الدكتور عمرو خالد الداعية الإسلامي المعروف إنسان “أحب اليمن فأحبته “ ضعف حبه لها، وضمخته ببخورها و بنها ونسائمها العليلة، كما احتواه كرمها وطيبة أهلها الحكماء الرقيقي الأفئدة، ومع تكرار زياراته لأرض السعيدة، فإن هذه الزيارة تختلف عن سابقاتها، حيث جاء بمشروع وسطي للإسهام في الحفاظ على شباب اليمن من الوقوع في براثن التطرف “الجمهورية” التقت الدكتور عمرو خالد في العاصمة صنعاء والذي سرد تفاصيل المشروع وتفاصيل حياته . زيارة مختلفة - كثيرة “هي الزيارات التي جئتها إلى اليمن السعيد سواءً لإلقاء المحاضرات، أو اللقاءات الجماهيرية الرائعة الاستقبال، والغامرة بالحفاوة والترحاب، لكن هذه الزيارة تختلف عن كل الزيارات السابقة التي قمت بها، حيث جئنا هذه المرة بمشروع توعوي يحمي اليمن من التطرف، ويواجه هذا الفكر بمنتهى القوة من أجل اجتثاث الإرهاب من اليمن، وهذا المشروع يتفرع من خلاله مشروعان أحدهما يقتضي تحويل كافة الشباب إلى طاقة تتصدى وتواجه التطرف، عن طريق نشر الأفكار الوسطية بين صفوف الشباب حتى تنتشر الصورة الحقيقية والواضحة عن الإسلام الوسطي المعتدل بين الشباب الذين سيتم تحميلهم المسئولية الكاملة للقيام بالواجب الملقى على عاتقهم في عمل العديد من المشروعات التي تواجه الأفكار المتطرفة، وهناك مشروع آخر في ذات الوقت لمجموعة من العلماء والدعاة في اليمن يتحملون مسئولية الرد على كل الشبهات والحجج الباطلة بالأدلة الناصعة، وهنا سيتكون سند منيع من الشباب والدعاة لمواجهة التطرف، فالأول يسمى بلدة طيبة، والثاني اسمه وسطية، فالحكومات والوسائل الإعلامية لن تنجح وحدها في مواجهة التطرف، فالشباب طاقة وقوة هائلة.. “شباب الدعاة وشباب الجامعات”.. وأنا أراهن عليهم في اقتلاع جذور التطرف، والاهتمام بأمور بلدهم، وما يهمني هنا هو انتشار الإسلام الحقيقي الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوسطية هي قوة الإسلام وسيادته وانتشاره على مستوى العالم. الغيرة على الإسلام - ويضيف الدكتور عمرو خالد في سياق حديثه بالقول: لقد كنت أشعر بغيرتي على الإسلام منذ أن بدأت أعرف نفسي، وكان جدي هو مثلي الأعلى، حيث كان غالباً ما يأخذني معه في الإسكندريةمسقط رأسي، ويسرد علي كل قصص الأنبياء وقصص الصحابة التي تكونت بها أفكاري، كما أنني قرأت الكثير من الكتب الدينية، وكذا القصص والروايات والعديد من أمهات الكتب، وكان إرسالي إلى بريطانيا من قبل والدي للإقامة عند عمي لمدة عام بمثابة توسيع كبير في مداركي، وإنني مازلت أتذكر العديد من المواقف التي عاصرتها في حياتي سواءً في دراستي الثانوية أو الدراسة الجامعية، ومن هذه المواقف حبي للقيام بالأذان للصلوات في المسجد المجاور لمنزلنا . لكني أحياناً لم أكن أجد مصلين، فكنت أؤديها وحدي وانقضت ستة أشهر، فاكتشفت أن صاحب العمارة الكبيرة التي يعتليها الميكرفون كان قد قطع السلك المتصل بمكبر الصوت، فانفجرت حينها بالبكاء الشديد كمداً على الأشهر الستة التي راح أذاني للصلوات فيها سدى، دون أن يسمعني أحد، وقد التقيت بصاحب هذه العمارة مؤخراً في إحدى الدول وقد استقام كثيراً في تمسكه بالدين الإسلامي، و تذاكرنا ذلك الموقف، كما أنني وفي الدراسة الجامعية بكلية التجارة بالقاهرة كنت أذاكر طول الليل استعداداً للامتحان، وقبل أن يؤذن لصلاة