العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث والأكاديمي الاقتصادي د. عدنان الصنوي ل«الجمهورية»:
يمكننا الاستفادة من منظمة التجارة العالمية بإلغاء إجراءات الحماية والدعم ورفع الضريبة عن المنتجات المستوردة
نشر في الجمهورية يوم 24 - 05 - 2013

في غمرة طغيان المشهد السياسي بأحداثه السريعة التوالي والتغيّر على بقية المشاهد اليمنية المختلفة التي تكاد تكون غائبة تماماً مع أنها لا تقل أهمية عن السياسة إن لم تكن أكثر أهمية مثل المشكلة الاقتصادية التي يرى ضيف حوارنا أنها أحد أهم العوامل لإنجاح كل الحلول والمخرجات للمشاكل الوطنية بدرجة رئيسة.. اشتغال ضيف هذا الحوار كباحث أكاديمي على قضايا التنمية الاقتصادية الشاملة، ودراسة تجاربها المختلفة، ومواكبة برامجها التطورية التلاحقية مكّنته من قراءة واقع الاقتصاد اليمني ومدى توافر السمات الرئيسة لاقتصاد السوق الحر فيه، وما الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الوطني عند تطبيق أسلوب اقتصاد السوق، وكيفية تجنُّب الضرر بالاستفادة من فرص إجراءات الحماية والدعم التي تقدمها منظمة التجارة العالمية؟.. وعن عشرات من علامات الاستفهام التي تغيب عن بال الجميع من أعلى هرم السلطة إلى قاع المجتمع يضع الدكتور عدنان الصنوي، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة صنعاء، ورئيس مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستشارات القانونية أصابعه فوق أوجاع الاقتصاد والاستثمار في سوق نماذج العلاج الذي يجب الإسراع في تناوله عبر مشاريع انتاجية يمكن الابتداء بها للنهوض بالاقتصاد اليمني، مؤكداً أهمية تعزيز ثقافة الاستثمار كثقافة اجتماعية، وكيفية تحقيق التوازن الاقتصادي بين الإيرادات والنفقات، وضرورة اعتماد الإرادة السياسية على مواصفات الاقتصاد الآمن.. حوار لا غنى عنه لكل المعنيين ممن يبحثون عن مداخل لفهم سؤال الاقتصاد اليمني، وممكنات الاجابة عنه..
لم يغب الاقتصاد عن القضايا المطروحة أمام مؤتمر الحوار الوطني؛ بل إنه يمثّل محوراً ضمن المحاور التسعة للمؤتمر ؛لكن إلى أي مدى تستطيع اللجنة الخاصة بهذا المحور أن تضع البنى اللازمة لممكنات الانتعاش الاقتصادي؟.
أولاً: أوجّه جزيل الشكر لكافة محرّري وموظفي مؤسسة صحيفة «الجمهورية» وتحديداً للأخ رئيس مجلس الإدارة الأستاذ سمير اليوسفي الذي استطاع بحرفية ومهنية أن يواكب التحولات الوطنية، جاعلاً من صحيفة «الجمهورية» منبراً رسمياً أستطيع أن أقول إن هذا المنبر لا يختلف كثيراً عن المنابر الصحفية الرسمية في البلدان المتقدمة، حيث تقوم دُور النشر بدور مزدوج من وإلى، أي أنها في حين تغطي أخبار المؤسسات الرسمية في الدولة للمجتمع؛ تنقل في ذات الوقت خطاب المجتمع الذي يصوغه إعلامه أو همومه ورؤاه عبر هكذا حوارات واستطلاعات هي بمثابة العين التي تنقل للدولة واقع المجتمع، وأعتقد أن «الجمهورية» استطاعت أن تقوم بهذا الدور من بين كل الصحف سواء الرسمية أم الحزبية أو الأهلية الأخرى.
