تعد البيئة الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر، ووفقاً لذلك يتبين أن البيئة ليست مجرد موارد يتجه إليها الإنسان ليستمد منها مقومات حياته، وإنما تشمل البيئة أيضاً علاقة الإنسان بالإنسان التي تنظمها المؤسسات الاجتماعية والعادات والأخلاق والقيم والأديان. التلوث المائي التفاعل بين الإنسان والبيئة قديم قدم ظهور الجنس البشري على كوكب الأرض.. والبيئة منذ أن استوطنها الإنسان قبل حوالي مليون عام تلبي مطالبه وتشبع الكثير من رغباته واحتياجاته، وكان من نتائج السعي إلى إشباع مختلف الحاجات البشرية مع الزيادة السريعة في السكان، أن تزايدت الضغوط على البيئة الطبيعية باستهلاك مواردها وبتجاوز طاقتها على استيعاب النفايات الناتجة من الأنشطة البشرية، مما أصبح يهدد الحياة المأمولة. المسئولية المشتركة أ. الدكتور أحمد محمد شجاع الدين: إن الاهتمام بالبيئة مسؤوليتنا جميعاً وليست منحصرة على قيادة محافظة إب أو المقيمين في مدينة إب ولكنها مسئولية كل مواطن أينما وجد سواء في القرية أم العزلة وكذلك المديرية، هذا الدور الذي يجب أن نضطلع به جميعاً في سبيل الحفاظ على البيئة يتطلب التركيز على توعية الشباب في الجامعات والمدارس والمساجد وأي تجمعات سكانية مهما كان حجمها لما لذلك من أهمية في تحقيق نتائج ملموسة في الحفاظ على البيئة وعلى نظافة المنزل والشارع والساحات العامة؛ لأن هذه الأرض وما حولها ليست ملكاً لهذا الجيل فقط، فرغم أن من حقنا الاستفادة والانتفاع بها، فلا بد من أن نحافظ عليها بقدر المستطاع من أجل الأجيال القادمة. مشكلات بيئية وأشار إلى المشكلات البيئية التي تعاني منها محافظة إب بقوله: إن المشكلات البيئية في الوقت الحاضر متعددة وتزيد حدتها من سنة إلى أخرى بسبب عبث الإنسان، ولعل أهم تلك المشكلات تتمثل في، تلوث الهواء، النمو السكاني السريع الذي يفوق الموارد الاقتصادية المناحة، التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية في معظم محافظات الجمهورية وعلى رأسها محافظة إب، استخدام المبيدات بشكل عشوائي وخاصة للخضروات والفواكه وشجرة القات، عدم ترشيد استهلاك المياه واستنزاف الموارد الطبيعية المتجددة أو غير المتجددة، ولذلك فقد أصبحت القضية البيئية تمس حاضر ومستقبل الأجيال القادمة وحان الوقت العمل على رفع وعي الناس في كيفية الحفاظ على البيئة وحمايتها من أجل التخفيف من الآثار التي تؤدي إلى تدهورها، وهذا يتطلب جهود كل الخيرين من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة. جهود حماية البيئة أمين علي الورافي الأمين العام للمجلس المحلي بالمحافظة تطرق إلى جهود السلطة المحلية في حماية البيئة حيث قال: ينبغي التأكيد على أن القاضي أحمد عبدالله الحجري محافظ المحافظة يولي البيئة جُل اهتمامه، ودائماً ما نسمع منه توجيهات حول الاهتمام بالبيئة والنظافة، والدليل على ذلك حرصه الدؤوب على أن تكون محافظة إب من المحافظات النموذجية والسباقة في هذا المجال، فكانت آخر توجيهاته هي تلك الصادرة إلى مكتب الزراعة بضرورة غرس مليوني شجرة في محافظة إب وتحسين أداء محطة معالجة مياه الصرف الصحي