علاقتنا بالتاريخ أمر شائك - بالذات - في عالمنا العربي! لأننا لو تصفحنا أغلب خلافاتنا لوجدنا أن أغلبها تاريخية أو ذات جذور تاريخية قديمة ، ونحن من ألبسناها ثياب السياسة، أو الدين، لذلك فالتاريخ مؤثر في حياتنا المعاصرة ، ويجب أن نقرأ تاريخنا.. لكن لو تساءلنا: هل نحن نقرأ التاريخ أم نكتبه؟ الجواب الجاهز الذي يتبادر إلى الأذهان هو قراءة التاريخ. لكن ما معنى قراءة التاريخ؟ هل هي القراءة (التقليدية) التي نمارسها كلنا أثناء الاطلاع على أي كتاب تاريخي؟، والتي تستمتع بالأحداث المدونة وكأنها من حكايات ألف ليلة وليلة! أم هي القراءة المتأنية الباحثة بين السطور عن عبرة من الأحداث المدونة في هذا المرجع أو ذاك؟ وهل يختلف التاريخ المقروء باختلاف القارئين برغم أن التاريخ المدوَّن واحد؟. إنها القراءة المستفيدة من عبق الماضي في صناعة الحاضر، لا الموغلة في الماضوية فتصبح تراجعية نحو البقاء في الماضي ولا متفلتة من أحداث التاريخ لا تقيم له وزناً. لا ريب إن لكل قراءته على حسب الزاوية التي يرى منها الحدث سواء كانت زاوية سياسية أم دينية أم اجتماعية أم غيرها من الزوايا التي قد تكوين خليطاً من تلك الزوايا السالفة الذكر، وبهذا تختلف القراءة لنفس التاريخ المدوَّن لاختلاف وجهات وأهداف القارئين. أما كتابة التاريخ أول مرة للحدث التاريخي فليست إلا تدوين له وتوثيق من المخطوطات المحفوظة أو الآثار واللقى أو من الرواية الشفاهية لمعاصري الحدث وغيرها من وسائل نقل الحدث، لكن كل إعادة كتابة لذلك التاريخ المدوَّن لن تكون إلا إعادة قراءة للتاريخ في نفس الوقت، فالحدث التاريخي – بطبيعة الحال - لن يحدث إلا مرة واحدة فقط، لكن ما يكتبه المؤرخون في كل العصور عن ذلك الحدث هو (قراءتهم) لذلك الحدث ضمن تأثير ظروف عصرهم الذي يعيشون فيه لتأتي قراءتهم (عصرية) للحدث ، طبعاً لن يغيروا من وضعية الأحداث التي تمت، لكن يربطوها بواقعهم المعاش متجاوزين كل مشكلات الحاضر بذخيرة الخبرة المكتسبة من التاريخ عن تلك المشاكل نفسها لأن التاريخ يحمل في داخله نوعاً من الإنذار المبكر لمنْ يعرفون كيف ينصتوا إليه أو يحسنون قراءته. إن هذه القراءة - الكتابة أو لنسميها إعادة قراءة للتاريخ تساعد المؤرخ لوضع الحاضر في مكانه الصحيح ذلك أن التاريخ يوسع مدى إدراكنا للعملية التاريخية فمعرفة كيفية عمل المجتمع في الماضي تفتح عيوننا على الإمكانات والبدائل الكامنة في الحاضر فالتاريخ حوار بين الحاضر والماضي. أخيراً إلى كل مؤرخينا وقرّاء التاريخ لا تكفي كتب المذكرات الشخصية الموجودة اليوم للأفراد الذين خاضوا تلك الأحداث أو كانوا أطرافاً فيها لتكون مرجعاً توثيقياً للتاريخ، بل يكون التدوين المؤسسي بالمنهج العلمي في توثيق التاريخ هو المعوّل عليه بعيداً عن الانطباعات الشخصية لفلان أو علان، هذا إذا أردنا تاريخاً نستفيد منه لا مجرد سرد لذكريات تقادم بها الزمن مثل حكايات أبي زيد الهلالي.