ثانياً: من المبكر تقدير ما ستسفر عنه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بشأن موضوع الاقتصاد الوطني، لهذا يجب ألا يغيب عن بال المتحاورين والقيادة السياسية وجميع المعنيين بأمر هذا البلد، ومستقبل هذا البلد أن مكمن الحل لجميع المشكلات اليمنية المزمنة هو في إيلاء الجانب الاقتصادي كل الاهتمام لكونه يمثّل الجذر الرئيس لفشل كل التحولات اليمنية على مدى نصف قرن.
عندما قامت ثورة 26 سبتمبر كانت أول مشكلة واجهتها هي المشكلة الاقتصادية، بعد انتصار ثورة اكتوبر وتحقيق الاستقلال وقفت المشكلة الاقتصادية من أول يوم أمام الدولة الناشئة، دولة الوحدة 1990م اصطدمت بالمشكلة الاقتصادية، وقامت ثورة 11فبراير ضد الأوضاع المختلفة في البلاد، وتأكد أن أول من سيحد من سرعة تلبية مطالبها هي المشكلة الاقتصادية، وعلى الجميع أن يعرف أنها التحدّي الأول من بين كل التحديات.
إننا منذ فترة طويلة وتحديداً منذ عقد ثمانينيات القرن الماضي والاقتصاد اليمني يعاني مشكلات عدة «التضخم، والبطالة، وانخفاض الدخل القومي الذي نتج عنه انخفاض نصيب الفرد الواحد من ذلك الدخل» إضافة إلى فشل عملية الاستثمار فضلاً عن اللوائح التنظيمية التي استمرت الدولة تضعها، ناهيك عن الإشكالية الضخمة المتعلقة بدور كل من القطاعين العام والخاص في القيام بعملية التنمية الاقتصادية، وناهيك عن سوء توزيع الدخول والثروات بين أفراد المجتمع اليمني، هذه كلها عوامل عملت على تثبيط همم الاستثمار، وبوجود البيئة الاقتصادية والاستثمار يفجّر المجتمع طاقاته في الانتاج، وبغيابها يُخلق الفراغ الذي لا يمكن ملؤه بغير انتهاج خيارات الانتفاضات أو الصراعات التي تنتهي غالباً بحروب أهلية وتمزقات وتشظيات اجتماعية، وهكذا دواليك.
إن أحد أهم العوامل لنجاح كل الحلول والمخرجات للمشاكل الوطنية بدرجة رئيسة هو رهن الانتعاش الاقتصادي.
السمات الرئيسة لاقتصاد السوق الحر
طيب أين يقف الاقتصاد اليمني اليوم على ضوء السمات الرئيسة لاقتصاد السوق، أو الاقتصاد الحر؟.
سأبدأ الإجابة عن السؤال من شقه الأخير؛ أي من السمات الرئيسة لاقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر الذي يسمّى أحياناً «اقتصاد الدول الرأسمالية الحرة» وما يميّز هذا النظام أو من سماته الرئيسة هو الحرية الاقتصادية التي تعني ابتعاد الدولة عن تنظيم الحياة الاقتصادية وانحسار دورها على القيام بنشاطات الأمن الداخلي والدفاع عن البلد، والقيام بالنشاطات السياسية الخارجية، وتوفير بعض الخدمات الضرورية للسكان، كتوفير الطاقة والمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم الأساس، وأن ينفرد القطاع الخاص بمزاولة النشاطات الاقتصادية سواء عن طريق الشركات أم الأفراد، وأن تكون السوق هي المحدد لفعالية وربحية النشاطات الاقتصادية بتأثير تيارات العرض والطلب داخل السوق، دون تدخُّل الدولة لحمياتها وتنظيم نشاطاتها توخياً لتحقيق المنافسة المتكافئة بين المؤسسات الاقتصادية داخل السوق.
وتنفيذاً لهذا التوجه أصبحت المنظمات الدولية وخاصة منظمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تشترط للحصول على عضويتها والاستفادة من نشاطاتها أن تلتزم الدولة بعدم تطبيق القيود على حركة انتقال السلع ورؤوس الأموال فيما بينها وبين الدول الأخرى مثل إجراءات الدعم وإجراءات حماية الاقتصاد الوطني التي تشمل الرسوم الجمركية وإجراءات منع الاستيراد وحصص الاستيراد في سبيل توفير المنافسة المتكافئة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الدول الأخرى، ومن الدول التي تطبق هذا النظام حالياً الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي، واليابان، وكندا واستراليا، لهذا تتجه الكثير من دول العالم نحو تطبيق اقتصاد السوق وفق الصيغ التي تأخذ بها الدول المتطوّرة بعد فشل الأنظمة الاشتراكية، والمصاعب الكثيرة التي تعانيها الدول النامية جراء تطبيق إجراءات الحماية وتدخُّل الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية.