وتوسعتها، والاهتمام بالحدائق العامة وتبني إنشاء حديقة حيوان وحجز الأماكن السياحية، وهذه جميعها تصب في مصب تعزيز مستوى حمياة البيئة والسياحة والاستثمار في محافظة إب. الثقافة البيئية وأضاف الورافي: إن محافظة إب التي حباها الله عز وجل بطبيعة خلابة يجعل الحفاظ عليها مسئولية جسيمة على كل أبنائها؛ لأنه لا يمكن أن تكون هناك عاصمة سياحية ما لم تكن نظيفة وخالية من التلوث، ولا شك أن مجتمعنا اليمني بحاجة ماسة للثقافة البيئية باعتبارها المرتكز الأساسي للقيام بهذه المهمة، فعندما يمتلك أفراد مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية الثقافية البيئية الصحيحة سيمثلون عاملاً هاماً في الحفاظ على البيئة، وعندما تكون ثقافة الكسب السريع هي الطاغية فلا شك أننا سنكون أمام مشكلة كبيرة وعويصة. منهج التعامل البيئي السوي *عبداللطيف المعلمي مدير عام مكتب الأوقاف والإرشاد تحدث عن حماية البيئة من منظور إسلامي بقوله: لقد اقتضت إرادة المولى عز وجل أن يجعل الإنسان خليفة في الأرض، ومن الأرض أنبت الله الإنسان وإليها يعود وبين الحياة والممات يعيش الإنسان مستخدماً البيئة التي سخرها الله له لما يجعل حياته ميسورة، وفي سبيل أن تكون البيئة ملائمة لقيام الإنسان بمهمة الاستخلاف فقد جعل الله فيها كل شيء بقدر معلوم ونسبة دقيقة، وبالتالي فقد أصبحت البيئة أمانة في عنق الإنسان وصار مسؤولاً عنها من خلال القيام بمهمة إعمار هذه الأرض، ولذلك لامفر من القول:بأن الإنسان والبيئة مكملان لبعضهما البعض حيث إن وجود الإنسان يمنح البيئة معنى الوجود والعكس صحيح، ومن البديهي أن فساد البيئة يعني فساد صحة الإنسان وتعرضه للأمراض والتعاسة، فكيف للإنسان أن يعيش في بيئة مليئة بالسموم؛ ولذلك فقد رسم الإسلام منهجاً واضحاً لكيفية التعامل السوي مع البيئة بما يضمن سلامتها وسعادة الإنسان. *ويؤكد الدكتور فضل أحمد سعيد أستاذ علم البكتيريا الطبية المساعد بكلية العلوم أن مشكلة تلوث البيئة أصبحت خطراً يهدد البشر بالزوال، بل يهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات، والتلوث البيئي في معناه الواسع يشمل التلوث الحيوي للبيئة، ومما لاشك فيه أن تطور الحياة في العصر الحديث قد جعل المياه بصفة رئيسية إحدى الاهتمامات الرئيسية التي تشغل المسئولين وبخاصة مياه الشرب وذلك للمحافظة عليها في صورة نقية صالحة للشرب والاستهلاك الآدمي دون أن يصيبها أي نوع من أنواع التلوث: إن وصول الملوثات إلى المياه الجوفية قد يسبب تفاعلاً كيماوياً وتحللاً بيولوجياً من شأنه أن يمثل خطراً كبيراً في حال وصول هذه الملوثات إلى مصادر ضخ الماء للمستهلك لتشكل خطراً على حياته، لذلك لابد من تضافر الجهود للعمل على منع هذا التلوث. أضرار تلوث الماء *وعن أضار التلوث المائي يقول: تسبب الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في المياه كالبكتيريا والفيروسات العديد من الأمراض للإنسان والحيوان، وقد تكون الأمراض ذات الصلة بالمياه محمولة بالمياه مثل الكوليرا أو متمركزة في المياه بمعنى أن الكائنات المائية ناقلة للمرض إلى الإنسان أو الحيوانات الأخرى، وأبرز الأمثلة على