءاً من الإنتاج حتى وصوله إلى المستهلك وبما يخفّف الأعباء على المزارع ويجنّبه الخسائر الاقتصادية؛ إلا أنها بدت غير فاعلة لدى عدد منهم.