تطبيقات اقتصاد السوق الحر على الاقتصاد اليمني
السؤال الذي يُثار هنا على ضوء السمات التي ذكرتها هو هل ينبغي تطبيق نهج اقتصاد السوق وفق الصيغ التي تطبّقها الدول المتطورة عندنا في اليمن في الوقت الحاضر؟.
قبل الإجابة عن هذا السؤال دعني استكمل الإجابة عن الشق الأول من السؤال الأول «واقع الاقتصاد اليمني حالياً» واقع الاقتصاد اليمني في الوقت الحاضر يعاني مشاكل مستعصية، وكل قطاعاته المنتجة شبه معطلة؛ عندك القطاع الزراعي الذي يعتبر المصدر الرئيس لتوفير الأغذية للسكان والمواد الأولية ذات الأصل الزراعي للصناعة والذي يعتمد على موارده أكثر من ثلث السكان؛ أصبحت أراضيه الصالحة للزراعة تقل وتتضاءل بشكل سريع بسبب مشاكل شحة المياه والتملح والتصحر وهجوم شجرة القات على الأراضي الزراعية، والمزارع اليمني أصبح في الغالب عاجزاً عن مواجهة هذه المشاكل بإمكانياته المالية والتكنولوجية الشحيحة، فضلاً عما يعانيه من ارتفاع كلّف عناصر الإنتاج في السوق المحلية، وإزاء هذه المنافسة الشديدة للسلع الزراعية المستوردة تدهور الإنتاج الزراعي واضطر الكثيرون من المزارعين إلى العزوف عن الإنتاج الزراعي والهجرة إلى المدن أو العمل في المؤسسات الحكومية أو غيرها من مجالات العمل غير الزراعي.
القطاع الصناعي أيضاً ليس بأفضل حال من القطاع الزراعي؛ إذ إن أغلب المؤسسات الصناعية إما متوقفة عن العمل كلياً، أو أنها تعمل بظروف صعبة للغاية نتيجة تقادم أجهزتها التكنولوجية وارتفاع تكاليف إنتاجها، وهي بسبب هذه المصاعب الإنتاجية أصبحت هي الأخرى عاجزة عن منافسة السلع الصناعية المستوردة التي تحظى بمزايا النوعية الجيدة وانخفاض تكاليف الإنتاج، علاوة على هذه الحالة المزرية لمختلف القطاعات الإنتاجية يضاعف تفاقم البطالة معاناة الاقتصاد اليمني؛ فعدد العاطلين يتجاوز 40 % من السكان الراغبين في العمل، بينما تتجاوز البطالة المقنعة 60 % من العاملين فعلاً، وازدياد نسب البطالة يمثّل انعكاساً لتردّي حالة المؤسسات الإنتاجية؛ لأن الإنتاج هو المصدر الرئيس لتشغيل القوى العاملة، فمن هنا يبدو واضحاً أن تطبيق أسلوب اقتصاد السوق وفقاً للنموذج الذي تطبقه الدول المتطورة الذي يعني إلغاء إجراءات الحماية والدعم وفتح الأسواق على مصراعيها إزاء السلع المستوردة سوف يفضي إلى منافسة الإنتاج الوطني والقضاء عليه.
حماية الاقتصاد الوطني
هل تقصد أنه عند تطبيق أسلوب اقتصاد السوق يجب أن تتدخُّل الدولة لحماية الاقتصاد الوطني؟.
