دافع الدكتور عبدالله عوبل، وزير الثقافة اليمني، عن دور وزارته، وأقر باستمرار المعاناة في مسألة تدني اهتمام الدولة بالثقافة وشؤونها، وقال: «على صانع القرار السياسي أن يفهم أهمية الثقافة ودورها في المجتمع وأن يلبي إمكاناتها اللازمة لتقوم بدورها». الوزير عبدالله عوبل تحدث ل«المصدر أونلاين» في حوار فيما يلي نصه:
حوار: محمد صالح الجرادي
• يؤخذ على وزارتكم أنها من أقل الوزارات فاعلية وحركة، خلال الفترة الوجيزة الماضية؟ - ليس صحيحا هذا، وأعتقد بأننا عملنا وفقاً لظروف الوزارة وإمكاناتها، ونعتقد أيضاً بأننا حتى الآن، عملنا على أكثر من جهة وأكثر من جانب، سواءً ما يتعلق باستصدار قوانين، أو وضع تعديلات على أخرى، وكلها تتصل بالثقافة وشؤونها وما يتصل بتنفيذ نشاطات ثقافية عدة.
• معالي الوزير: نود أن نعرف بالتحديد، ولو بإيجاز، أشكال الأعمال المنجزة، كما تقول؟ - أنجزنا مثلاً قانون المدن التاريخية، وحماية الآثار والمخطوطات وحركنا قانون المؤلف.
• مقاطعاً: وأدى ذلك كما نعلم إلى تقديم رئيس هيئة الكتاب الأستاذ عبد الباري طاهر استقالته من موقعه احتجاجاً على الإصدار الرسمي لإبقاء القانون على هيئته التي لا تخدم حرية التأليف والإبداع؟ - نعم، ونحن في الوزارة كنا احتجينا أيضاً، وقد استطعنا أن نقدّم مقترحات لتعديل القانون، وأوصلنا هذه المقترحات إلى الشؤون القانونية التي بدورها ستدرسها وتقدِّمها إلى الحكومة ومن ثم إلى البرلمان.
• هل تأملون نجاح هذه المقترحات؟ - نحن نأمل ذلك، ونأمل أن تسير الملاحظات اللاحقة عليها في اتجاه ما أردنا أن تكون عليه التعديلات من عناية بوضع المؤلف، والحرية الفكرية والإبداعية عموماً.
لجان تصحيح وضع صندوق التراث لم تنجح في مهامها فاختصرنا الطريق بزيادة استحقاق المبدعين وتخفيضها بالنسبة للإداريين • إلى هنا كان الحديث على صعيد القوانين، فماذا عن عمل وزارتكم على صعيد النشاط الثقافي والفكري والإبداعي؟ - بلا شك، الوزارة نفذت الكثير من النشاطات الثقافية الخارجية، وعملت على المشاركة في فعاليات مسرحية، وسينمائية، وغنائية، ضمن مهرجانات خارجية طوال الفترة الماضية، كان آخرها مشاركة الوزارة في الجزائر، والقاهرة، ضمن مهرجانين، أحدهما للفنون الشعبية، والآخر للسينما.
• مقاطعاً.. هذا عن المشاركات الخارجية، وهي -كما تعلم- غير منظورة بالنسبة للكثيرين في الداخل، السؤال: ماذا عن نشاطات الوزارة على هذا الصعيد الأخير؟ - الوزارة عملت على هذا الاتجاه خلال الفترة الوجيزة الماضية، ويكفي أن تعلم أن أكثر من عشرين مسرحية تم تنفيذها بين صنعاء وعدن وتعز ومحافظات أخرى، بالإضافة إلى معارض للفنون التشكيلية، والفوتوغرافية، للعديد من الفنانين الشباب. وهناك من هذه المعارض من تلقت الوزارة دعوات لإقامتها في بلدان أوروبية وعربية، سواءً عبر سفاراتها الموجودة في صنعاء أو عبر الجهات المعنية بالفنون الخاصة بالأعياد والثقافة هناك، هذا إلى جانب المهرجانات الوطنية. ولا أنسى أيضاً مشروع إصدار الكتاب، وقد أصدرنا حتى الآن عشرة عناوين، ويواصل هذا المشروع استقبال النصوص من خلال لجنة مشكّلة لهذا الغرض.
• مقاطعاً.. اسمح لي معالي الوزير بالإشارة إلى لجنة إصدار الكتاب أو لجنة النصوص، يتردد أن اللجنة قزّمها الدكتور عوبل وهشمها هشام علي الوكيل ورئيس اللجنة؟ - (ابتسم) .. لا . لا، وبعدين هي اللجنة في الأساس لمهمة قراءة النصوص وإجازتها، أو عدم إجازتها، وليس فيها ما يعتقد بأنها نوع من الرقابة المسبقة. وللأسف، هناك الكثير من النصوص المقترحة إلى اللجنة يعتذر بشأنها عن عدم جواز نشرها لأسباب لا تتعلق بأي شكل من أشكال الرقابة أو تقييد حرية الإبداع، وبالتالي يمكن تفهم مثل هذا الالتباس لدى البعض.