الأمراض المنتقلة عن طريق تلوث المياه والتي تدمر صحة الإنسان من خلال إصابته بالأمراض المعوية ومنها: الكوليرا، التيفوئيد ،الدوسنتاريا بكافة أنواعها، الالتهاب الكبدي الوبائي، الملاريا، البلهارسيا، أمراض الكبد، وحالات التسمم. التلوث الفيزيائي ويشير الدكتور عبدالله قائد القدمي أستاذ علم المواد النانومترية المساعد بكلية العلوم إلى أن التلوث الفيزيائي هو التلوث القائم في شكل الإشعاع، الموجات الكهرومغناطيسية، والضوضاء، وقد ظهر التلوث الضوضائي بظهور الوسائل الحديثة من الطائرات والسيارات والدراجات النارية والتوسع العمراني وظهور الآلات بمختلف أنواعها ومكبرات الصوت وغيرها من مصادر الصوت العالي، ويؤدي التلوث الضوضائي إلى تأثيرات تتمثل بالقلق والتوتر والإصابة بآلام شديدة في الرأس ونقص القدرة على العمل ورؤية الأحلام المزعجة، كما يؤدي إلى انخفاض شدة السمع ويحدث اضطرابات في الجهاز العصبي والقلب،وكذلك عدم القدرة على تمييز الأصوات واتجاهها،وضعف القدرة على التركيز والفهم لدى الدارسين في المدارس والجامعات القريبة من الأسواق والشوارع المزدحمة والأعمال الإنشائية. مصادر الضوضاء أما مصادر الضوضاء في مدينة إب فيوجزها بقوله: تتمثل مصادر الضوضاء في مدينة إب بالورش والمعامل والأسواق، الأجهزة المنزلية المختلفة ومكبرات الصوت، عمليات البناء، ووسائل النقل المختلفة. وأضاف: يعمل التلوث الضوضائي على إحداث خلل في بعض وظائف الأعضاء في داخل جسم الإنسان لذلك يتطلب اتخاذ الإجراءات الوقائية ومن أهمها: إبعاد المصانع والورش والكسارات عن الأماكن السكنية والمدارس والمستشفيات. المراقبة الصارمة على الصناعات وتعدين العمليات للسيطرة على الضوضاء أثناء إصدار وتجديد الرخص. إصدار التشريعات اللازمة وتطبيقها بحزم لاستعمال الكواتم لأصوات الدراجات النارية ومنع استعمال منبهات السيارات ومراقبة محركاتها. النباتات تعتبر من أهم الأشياء التي تمتص الضوضاء، خصوصاً ضوضاء التردد،ولذلك فيجب زراعة الأشجار على طول الطرق أو الشوارع. منع استعمال مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل في شوارع المدينة والمقاهي والمحلات العامة. نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ببيان أخطار هذا التلوث على الصحة البشرية بحيث يدرك المرء أن الفضاء الصوتي ليس ملكاً شخصياً. تلوث الهواء الدكتور محمد صالح النزيلي أستاذ الصناعات العضوية المشارك بكلية العلوم قال: إن أهمية الهواء للحياة غنية عن التعريف،فهو أساس الوجود وسر استمرار الحياة، ويتركب الهواء من عدة غازات أهمها: النيتروجين ويمثل 78% الأكسجين ويمثل 21% ومجموعة الغازات والتي منها الأرغون وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء وتمثل أقل من 1% وتنتج العديد من الإضرار والمخاطر البيئية عن تلوث الهواء ومنها: الإضرار بالثروة النباتية حيث يؤدي تلوث الهواء ببعض الغازات والمواد الضارة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت وغيرها إلى إلحاق أضرار بالغة بالنباتات بصورة مباشرة أو غير مباشرة،مما يؤدي إلى تلفها أو حرقها أو موتها أو إلى خفض إنتاجيتها من حيث الكمية