فقتُ باكراً؛ فوجدت القمر منيراً بجانب الشمس، والطيور تغرّد وسط مياه البحر، وتسبح بكل تناغم وانسجام.. لم أستوعب المنظر فكرّرت النظر عدة مرات، فوجدت مركباً يتقدم نحوي وركّابه جميعهم أطفال دون سن الخامسة في يد كل واحد منهم فسيلة صغيرة، وصوت الضحك يطغى على صوت محركات المركب. تبسمت دون شعور وأنا أنظر إليهم والفسائل في أيديهم؛ تذكّرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛ فليغرسها]. نعم تعجبت للأمر، فالأمور كلها ليست على ما يرام، وكل شيء آنذاك يدل على وجود حركة مثيرة وغريبة في المكان، كنت أنتظر فقط صوت البوق، لم أفق من خيالي إلاّ بعد أن صار الأطفال يركضون حولي، وأصبحوا يحومون حول الشاطئ متفرّقين ليُغرس كلٌ فسيلته، توقفت قليلاً؛ أشجار على الشاطئ..؟!. لم أفق من وهمي مسايرة الأمر بنوع من الخيال، فكل هذا معقول إلا المنظر القادم من أعالي الجبال؛ أُناس يوقدون النيران في عز النهار، هُنا جننت مسرعة نحو الجبل فلم أجد أحداً؛ فقط نيراناً تشبُّ لتشكل شيئاً لم يكتمل بعد، لأول مرة أحب النار وأقف أسرح بها وأتغزّل بنعومتها، عُدتُ بنظري إلى الخلف والأطفال يلاعبون الطيور وسط البحر، ولم أسمع سوى صدى أصوات ضحكاتهم الجذابة، يا إلهي منظر في قمّة الروعة: أطفال وماء وطيور وجبال، لكن النار تخيف حتى هذه اللحظة نوعاً ما. ظللت منتظرة تَشَكُل النار حتى الغروب، ولم يتسن لها بعد أن تُفصح بما في داخلها، والمكان بدأ يخلو من كل شيء سوى خرير الماء وصوت الأمواج الهائجة، اقتربت منها وبدأتُ أُلامسها، لم تحرق أصابعي، إنها باردة ودافئة، ولم تُؤذِ أحداً بالرغم من طول اشتعالها لو رآها أحد من بعيد لاعتقد أنها شيء مميت وغضب إلهي. هي حروف مبعثرة؛ فضولي دعاني إلى الاقتراب أكثر، كنت ألاحظ حروفاً واضحة لكن تحتاج إلى صياغة وترتيب، عملت وقتها كمحلّل سياسي، احترت وما نفعت حيرتي شيئاً، نهضت بشدّة لأشكّل أنا الكلمات فوجدت الحروف التالية: «أ-م-ل-ق-ا-د-م» بنفس الترتيب هذا، فأخذت أرتّب الحروف وكوّنت كلمة: “أمل قادم” فكوّنت النيران شكلاً جميلاً وحمرة الحطب تتعالى، والحروف نزلت من سفح الجبل لأرى الشكل الجميل، فلما نزلت لم تبق النار سوى ثوانٍ ورمدت وانتهت، ووجدت أن كل شيء كان وهماً بأن أرى ذلك الأمل الذي سيخرجنا من مآزقنا قريباً في اليمن ولم أعِ وقتها أحلمٌ هو أم خيال واقعي..؟!. [email protected]