• دعني أعود إلى إشارتكم إلى المهرجانات الخاصة بالأعياد الوطنية، تظل الإشكالية قائمة، مخصصات باهظة وضخمة، لهذه المهرجانات، ويحدث لاحقاً أن الذين يعملون عليها لا يجدون مستحقاتهم كاملة؟ - هذا كان يحدث في السابق، الموازنات الباهظة والضخمة، وشكاوى عدم وصولها إلى المستحقين من العاملين في الفعاليات. أما الآن، فإن الجميع يعرف أن وزارة المالية لم تنفذ التوجيهات الخاصة بصرف استحقاقات فعاليات الأعياد الوطنية كاملة كما هي، ثم إن هناك الفارق واضح بين ما كان ك أبريت "خيلت براقاً لمع" مثلاً، وبين ما نفذته الوزارة ك أبريت "نشوان والراعية"، الذي تم عرضه في ميدان العرضي في احتفال العيد الذهبي لثورة 26 سبتمبر.
• معالي الوزير، نجحت الوزارة في استصدار قرار حكومي باعتماد تعز عاصمة للثقافة، لكن إلى أي مدى يمكن التعويل على نجاح القرار فعلياً، بالنظر إلى الظروف الواقعية التي وصلت إليها تعز، وخاصة خلال الأحداث السياسية الأخيرة، وما رافقها من تداعيات أفرزت اشتعال عنف وفوضى مسلحة لم تكن من الصورة الثقافية لتعز المدنية على الإطلاق؟ - أولاً، نحن نعول على قدرات المحافظة، وعلى تفاعل السلطة المحلية هناك، ثم أيضاً تفاعل النخبة التجارية التي ستعزز التوافر على بنى تحتية لأزمة بيئية ثقافية ونشاط ثقافي حقيقي.
نحتاج إلى جهود كبيرة لتجاوز التراكمات المجحفة ضد الثقافة والمثقف وعلى صانع القرار السياسي فهم أهمية الثقافة ودورها في المجتمع • وماذا عن النخبة المثقفة؟ - أيضا ًنعوّل عليها .
• لكنها تشعر بالتهميش والإقصاء.. - ليس صحيحاً أن التهميش والإقصاء يعانيه المثقفون في تعز، أو الثقافة في تعز. اعتقد بأن حالة التهميش والإقصاء طيلة السنوات والعقود الماضية شملت المثقف والثقافة في عموم البلاد.
• أشكال هذا التهميش أو الإقصاء ضمن المثقف والثقافة ما تزال تمارس حتى الآن بالرغم من إدعاءات التغيير والشعارات الفضفاضة والعريضة؟ - هذا صحيح، لكننا نعيش تراكمات عشرات السنوات، وهي تراكمات ثقيلة ومجحفة في حق الثقافة والمثقف، وأعتقد بأننا بحاجة إلى إعادة النظر في هذه المسألة، بحاجة إلى استيعاب أهمية الثقافة في تعز غير الهوية الثقافة والحضارية والتاريخية وأهميتها في خلق الوعي ونشر المعرفة، وهذا لن يتم إلا بإيلاء الثقافة دعماً سخياً يمكّنها من بناها اللازمة، ويحقق شروط التفاعل الإبداعي لطاقاتها البشرية، لأنه –للأسف- لا تزال الثقافة تراوح في شكلها ومبناها الرسمي بين الفعل المناسباتي الاحتفائي، كمهرجانات الأعياد الوطنية، وإيقاعات البرع والرقص فقط، وهذه النمطية المؤسفة حملتها سنوات وعقود من التعامل مع الثقافة بهذا التفكير.
• مقاطعاً.. برأيكم لماذا تهميش الثقافة والمثقف؟ - أولاً: لأن صانع القرار السياسي لا يريد أن يعطي للثقافة إمكاناتها اللازمة لتقوم بدورها في المجتمع. ثانياً: المثقف الذي يريد أن يتحرك في اتجاه حضور عضوي للثقافة داخل المجتمع يجد الكثير من الصعوبات والعوائق، ولذلك يمكن ملاحظة كيف تعامل النظام السابق مع المثقفين، حيث وجد الكثيرون أنفسهم في أحضان النظام والسلطة، وعاشوا بلا حياة معيشية كريمة. بعكس أولئك الذين وجدوا أنفسهم في "المعارضة" أو مستقلين، هؤلاء واجهوا وما زالوا يواجهون ظروفاً صعبة وقاسية. وإجمالاً أقول: على صانع القرار السياسي في البلد أن يفهم دور الثقافة وأن يلبِّي الإمكانات التي تؤهلها للقيام بدورها.
