لحظة التفارق السلبي بين ابن رشد والغزالي لا تعبر عن نهاية المقال في أمر الخصام، بل توفر لنا مناخاً أضافياً للتأمل في مقاربات الغزالي بعد “تهافت الفلاسفة”، كما توفر لنا قراءة موازية لابن رشد تتجاوز “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال”.يتصدّى الباحث الدكتور معجب الزهراني لتحليل كتاب ابن رشد الشهير “ فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من اتصال» .. ذلك الكتاب الذي يشي عنوانه بالإشكالية الكبرى التي احتدمت دوماً بين علماء الدين والفلاسفة، وسنرى منذ البداية إن محاور تناول الموضوع عند المؤلف تتلخّص في 3 مستويات : مفهوم الاتصال في الحوار، ومعنى احترام العقل، ودلالات خطاب ابن رشد . الحوار بحسب ابن رشد يتصل بتنوُّع حقائق الوجود ونسبيّتها، وكتابه«فصل المقال» حالة مُتقدمة في زمنه، حتى أن الناقد عبدالله العروي يعتبر ما توصّل إليه ابن رشد حينها متقدم جداً عما نحن عليه الآن . حاول ابن رشد كسر التابوهات وحلحلة المركزية الأيديولوجية القائلة بأن « الأنا » على الحق دون العالمين، واستوعب في كتابه معنى عالمية الثقافة الإسلامية التي أسهم فيها علماء باتساع رقعة الإمبراطورية الإسلامية، وكاشف ضمناً ما نحن عليه اليوم من جمود، ومهّد لتلك المحاولات التي تاقت إلى تحرير الفكر، ومكاشفة سيئات الواقع، ابتداءً من رفاعة رفعت الطهطاوي، مروراً بخير الدين التونسي ومحمد عبده، وحتى عبد الرحمن الكواكبي . ويسقط المؤلف نظرات ابن رشد على واقع الحال في مجتمعاتنا حيث نقف الآن على خرائب النزعات المذهبية القاصرة، ونتمرّغ في منطق الدولة «القروسطية» المستبدة، ويسهم الكثيرون منا في تحويل المقدس الديني إلى أيديولوجيا دنيوية تخدم السياسة الفاشلة، وشروطها الميكيافيللية . لقد عمل ابن رشد – بحسب المؤلف – على 3 مستويات : تأويل النصوص الدينية، مما يضعه في قائمة علماء الكلام المُتفلسفين، وإصدار فتوى حقيقية وشرعية حول العقل وأهميته، ومحاولة التوفيق بينهما متجاوزاً الذين قالوا بأن الحكمة والشريعة لا يلتقيان البتة. مزيداً من التفاصيل .