الفجر ارتأيت أن أخرج إلى الشارع لقضاء الوقت حتى يؤذن للصلاة، وفيما كنت أسرح في الشارع والباعة على جانبي الشارع جاء ثلاثة شباب بسياراتهم ترافقهم امرأة، ورفعوا مكبرات الصوت الصاخبة بالموسيقى والغناء، وجعلت المرأة ترقص في وسط حلقتهم، ولم ترض نفسي بالرجوع إلى المسكن، أو الذهاب إلى الصلوات دون أن أقدم نصيحتي لهؤلاء الشباب الطوال الضخام الجثث، وظللت متردداً بين التقدم لنصحهم والمغادرة، لكنني كنت متأكداً إذا اخترت المغادرة، فلن يهدأ لي بال، وتقدمت بجسمي الضئيل صوبهم، وبصوت وسطي بين الذلة، والصراخ سألتهم هل يريد أحدكم أن يدخل النار؟ فرد جميعهم بالنفي، ما عدا واحدا منهم أجاب بأنه يود دخول النار، وتدخل أحد الباعة قائلاً: وأنت مالك يا أخي “سيبهم يهيصوا”، لكنني واصلت نصحي لهم بلا إسهاب، وأنا أردد الأفضل أن تبحثوا عن مكان آخر غير هذا المكان، وعلى الفور دخلت الفتاة الراقصة السيارة وهي تبكي، ولملم الشباب الثلاثة عدتهم وارتحلوا حينها أدركت أن الله معين الإنسان المتصل به . مواقف حياتية - ويسرد الدكتور عمرو خالد بعض المواقف في حياته فيقول: من ضمن المواقف أن رجالاً من البلد يأتون، ويضعون الخيام الطويلة، ويشربون الشيشة والسجائر، وتردد الأغاني والموزيكات، وصادف أن كنت واثنين من أصحابي ماضيين بجانب تلك الخيمة و”الزيطة” تملأ الفضاء، وكنا متوجهين إلى الصلاة ولم أستطع المضي سوى بعد تقديم النصح لهؤلاء وأخبرت أصدقائي بذلك، فمضى أحدهم وأخذ الميكرفون، وراح يردد هنئوا أخانا محمدا في عيد ميلاده، ولم يكن هناك عيد ميلاد أو شخص اسمه محمدا وردد الفنان التهنئة، وناولني صديقي الميكرفون فبدأت بالتهنئة لمحمد الذي ابتكره صاحبي بمناسبة عيد ميلاده، ثم انطلقت أسرد لهم النصيحة التي تحثهم على الارتباط بالله والتمسك بدينه وفي أقل من خمس دقائق كنت قد سردت كل نصيحتي، ووصلت النصحية مسامعهم إلى أفئدتهم، فانصرفوا لأداء صلاتهم. وهذا كل شيء، وتشرق ملامح الدكتور عمرو وهو يسرد تفاصيل حياته حيث يقول إنه لم يكن من الطلاب المتقدمين والمتفوقين في الدراسة، ولا بالمتأخرين، ولكن مستواه كان جيداً، كما أن من ضمن الطرائف الحياتية التي عشتها إبان حياتي الدعوية أن أحد أصدقائي من سوريا الشقيقة كان له ابن يدرس في بريطانيا، ولم يكن بالملتزمين بالدين الإسلامي، كان مسلماً، لكنه لم يكن ملتزماً بكل التعاليم الدينية، وأحب فتاة إنجليزية حباً شديداً، وقرر أن يتزوجها، لكن والده رفض طلبه بحجة أنها كافرة، ولما أصر الابن على الزواج منها قال له والده إذا أسلمت “دخلت الإسلام” فتزوجها، وعرض الابن على الفتاة الإنجليزية شرط أبيه، فطلبت منه أن يناولها كل الكتب التي تشرح حقيقة الإسلام، كما طلبت منه مهلة بضعة أشهر لقراءتها، وبعد انقضاء الأشهر جاءت إلى ذلك الشاب السوري، وأعلنت له إسلامها فتعاظم فرحه؛ كونه سيظفر بها زوجة له، لكنها فاجأته في ذات الوقت رفضها الزواج منه؛ كونه لم يلتزم بالتعاليم الإسلامية الصحيحة التي اعتنقتها . التمام الشمل ويطل الدكتور/عمرو إلى الماضي بابتسامة عريضة وهو يردد: كما قلت لكم فإن جدي الأزهري رحمه الله هو مثلي الأعلى والمتوفى من ثلاثين عاماً، حيث كان يأخذني ويطوف بي في الأحياء الفقيرة، فكنت أطّلع على الحياة التي تعيشها تلك الأحياء، ومازلت أخاله وهو يسرد لي قصة موت