• عفواً، نحن نعيش مرحلة تحول، الآن أنتم كأحد وزراء حكومة الوفاق، أبرز هذه التحولات، السؤال لشخصكم ولموقعكم: هل يستطيع الدكتور عبد الله عوبل من موقعه اليوم كوزير للثقافة، أن ينجز في هذا الاتجاه شيئاً؟ - لا أستطيع، ولا أدِّعي أن باستطاعتي فعل ذلك. وليس لديّ عصى سحرية لتحقيق طموح التحول الثقافي فجأة في البلاد. ومعلوم أننا كوزراء معينين لفترة انتقالية (عامين) في إطار حكومة توافقية، وفي إطار تسوية سياسية، الواقع في الحقيقة صعب!
قرارات التعيينات في الوزارة لم نحتكرها لحزب التجمع • مقاطعاً.. هذا ما لا تقر باستطاعتك فعله، على صعيد المشهد الثقافي في العام، لكن هل تستطيع معالي الوزير أن تنجز ما لم ينجزه من سبقوك إلى رأس الوزارة، في تحرير قطاعاتها من إقطاعية الطلاء؟! - ليست المسألة كما تصفها بإقطاعية، لكن دعنا نتفق أن الحاجة ضرورية إلى إعادة هيكلة الوزارة، وإعادة النظر في لوائحها الداخلية، بحيث تمكننا من إنهاء حالة الاشتباك في الصلاحيات، والتداخلات في المهام. نحن نسعى في هذا الاتجاه، مع إدراكنا أن هذه المسألة هي نتيجة طبيعية لعشرات السنوات من الاختلالات الإدارية القمعية التي عاقت التوافر على العمل المؤسسي في كثير من أجهزة الدولة ومؤسساتها.
• أسمح لي معالي الوزير، في هذا السياق، أن ألفت إلى موضوع الترشيحات التي تقدمتم بها لتصدر بشأنها قرارات جمهورية، بالنسبة لعدد من قطاعات الوزارة وهيئاتها، يقال إنكم رشحتم أشخاصا ينتمون إلى حزبكم "التجمع الوحدوي" لشغل مواقع لا علاقة لهم بها، ولا تتلاءم مع تخصصاتهم؟ - صحيح، تقدمت بترشيح المهندس جميل شمسان القائم بأعمال رئيس هيئة المدن التاريخية، وشمسان هو ابن الهيئة، ويعمل فيها منذ 25 عاماً، وتم ترشيحه لأهليته، وليس لأنه من حزب "التجمع"، وهو مهندس معماري مشهور، وله بصمات في كثير من مباني المؤسسات الحكومية والمصرفية في صنعاء وغيرها. أيضاً، رشحت الأخ عمر محمد عمر، وقد استقال من إدارة مكتبي، وهو قائم بأعمال وكيل الوزارة لقطاع المتاحف والآثار الآن، وهو أيضاً ابن الوزارة ويعمل فيها منذ ثلاثين عاماً.
• ننتقل إلى صندوق التراث والتنمية الثقافية، فقد أعلنتم عن تشكيل لجنة في الأسابيع الأولى لتوليكم قيادة الوزارة، مهمتها إعادة النظر في طبيعة عمل الصندوق، إلى اليوم لا لجنة التأمت ولا نتائج تُذكر؟ - صحيح، شكلنا لجنة ثانية وثالثة إلى الآن ولم تؤد إلى نتائج، فاضطررنا إلى أن نتدخل لإصلاح الصندوق.
• تقصد أن اضطرار تدخلكم شخصياً.. وعبر ماذا.. إصلاحه، مثلا؟ - اتخذنا قراراً بزيادة استحقاقات الفنانين والمبدعين من الأدباء.
• هناك شكاوى بتخفيض هذه الاستحقاقات؟ - هذا التخفيض ينطبق على الإداريين بمن فيهم الوكلاء. وفي الحقيقة، الإداريون لا يستحقون الدعم من الصندوق، لأن له شروطا للإنفاق. فهو أساساً لدعم طباعة الكتب والمجلات، ودعم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في حفل الثقافة، ثم دعم الفنانين والمبدعين في حالات المرض أو الوفاة، وكذلك دعم ترميم المواقع الأثرية والقلاع التاريخية، ودعم جهود ترميم واكتشاف الآثار، ودعم النشاط الثقافي، ونستطيع القول: إننا -إلى حدٍ ما- حاولنا إعادة الصندوق إلى العمل، وفق هذه الوظائف المحددة.