هذا صحيح؛ لأن الدول المتطورة التي تتوافر في اقتصاداتها الإمكانات المادية والتكنولوجية ومزايا الإنتاج الكبير تستطيع بكل سهولة الاستثمارات الوطنية تحقيق المزايا والفوائد عند تطبيق إجراءات اقتصاد السوق بعكس الدول الفقيرة، في الدول الغنية تنتفي الحاجة إلى تدخُّل الدولة لحماية الإنتاج الوطني، أو أن تضحّي الدولة بأموالها لإسعاف المؤسسات الضعيفة، لأن الأفضل عندها هو أن تترك المؤسسات الضعيفة الساحة لمن هي أفضل منها، وأن تذهب إلى مجالات اقتصادية أخرى تستطيع فيها أن تحقّق المزايا التي تساعدها على الوقوف بوجه منافسة الآخرين، أما في الدول الفقيرة فإن الحاجة تبقى قائمة إلى تدخُّل الدولة لحماية إنتاجها الوطني.
ألا يعني هذا أن تطبيق أسلوب اقتصاد السوق في اليمن سيلحق ضرراًً بالاقتصاد الوطني؟.
هذا في البداية وهو بدهي وسيكون وضعاً عابراً غير ثابت أو دائم؛ لأن الأمر هنا لا يتعلّق باقتصاد متطور ، وإنما ببلد فقير هو اليمن الذي تعرّض طيلة العقود الماضية لفشل إداري، كما لم تتمخّض فترة ما بعد ثورة الشباب 2011م عن تحسن ملموس في عملية الإنتاج بسبب غياب الأمن وتفشي الإرهاب وتعثر عملية التنمية الاقتصادية، بل إن وضع الإنتاجين الزراعي والصناعي ازداد سوءاً بسبب إلغاء إجراءات الحماية وتقليص إجراءات الدعم وفتح الأسواق على مصراعيها أمام السلع المستوردة التي راحت تنافس الإنتاج الوطني وتقضي عليه كما أشرنا توّاً، وإزاء هذه المصاعب التي يعانيها الإنتاج الوطني اليمني ليس ثمة بديل أمامنا في الوقت الحاضر غير العودة إلى تطبيق إجراءات الحماية الاقتصادية المتمثلة بزيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة وغيرها من إجراءات الحماية مقابل السلع المنافسة للمنتجات الوطنية الزراعية والصناعية، والأخذ بتطبيق إجراءات الدعم الاقتصادي المختلفة، والاستفادة من مميزات اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تعطي فرصاً للدول الأقل نمواً ببعض المميزات.
ما هي هذه الفرص التي يمكن أن تستفيد اليمن منها؟.
بحسب ما أعرف أنه سبق أن أثير نقاش بشأن تطبيق إجراءات الحماية والدعم بشأن موقف المنظمات الدولية وبصورة خاصة موقف منظمة التجارة العالمية الذي طالب الحكومة اليمنية في السنوات الأخيرة بإلغاء إجراءات الدعم، أو رفع الضريبة على المنتجات المستوردة، وهذا الموضوع وغيره من إجراءات الحماية والدعم هو من الفرص التي يمكن لليمن الاستفادة منها، وأعتقد أنه كان ولايزال قابلاً للتفاوض مع إدارة المنظمات الدولية، وقد اقترن هذا التفاوض بالتفهم لظروف اليمن الاقتصادية الحالية.
جوانب النهوض والتطوّر الاقتصادي السريع
ما هو المطلوب من الدولة ومن حكومة الوفاق أو التي ستأتي لاحقاُ لتقوم به في هذا الجانب؟.