سيدنا حمزة، وبالنسبة لوالدي فإنه يعمل طبيباً ولم يكن والدي ووالدتي بالمتدينين أقصد كانوا عاديين في تدينهم، وكان تديني مرفوضا، ولم يكن لديهم سواي وأختي التي تزوجت ولديها أولاد، وللإحاطة أكثر فأنا من مواليد الإسكندرية في الخامس من سبتمبر 1967م، وأبلغ من العمر ثلاثة وأربعين عاما وزوجتي دكتورة في الزجاج ولدي ولدان أكبرهما علي تسع سنوات، وعمر أربع سنوات، وقد درست في جامعة القاهرة في كلية التجارة - قسم المحاسبة وبعد تخرجي عملت في مؤسسة حسابية كبرى لمدة سبع سنوات، وكنت متابعاً كل الأفلام التي تنزل في مصر وكذا الأغاني، ومافيش فيلم إلا وتابعته، ومع نشاطي الدعوي كنت دائم التنقل إلى درجة أنني وصلت في مرحلة من المراحل أنني كنت أسجل أولادي في ثلاث مدارس لثلاث دول هي إنجلترا ولبنان ومصر، ولست أدري أين سأستقر، والحمدلله بعد كل هذا العناء في عدم الاستقرار وفقني الله في مسكن في مصر جمعني الله فيه بأختي وزوجها وأولادها وزوجتي وأولادي، وكذا والدي ووالدتي والحمدلله عاقبة الصبر التمام الشمل. قيادات شبابية وينتقل الدكتور. عمرو إلى مشروع بلدة طيبة بالقول: إن مشروع بلدة طيبة قائم على القيادات الشبابية التي تم اختيارها من كل أنحاء اليمن، وتم اختيار خمسة وسبعين شاباً وشابة من بين خمسة آلاف فرد تقدموا للمشروع، وهؤلاء الشباب تم تدريبهم الآن عملياً ليقوموا بالمشروعات والحملات التوعوية لمواجهة التطرف، وهناك ثمانية مشاريع عملاقة سوف يتم تنفيذها في عموم اليمن، تتنوع ما بين التنموية والإعلامية والتدريبية والفنية وغيرها، وكلها تصب في مواجهة التطرف، وكل هذه المشاريع الوطنية سيقوم بها مئات الشباب اليمنيين للحفاظ على حقيقة دينهم وعلى بلدهم وبالمواجهة المستمرة للتطرف سيتم اقتلاعه من كل أنحاء اليمن، ومع أن كلمة القضاء على التطرف غير دقيقة، فإن القضاء على الإرهاب تعد أكثر دقة؛ لأن التطرف فكر، ومعنى هذا أنني لا أستطيع أن أجبرك على تغيير ما في رأسك من أفكار، لكن الواجب علي هو أن أحول بينك وبين هذه الأفكار التي؛ لأنها قد تتحول إلى عمل عنيف ضد الأبرياء، ولذلك فأنا أقوم بمحاصرة التطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب، وهنا نستطيع القول إن هدفنا الذي نسعى إليه هو اقتلاع جذور الإرهاب. منتصف الطريق واختتم الدكتور. عمرو خالد حديثه بشرح مفهوم الوسطية قائلاً: الوسطية هي منتصف الطريق تماماً وأي ميل عنها سواءً شمالاً أو يميناً يعد تطرفا، وللتطرف درجات منتهاها الوصول إلى حد العنف وقتل الأبرياء، يقول تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس}.. ولذلك الشهادة على البشرية لا تكون يوم القيامة إلا لمن كان في موضع الوسط ذلك الوسط الذي يستطيع أن يرى الأطراف على عكس الأطراف التي لا تستطيع أن ترى المنتهي إلى الأطراف الأخرى، والحمدلله نحن أمة وسطاً، ووسطيتنا هذه تمنحنا القدرة على الحكم على الأشياء بتوازن، وهنا يتحتم علينا ضرورة المحافظة عليها وعدم تركها؛ لأن جمال ديننا وسر حيويته وانتشاره ليس سوى في يسره وبساطته ووسطيته. كلمة المحرر عمرو خالد ذلك الإنسان المشرق بابتسامته، الشامخ بأخلاقه، المتواضع مع الصغير والكبير والغني والفقير.. إنسان يجبر النفس على حبه والقلب على عناقه.. إنه ذلك الداعية الذي أحب الله فخدم دينه، وجبل حب الناس له.