عرفناكم من ساحات الحرية وميادين التحرير صوتاً هادراً يعصف ويزمجر في وجه الطغيان، مواقفكم الوطنية الشجاعة أثلجت صدورنا وفتحت لنا آفاقاً رحبة نحو التفاؤل والأمل بأن غداً سيكون أفضل وأجمل لاسيما بعد تعيينكم وزيرة للثقافة، هذه الوزارة المثقلة بأعباء المسؤولين الفاسدين الذين شاخوا فيها وعمّروا في مؤسّساتها الثقافية سنوات طوال، فتحوّل الفعل الثقافي فيها إلى مجرد وسيلة للارتزاق والتكسب ليس إلا..!!. لهذا ضاعت بسبب هؤلاء المستهترين والعابثين بثقافتنا الوطنية كل القيم الجمالية والروحية، وصرنا نعيش حالة خواء ثقافي بسببهم للأسف، وأهملت كذلك رسالة الثقافة الوطنية والأخلاقية ودورها التوعوي المجتمعي في بناء الإنسان اليمني الجديد، حتى إن الوزراء السابقين للأسف عجزوا عن فهم دورهم للفعل الثقافي الخلّاق لعدم قدرتهم الفكرية على استيعابه وقلّة مداركهم المعرفية بماهيّة الثقافة وتحدّياتها العصرية في مواجهة مخاطر «العولمة» ومدى انعكاسها على واقعنا الثقافي العربي.. لاسيما أن العولمة في عصرنا الراهن تؤدّي إلى تعطيل تفاعل الذاتيات المولّدة بدورها للتقدّم والنمو الإنساني فيتحوّل المثقف والمبدع في عالمها إلى مجرد مستهلك. وإزاء هذا التوقف الفكري والجمود الإبداعي في ثقافتنا الوطنية؛ فقد شُلّت حركة مؤسّساتنا الثقافية المنتجة للفكر والإبداع وصارت مستهلكة غير قادرة على التفاعل الثقافي؛ وهكذا ظلت ومازالت تحوم في دائرة الفساد والمفسدين. لهذا أصبحت وزارة الثقافة في بلادنا مجرد وزارة هامشية أو عبارة عن ديكور من ديكورات التشكيلة الحكومية لمجلس الوزراء؛ لأن القائمين عليها هم من أساءوا فهمها مجتمعياً وأخلّوا بدورها الريادي العظيم في التوعية الجماهيرية؛ لأنهم فعلاً يجهلون القيمة الحقيقية لوزارة الثقافة، فهي واحدة من أهم الوزارات وأعظمها فاعلية ولكن ليس هنا في اليمن ولا في مجتمعنا العربي وإنما هناك في الغرب. لأن وزارة الثقافة لا تقل مكانةً ولا ينقصها قدراً عن مكانة وقدر وزارة الداخلية مثلاً «فإذا كانت مهمّة دور رجل الأمن حماية المجتمع من الجريمة؛ فإن مهمّة دور المثقف والفنان والمبدع حماية المجتمع أيضاً من أي غزو فكري متطرّف أكان من الداخل أو غزو فكري من الخارج» وهنا تكمن عظمة وزارة الثقافة وأهمّيتها في محاربة التطرُّف والعنف والإرهاب، ولكن للأسف تدني مستوى الوعي الثقافي لدى قيادتنا السياسية ونظرتهم ضيقة الأفق حولها واعتبارها مجرد وزارة للرقص والطرب وغيرها من الوسائل الترفيهية للأسف الشديد، الأمر الذي نتجت عنه مردودات وخيمة عكست نفسها سلباً على واقعنا الثقافي وعلى مثقّفينا أنفسهم، وأصبحنا نعاني اليوم في بلادنا من أزمة ثقافة وأزمة مثقّفين، وهذه هي الحقيقة بعينها..!!. سيدتي معالي وزيرة الثقافة: كما يقال إن لسان الحال أفصح من المقال، رحم الله الأستاذ خالد الرويشان، وزيرة الثقافة الأسبق، ونتمنّى له الصحّة والعافية؛ فهو الوزير الوحيد الذي جعل من ثقافتنا الوطنية تزهو وتتباهى بما تمتلكه من مكتنزات تراثية وإنسانية وحضارية عظيمة جعلتنا أمّة نفتخر بتاريخنا وأصالتنا وعراقتنا فعلاً. سيدتي الوزيرة لقد كان عهد الرويشان العصر الذهبي لوزارة الثقافة، والسبب في نجاح الوزير خالد الرويشان هو أن الفاسدين في وزارة الثقافة لم يقض عليهم أو يقيلهم من مناصبهم؛ بل تجاهلهم كمسؤولين وترك لهم مبنى وزارة الثقافة بكاملها يقلّمون أظافرهم، وشكّل له طاقماً صغيراً من المثقّفين الشرفاء، وكانت في عهده فعلاً صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م من مكتبه الصغير في المركز الثقافي بصنعاء، كانت ثقافتنا الوطنية تزيّن أعراسها قوافل ثقافية تتوافد من كل محافظاتاليمن مهرجانات فنية، عروض مسرحية، معارض فنية، إصدارات، وطباعة كتب متنوّعة وندوات فكرية وأدبية ومهرجان ليالي عدن المسرحية ووفود عربية وأجنبية من 2004م حتى منتصف 2007م، كانت لدينا وزارة الثقافة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبعد منتصف 2007م انتهت وزارة الثقافة للأسف..!!. فهل أوصلت رسالتنا إلى سيدة المشاقر معالي وزيرة الثقافة..؟!، المشكلة كلها تكمن في وزارة الثقافة عند أولئك المسؤولين الفاسدين المعمّرين في الوزارة ويتطلّب من الوزيرة الفاضلة عملية تطهيرهم، سألت يوماً أحد الوكلاء في الوزارة: «يا أستاذ أنا عرفتك وكيلاً لوزارة الثقافة أكثر من 24 سنة، وحتى قبل الوحدة وأنت وكيل وزارة، متى باتكون وزير إن شاء الله..؟!» أجابني مبتسماً: «وكيل دائم ولا وزير مقال..!!». نتمنّى من الأستاذة أروى عثمان، وزيرة الثقافة كل الخير، وأن تشهد وزارة الثقافة في عهدها طفرة ثقافية كبيرة، وإن غداً لناظره قريب. * مخرج وكاتب مسرحي