كما سبق أن أشرت ظروف اليمن الاقتصادية حرجة جداً في الوقت الحاضر، وما اتسمت به من تدهور الإنتاج اليمني وتعثره في الفترات السابقة، ولتحقيق النهوض والتطور الاقتصادي السريع يتطلب من الدولة أو من حكومة الوفاق أو التي ستليها التدخُّل لتنظيم الحياة الاقتصادية بتوسيع دورها في عملية التنمية، وتشجيع الاستثمار من خلال إعداد خطط التنمية الاقتصادية القصيرة الأمد والطويلة الأمد، والحرص على تنفيذ بنودها لأن إعداد الخطط الاقتصادية وتنفيذها هي الوسيلة الأكثر فعالية سواء في تطوير المؤسسات الاقتصادية القائمة ومعالجة مشاكلها وتزويدها بالتكنولوجيا الحديثة أم في إقامة المشاريع الاقتصادية الصناعية والزراعية والخدمية الحديثة ذات الأثر الكبير في تحقيق النمو والنهوض الاقتصادي والاجتماعي نظراً لضعف إمكانيات القطاع الوطني الخاص في إقامة مثل هذه المشاريع في المرحلة الراهنة، ومن الجوانب ذات الأثر الكبير والسريع في تحقيق النهضة الاقتصادية وتطوير القطاع الخاص في آن واحد هو قيام الدولة بإنشاء المشاريع الاقتصادية، ثم المبادرة إلى بيعها على القطاع الخاص، وخاصة بيعها إلى العاملين في هذه المشاريع بعد اكتمال انشائها ونجاحها في الإنتاج، وهذا النموذج في التنمية واحد من عوامل تطور الاقتصاد الياباني واعتمدته دول عديدة، حيث تقوم الدولة بإنشاء المشاريع الزراعية النموذجية بالقرب من المدن، والتي تقوم على أساس التكامل الزراعي الصناعي، والاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة كاستعمال المعدّات الزراعية الحديثة، وأساليب الري بالرش والتنقيط وغيرها من الأساليب العلمية الزراعية، واستغلال أراضي المشروع في زراعة الأعلاف والفواكه والخضروات والمحاصيل إلى جانب القيام بتربية الأغنام والأبقار والدواجن، ثم القيام بتصنيع منتجات المشروع عن طريق إقامة مشاريع صناعية صغيرة داخل المشروع لإنتاج البيض واللحوم والألبان وتعليب المنتجات الزراعية، ولا يخفى دور مثل هذه المشاريع الانتاجية في تجهيز المدن بالمنتجات الزراعية ذات النوعيات الجيدة، وكذلك تشغيل عدد غير قليل من العمال المهرة وخريجي كليات الزراعة والبيطرة، كما أن المبادرة إلى بيعها فيما بعد إلى العاملين في المشروع أو إلى الشركات المساهمة أو المحدودة؛ سوف يسهم في توسيع دور القطاع الخاص وتعزيز موقعه في القطاع الزراعي، فضلاً عن دورها في إنجاز عملية الإرشاد الزراعي للفلاحين في المناطق المحيطة والقريبة من موقع هذه المشاريع، ولغرض تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية السريعة ومعالجة مشاكل الاقتصاد الوطني المتعددة، وفي سبيل استغلال الموارد الاقتصادية المعطلة بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة ومزايا الانتاج الكبير؛ لابد من الاستثمارات الأجنبية لما تمتلك من امكانيات مالية وتكنولوجية وتسويقية هائلة يعجز الاقتصاد اليمني بقطاعيه الحكومي والخاص عن توفيرها.
دكتور أنت تتحدث هنا عن جوانب النهوض؛ فما هي عوامل النجاح الأساسية التي يجب على الدولة القيام بها؟.
