مقاربة الدكتور معجب الزهراني حول كتاب العلامة ابن رشد بعنوان « فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال »، تشير إلى أهمية هذا الكتاب التاريخي في بعده السجالي المرتبط بحدود وآفاق علوم الكلام التي أرهقت كاهل الفكر العربي الإسلامي تاريخياً باعتبارها علوماً تغترف مفرداتها من الشريعة من جهة، ومن التأملات العقلانية المتفلسفة من جهة أخرى .. تلك العلوم التي تمتد إلى الثقافة اليونانية والرومانية البيزنطية. كما تكمن أهميتها في أنها كانت ترمز لجدل العلاقة غير الخلاقة بين الفكر المجرد والنظام السلطاني الدنيوي .. الأمر الذي جعل حكمة الشريعة في مرمى حجارة السلطان وأهوائه من جهة، كما في مرمى حجارة العقل المجرد من جهة أخرى . مهّد ابن رشد للثورة المعرفية الأوروبية الكبرى التي تمثلها على وجه أخص الراهب المسيحي مارتن لوثر الأول، وقبله المصلحان سافونارولا وتوما الاكويني. لوثر الذي سار قدماً بالتعليم الرشدي حد المفارقة له, ذلك أن ابن رشد بحث عن نقطة التلاقي بين الشريعة والحقيقة عند تخوم الفضيلة، فيما قال مارتن لوثر الأول بالفصل الإجرائي بين المستويين، فمهّد لنظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، وفاض بمرئيات عقلانية مُغالبة. يتوقف الدكتور الزهراني أمام فضائل ابن رشد العقلانية، ولا ينسى الإشارة إلى مثابته في الشريعة، كما يتوقف أمام خصائص النص الرشدي من النواحي اللغوية والصياغية، وصولاً إلى منهجيته الصارمة التي انعكست على النص وجعلته يبدو جافاً، كما رصد فضاءات النص في الزمن الثقافي المفتوح، وصولاً إلى يومنا هذا. وفي السياق يعرض الباحث للتقاطع بين الغزالي وابن رشد مما يتصل أساساً بأحكام القيمة الإطلاقية التي أطلقها ابن رشد على الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي، وبهذه المناسبة لا بأس من الإشارة إلى كتاب الغزالي الأكثر أهمية من حيث تتبع مسار التحولات في فكره والمعنون ب «المنقذ من الظلال»، فهذا الكتاب يوفّر لنا مفتاحاً سحرياً لمعرفة موسوعية الغزالي بوصفه مقيماً في علوم الشريعة، عارفاً لعلوم البرهان العقلي الارسطي، مُتبحراً في التصوف وعلوم الكلام، كما يُعبر الكتاب عن رؤية الغزالي التي تُماهي بين العقل والذائقة، وتضع الرجل في مكانة متقدمة من ثقافة التأصيل والتطوير معاً. لحظة التفارق السلبي بين ابن رشد والغزالي لا تعبر عن نهاية المقال في أمر الخصام، بل توفر لنا مناخاً إضافياً للتأمل في مقاربات الغزالي بعد « تهافت الفلاسفة »، كما توفر لنا قراءة موازية لابن رشد تتجاوز « فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال ».