في حياتنا قصص وحكايات نرويها، وقد نضع عليها صفة المبالغة أحياناً.. ولكن عندما نذهب إلى الحديث في الرواية المتناقلة عن الأسلاف بما نسميها شعبياً «حزايات» نعتبرها من الخرافات التي ينسجها الخيال البشري.. بالرغم من أننا نتقبل في أغلب الأحيان ما تنتجه السينما العالمية من أفلام الأكشن، المستوحى سيناريوهاتها من عالم الخيال والأساطير، وإن قدمت بمشاهد معاصرة.. ونحن هنا سنأتي بما يخالف تلك الخرافات والخيال.. وسنذهب بكم إلى تنافي خرافية الحكاية وتجعل منها قصة واقعية لا تزال فصولها وأحداثها جارية في حياة أولئك الواقعين في إطار حدودها بما تخلفه من رعب وصراخ.. ومأتم. أما موقعها فهو منطقة الزغارير قرية شعوب غازي محافظة تعز.. هذه القرية التي اعتمد أهلها كباقي سكان اليمن في الأرياف على الآبار لتزويدهم بالماء ومنها تجلب النساء والأطفال حاجتهم من المياه بشكل يومي من خلال الدباب المحمولة على رؤوسهم أو الاستعانة بالحمير لنقلها.. هذه البئر المعروفة بالحسية تحكي قصة تشبه الخيال لكنها حاضرة في أحداثها وهي التي أصبحت أقرب إلى ما تنسجه من أحداث واقعية في حياة أهالي القرية.. بما تحدثنا به أفلام الأكشن من حكايات الهنود الحمر في القارة الأمريكية وكذا بعض شعوب القارات الأخرى الذين يقدمون قرابين من البشر والحيوانات لإله مجهول ليمنحهم الخير والماء.. فيما الفارق هنا أن البئر هي من تأخذ القرابين.. بغير إرادة أهل القرية.. تقول حكاية أهل القرية المرعوبة بئر الحسية هي التي تمدهم بالماء.. لكن هي من يحدد الوقت لذلك.. ومن تجاوز الموعد المحدد سيكون هو القربان أو الضريبة التي تأخذها منهم.. فعند شروق الشمس في صباح كل يوم.. تستعد النساء والأطفال، برحلة استجلاب الماء من بئر الحسية.. وقد أصبح الضوء علامة الإذن بذلك، لتستمر رحلتهم إليها في أطمئنان بعودتهم إلى منازلهم طوال ساعات الصباح.. لتبدأ من بعد الظهيرة دائرة الاحتساب والتحسب من الغفلة عن الوقت، وبما يحميهم من خطأ الذهاب إلى بئر في الزمن المحدد نهايته بالإذن وهي الساعة الرابعة عصراً.. بعد هذا الوقت تصبح البئر والمساحة المحيطة بها منطقة محظورة.. فقبل أن يدرك الأهالي سر هذه البئر في العقود السابقة اجتذبت بعد ذلك الوقت المحدد بالرابعة عصراً عدداً من الضحايا ودفعت بهم إلى أغوار مائها.. ولم يوجد لهم أثر وفي السنوات الأخيرة.. لم يتمكن البئر من أخذ القرابين إلى أغوارها.. فكانت تستكفي بحيوانات الأهالي التي تسوقها أقدارها نحو البئر بحثاً عن الماء فتقع ضحية خطف خفي يجتذبها.. لكن الطفلة ندى منصور محمد عبده أحمد البالغة من العمر 10سنوات والتي غفلت وأسرتها عن الوقت المحدد لزيارة البئر بفعل حاجتهم للماء.. قد أخذت الحمار وحملته بالدباب.. وذهبت لتجلب الماء.. بعد فترة من الوقت عاد الحمار إلى البيت لكنه مفزع من الحمل، وحتى ندى هي الأخرى لم تعد، اعتقد أهلها في البداية أن الحمار عاد هارباً وترك ابنتهم عند البئر قبل أن يستدركوا ما غفلوا عنه.. ويبدأ صراخهم الذي هبت معه القرية متسارعة تبحث عن ندى أو عن وسيلة يستعيدون من خلالها الطفلة، لكن البئر كانت قد أخفت معالم جريمتها.. ولم تترك من أثر يدل على الوسيلة التي تعتمدها في عملية الاختطاف ليستسلم الجميع إلى القدر المحتوم بالقربان. لكن هناك شيء آخر من الرعب الذي ولدته هذه البئر، فقبل أن تقترب الساعة من الخامسة مساءً أي بعد ما يقارب الساعة من انتهاء موعد إغلاقها أمام الأهالي يبدأ فصل جديد يتمثل بخروج ثعبان عملاق من باطنها.. فيمضي نحو السطح بحركات بطيئة حتى يبلغ فوهة البئر الدائري ليلتوي حول الفوهة من الخارج مشكلاً ما يشبه الحزام على البنطلون ليبقى الوقت طويل بتلك الوضعية.. ليتدحرج بعدها عائداً إلى أعماق البئر وقبل إشراقة أضواء اليوم الجديد.. هذه الحكاية هي جزء من معانات أهالي قرية شعوب غازي.. ومصدر رعبهم في سر خفي كل تفاصيله.. ومضامين حكاياته تسكن البئر، ويطوي خيوطها ذلك الثعبان، فهل تحرك لدينا وبالذات الإعلاميين روح المغامرة للبحث والتوثيق لسر هذه البئر وثعبانها العملاق.