عوامل النجاح الأساسية للتجارب الناجحة تبدأ من توفير المناخ الاستثماري الملائم، وعناصر هذا المناخ هي: تشريع قانون الاستثمار وقوانين العمل, وإصلاح النظام المصرفي المحلي وبما يتلاءم مع النظم المصرفية العالمية الحديثة والربط معها وتسهيل حركة الأموال من وإلى داخل البلد, والقضاء على الفساد الإداري والبيروقراطية ومحاربتها بشكل دؤوب؛ لأن الفساد والبيروقراطية كالعُقدة والمنشار بالنسبة للاستثمار, وفتح التنافس النزيه للكل سواء للشركات الأجنبية أم الإقليمية أو المحلية, وتوفير عنصر الشفافية في التعاملات الاقتصادية بالأسواق المالية والمرافق الاقتصادية والاستثمارية والتي ستعطي الثقة للمستثمرين بجذبهم إلى الاستثمار في البلاد، وما سيترتب على ذلك من تشغيل الأيدي العاملة واستقرارها، يجب بناء أنظمة الأسواق وقوانينها على قواعد راسخة من التشريعات المحققة لأعلى مراتب الشفافية وأقصى درجات الإفصاح التي تكفل تحقيق العدالة بين المتداولين فيها، ويجب توفير المناخ الكافي للمستثمرين الكبار سواء أكانوا شركات محلية أم إقليمية أو أجنبية والذين لديهم الخبرة والقدرة على تنفيذ المشاريع العملاقة والضخمة والذين عادة ما تكون الدولة في أمس الحاجة إلى خبراتهم وكفاءتهم والتزامهم بجداول العمل وتسليمهم المشاريع بالمواعيد المتعاقد عليها دون تأخير؛ وكذلك توفير المناخ والأجواء المناسبة التي تهم الشركات الصغيرة والجديدة ذات الإمكانية المحدودة التي ترغب باستثمار أموالها بمشاريع صغيرة تتناسب وإمكانياتها، وعلاوة على ما سبق هناك ما يسمى بثقافة الاستثمار، وهي من العوامل الأساسية المهمة في النهوض بالاستثمار، وثقافة الاستثمار تحتاج إلى حملات إعلامية مدروسة ومنسّقة تغطي جميع المحاور التي تتعلق بعالم الاستثمار, فمثلاً الأفراد الذين يرغبون في استثمار أموالهم كما قلنا في مشاريع صغيرة ستجد أن نصفهم يتجه إلى الاستثمار في مشاريع تقع ضمن تخصصه كالمهندس مثلاً يتاجر بالعقارات، وفني التكييف يتاجر بأجهزة التكييف، وهذا شيء سائد ومعروف؛ ولكن الأمر الذي يذهلك أنك ستجد النصف الآخر قد استثمر أمواله في مشاريع لا تقع ضمن تخصصه ولم يسبق له العمل بها ولا يملكون معلومات كافية, ولكن الفكرة ليست أن تستثمر في مجال تخصصك أو تستثمر بمجال ليس تخصصك؛ بل الفكرة هي أنك حين تستثمر أموالك بقطاع معين عليك في كلتا الحالتين ان تقوم بعمل دراسة جدوى لهذا المشروع وان تثقف نفسك في مبادئ الاستثمار قبل البدء بأي مشروع جديد، فالأمر أوسع قليلاً من ان تضع مالك فقط في المشروع.
تتحدث وكأن ليس ثمة بيئة ولا وعي للاستثمار في اليمن؟!.
للأسف الشديد هذا هو الواقع المؤلم الذي يفرض علينا بقوة أن نسرع ونحث الخطى في ضرورة إيجاد البيئة الملائمة التي تركز على تنمية وتعزيز روح المبادرة الفردية وتنمية المهارات الإدارية والفنية, وكيفية توليد الأفكار الاستثمارية من البيئة المحيطة والموارد الطبيعية والمهارات المحلية والتقنية والمعارض والندوات والمعلومات والأخبار المنشورة وبيانات الاستيراد والتصدير وغير ذلك من الأنماط التي يمكن الاستفادة منها في توليد أفكار المشاريع, وكيفية تقييم الأفكار في مراحلها الأولى, وكيفية تقييم الأفكار بعد تنقيتها واختيار المناسب منها، وأي الأفكار التي يبدأ بها المستثمر, علماً أن هذه المؤسسات أسهمت في تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي وفي توفير أعداد مناسبة من فرص العمل في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما وحتى في الشرق الأوسط كالإمارات وتركيا على سبيل المثال لا الحصر، لذا لابد من إعطاء القطاع الخاص أهمية ومشاركة فعالة في قضية الاستثمار من خلال إزالة الفوارق ودعم المثقفين لهذا القطاع المهم؛ مع التأكيد على ضرورة إلمام المثقف بالأمور الاقتصادية بغية إنجاح عملية الاستثمار.
لكن هنالك فرقاً بين ثقافة الاستثمار ، ودور المثقفين في دعم الاستثمار؟.
