كلما تذكّرنا الإبداع والمبدعين؛ تذهب ذاكرتنا إلى العالم العربي المصري أحمد حسن زويل، المولود في «26 فبراير 1946م» عالم كيميائي مصري وأمريكي الجنسية، حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لسنة 1999 لأبحاثه في مجال "كيمياء الفيمتو" حيث قام باختراع ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعّة الليزر في زمن مقداره «فيمتوثانية» وهكذا يمكن رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية، وهو أستاذ الكيمياء وأستاذ الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتقنية.. وتناسينا أن الظروف التي أسهمت في نجاح زويل لا يجدها كثيرون من مبدعي العالم العربي اليوم، فسيرة زويل تؤكد أنه لم يبق دعماً عربياً إلا في النادر، فالإبداع والبحث العلمي في العالم العربي لايزال نقطة ضعف مقارنة بما تقدّمه إسرائيل مثلاً للبحث العلمي، فالدول العربية مخصّصة 0,2 % من ناتجها القومي للبحث العلمي، فيما تقدّم اسرائيل 8 % من دخلها القومي في البحث العلمي، وهذا ما يجعلها من أقوى الدول وأكثرها تطوّراً ونموّاً في منطقة الشرق الأوسط. فالباحث والمبدع العربي تقف أمامه عقبات كثيرة تعيقه عن تحقيق طموحاته وإبداعاته أمور كثيرة قد يكون الروتين الذي تمارسه مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات المدعية رعايتها للإبداع والمبدعين، فأبرز المعوّقات “غياب الثقافة الإبداعية” التي تسهّل للباحث المبدع طرقه للوصول إلى نتائج حقيقية لدراسة أو بحث ما يقوم به. إبداع شاحب فهذا جلال ماهر عباس يؤكد في مؤلّفه «أزمة الإبداع العربي.. إلى أين؟!» أن الإبداع العربي في أزمة حقيقية، نظراً لما يعانيه المجتمع العربي في هذا العصر من مشكلات متراكمة، وفي الوقت الذي ما يلبث العالم الغربي أن يطالعنا في كل يوم بالجديد من الاختراعات والاكتشافات والقفزات الإبداعية السريعة والمتلاحقة، يبدو الإبداع العربي شاحباً وبطيئاً، ولا يمكن الجزم أن السر يكمن في جمود العقلية العربية أو تخلّفها، بل يعود - على الأجدر - إلى عوامل ومعوِّقات عدّة في مجتمعاتنا العربية، فما يقتل الإبداع في مجتمعاتنا العربية عوامل كثيرة، منها عشق التقليد، والولع بالعيش في عباءة الماضي، بدعوى أن ليس في الإمكان أبدع مما كان، والميل إلى قولبة الآخرين وغيرها من معوّقات. جوائز ضئيلة ومع تعدّد الجوائز المرصودة للبحث العلمي والإبداعي في عالمنا العربي عامة واليمني خاصة إلا أنها تظل نسبتها لا تشكّل رقماً يستحق التفاخر به مقارنة بما يُقدّم في العالم الغربي من دعم للبحث والإبداع، فعلى سبيل الذكر “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أعلنت عن «جائزة الألكسو للإبداع والابتكار التقني للباحثين الشبّان في الوطن العربي 2014» بهدف دعم الابتكارات العلمية في صفوف المبدعين والمبتكرين من الشبّان العرب، وقد حدّد مجال الجائزة لسنة 2014م ليكون «التقانات الإحيائية» وتبلغ قيمة الجائزة عشرة آلاف دولار للفائز الأول، وستة آلاف دولار للفائز الثاني، وجائزة “الإبداع العربي” عن مؤسسة الفكر العربي، وغيرها من الجوائز المنتشرة في وسائل الإعلام العربي؛ لكن حقيقتها على الأرض تكاد أن تكون صفراً، والسبب كما قلنا إنها تقيّد الإبداع وتعيق الرغبات التي لدى المبدعين؛ فتضع العقدة في المنشار أو أشبه بمن يضع العربة قبل الحصان فتقيّد حرية المبدع. عوائق في دراسة “عوائق الإبداع في الثقافة العربية بين الموروث الآسر وتحدّيات العولمة” للمؤلّف محمد المختار ولد السعد نشرت في صحيفة «الرياض» عبر مدير مكتبها في دبي علي القحيص، قسّمت الدراسة إلى محورين، يدور أولهما حول العوائق الذاتية للإبداع، والثاني يُعنى بمعالجة تحدّيات العولمة وسبل التعامل معها، ومما ورد فيها عن العوائق الاقتصادية أن “الضعف المؤسسي للبحث العلمي ومحدودية الإنفاق عليه لم يتجاوز معدّل الإنفاق العلمي إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم العربي 0,14 % عام 1996 مقابل 2,53 % لإسرائيل، و2,9 % لليابان, أما متوسط ناتج النشر العلمي نسبة إلى الفرد، فيمثّل 2 % تقريباً من نظيره في بلد صناعي «26 بحثاً لكل مليون شخص عام 1995 مقابل 840 في فرنسا، و1878 في سويسرا» وفي عام 1995 لم يتوفّر للعالم العربي إلا ثلاث مجلات ذات إشعاع علمي متميّز مقابل تسع لدى اسرائيل، ويزداد البون التقني اتساعاً بين العرب وإسرائيل إذا عرفنا أن المكوّن المعرفي في الصناعات الإسرائيلية قد تعدّى 12 %، مقابل أقل من 1 % من المنتجات العربية. مؤسّسات يمنية وفي اليمن كدولة تعتبر من بلدان العالم الثالث؛ تظل مؤسسات البحث العلمي والمهتمة بالإبداع والمبدعين قليلة لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة، فمن تلك المؤسسات تأتي مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة التي تشرف على جائزة رجل الأعمال الأول في المجموعة التجارية ل«هائل سعيد أنعم وشركاه» حيث خصّصت جوائزها للبحث العلمي وللإبداع الثقافي والأدبي، وهناك صندوق لدعم البحث العلمي، وهناك جهات أخرى لكنها لا تصل إلى مستوى «السعيد» ومع ذلك فما تقدّمه للمبدعين هو قليل إذا دقّقنا في احتياجات الأبحاث والإبداع من متطلّبات مالية وعينية، ولكن قد يكون ذلك حسب رؤية أهل المال الداعمين للمبدعين؛ فلا نلومهم ولكن نقدّر لهم حرصهم على دعم الإبداع في الوقت الذي تتخلّى الدولة عن دعمها للمبدعين إلا بفتات تحت يافطة “جوائز الشباب” والتي تموّل من إيرادات صندوق دعم النشء والشباب والرياضة..!!. مشاركة واسعة وإذا أردنا أن يكون لدينا مبدعون يخدمون الإنسانية بما يقدّمونه من أبحاث ودراسات وابتكارات؛ فإن الحال يتطلّب تخصيص دعم يشرف الجهود التي تقدّم من المشاركين في الأبحاث والمبدعين الشباب ويتطلّب مشاركة واسعة من الحكومة والرأسمال الوطني والبيوت التجارية بصورة متساوية؛ فما يقدمونه من دعم يعود بالنفع والخير عليهم وعلى الوطن دون شك.