أو النوعية. الإضرار بالثروة الحيوانية البرية والبحرية حيث تؤدي ملوثات الهواء إلى التأثير على الثروة الحيوانية من خلال تعرضها للتسمم، أو الإصابة بالأمراض التي قد تؤدي إلى نفوقها أو تؤثر على صحتها وقدرتها الإنتاجية. الإضرار بالأبنية والمنشآت الاقتصادية والأثرية حيث تؤثر العديد من ملوثات الهواء سواء في صورتها الغازية، أو على هيئة أمطار حمضية على الأبنية والمنشآت الاقتصادية والأثرية،فتؤدي إلى تآكلها وتغير لونها أو تشوهها. تلوث التربة الزراعية والمحاصيل ويعرف الدكتور خالد الحكيمي أستاذ المحاصيل المساعد ورئيس قسم الإنتاج النباتي بكلية الزراعة والطب البيطري في الجامعة تلوث التربة بأنه، “دخول مواد غريبة في التربة أو زيادة في تركيز إحدى مكوناتها الطبيعية مما يؤدي إلى تغير في التركيب الكيميائي والفيزيائي لها”، ومن أهم مصادر تلوث التربة: استخدام المبيدات، استخدام الأسمدة الكيميائية، استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وتتمثل مخاطر تأثيرات تلوث التربة في الآتي: انخفاض مساحة الأراضي الزراعية. تدهور صلاحية الأراضي. تدني الإنتاجية الزراعية. تهديد الأمن الغذائي. انتشار الأمراض. اختفاء مجموعات نباتية وحيوانية أو انقراضها. تصحيح المفاهيم ويؤكد أ.د. عبدالشافي صديق محمد عميد كلية الآداب على ضرورة إيجاد حلول جدية للخروج من مخاطرها قائلاً: ولن يتأتى ذلك بدون ترسيخ المفاهيم الصحيحة ومحاربة العادات والتقاليد السلبية فأنا اليوم حينما أجد قطعة من الزجاج أو قرشة موز في الطريق أزيلها؛ لأنني مازلت أتذكر تلك الصور التي ارتسمت في ذهني منذ خمسين عاماً مضت في كتب القراءة المصورة والتي تبين أن قرشة الموز المرمية في الأرض أدت إلى تزحلق أحدهم فأصيب بكسور، كما أن الأمر مرتبط بموعظة دينية حث عليها الدين الإسلامي الحنيف وهي تلك المتعلقة بإماطة الأذى عن الطريق.. لكن الملاحظ أن القيام بذلك في المجتمع اليمني يثير الضحك ويرمون القائم به بالجنون؛ لأن هذه المفاهيم والقيم لم تغرس في النفوس، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن في المجتمع اليمني يمكنك أن تجد بيوتاً في منتهى الجمال والإمكانيات المادية التي تبرز الثراء، لكنك ستصدم حينما تجد أن في هذا المنزل عادات لاتمت لذلك المظهر الخارجي بصلة ومن ذلك قيام كافة المدعين لتناول الطعام بغسل أيديهم في ماء واحد أعد لهم في إناء واحد، وهذه أسرع وسيلة لنشر الأمراض.. فما الضير لو أن أحدهم قام بصب الماء من أبريق وغسل الجميع أيديهم بالماء والصابون في إناء واحد ولكن هذه المرة عبر الأبريق الذي بالتأكيد يحول دون تكرار غسل الأيدي في ماء واحد.. وهذه الطريقة بسيطة، وصحيح أن مجتمعنا السوداني كان يحفل بالكثير من هذه الظواهر والعادات السلبية، لكننا قضينا عليها بالتعليم من خلال نقض تلك العادات وتصحيح المفاهيم عبر المنهج الدراسي وأشدد هنا على دور المنهج الدراسي في تصحيح المفاهيم ومحاربة العادات السلبية، خصوصاً أن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر وبدون ذلك فتبقى ضئيلة، وبدون التثقيف المعرفي المبكر لن تجد المشكلة البيئية طريقها للحل.