ما أقصده هو أن نتعامل جميعاً مع عملية الاستثمار بشكل عقلاني وواقعي بحيث نعرف جميعاً المجتمع ونُخبه وكافة مكوناته ونتفق على هدف وكيفية مشتركة.
تقصد أنه يجب تحديد الهدف من الاستثمار، والكيفية التي تحقق ذلك الهدف؟.
طبعاً لأن الهدف من الاستثمار هو إنماء وزيادة المداخيل والرأسمال؛ أما الكيفية لذلك فتأتي عن طريق تعلُّم المهارات اللازمة لتحقيق الربح وزيادته ودرء مخاطر الخسارة, ومواكبة القضايا الاقتصادية المعاصرة، وإبراز القدرات المحلية وتواصلها مع الخبرات الإقليمية والعالمية لتطوير الرؤية الاستثمارية داخل البلد، وسبل تطويرها والاستفادة من القدرات الوطنية، ورفع مستوى الثقافة الاستثمارية لدى المواطنين بمشاركتهم الكوادر العلمية الوطنية والإقليمية والعالمية مع أصحاب الخبرة الاقتصادية لوضع رؤية جيدة للاستثمار, وتطوير البناء المؤسسي والفني والإداري للهيئة العامة للاستثمار، سواء في المكتب الرئيس أو في هيئات الاستثمار في العاصمة أو في المحافظات أو في الأقاليم وتحويلها إلى هيئة كاملة النمو قادرة على نحو أكثر فاعلية في الترويج والتسهيل للاستثمار في مختلف القطاعات, وعمل برنامج خاص للترويج للاستثمار مع تحديد الاحتياجات الفنية اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج, وإجراء مجموعة من الدراسات والتي منها دراسة في مجالي الاستثمار والتجارة ودراسة أخرى للقطاعات الواعدة وتحديد فرص الاستثمار الواعدة وطريقة الترويج لها واستثمارها على نحو أفضل, وعمل حملات توعية محلية لبناء ثقافة الاستثمار كما أشرت سابقاً، وخلق البيئة الاجتماعية الواعية والمتفاعلة مع الاستثمار عبر إبراز الفوائد المتعددة للاستثمارات التي ستعود على المجتمع والتنمية برمتها, وإدراج منهج استثماري، وتوفير بيئة متكاملة ومتلازمة من التشريعات والاستحقاقات والمحفزات وتكوين مفهوم منهجي موحد لتبادل المصالح والمنافع من جدوى الاستثمار وتحقيق الأهداف الوطنية ومشروعية حقوق المستثمرين، وتركيز الاطمئنان على (الجدوى الاقتصادية) وسهولة الحصول على التراخيص والأراضي والمواقع الجغرافية المغرية، لاسيما ونحن نعمل في بيئة ينقصها الكثير من البنى التحتية التي تؤثّر على تكاليف الاستثمار والإنتاج، والإنتاجية والربحية, والقيام بتجيير جميع الأراضي باسم هيئة الاستثمار وما يفيض عن حاجة هيئة الاستثمار يعطى للبلدية أو للمالية, وتجنب السلبيات التي تؤخر عمليات الاستثمار.
إلى متى ستبقى هذه السلبيات؟.
«وهو يبتسم» هذه السلبيات التي لا حصر لها ستبقى قائمة ما بقيت الإدارات الحكومية الكفؤة والنزيهة غائبة، إلى جانب غياب الإجراءات الموثقة والمبسطة والواضحة والشفافة والسريعة في الإدارات الحكومية ذات العلاقة, وغياب المنهجيات المالية الدقيقة والواضحة والمبسطة والسريعة, وإلغاء القوانين السابقة المعطلة للعملية الاستثمارية, وتحريك الأموال المخصصة للاستثمار وعمل محفزات اقتصادية نافعة للبلد داخل العملية الاستثمارية كالإعفاءات الضريبية مثلاً والتي تمتد إلى قرابة ال 15 عاماً إذا كان لدى المستثمر الأجنبي شريكاً يمنياً، وهذا الأمر يمكن أن يحرّك رؤوس الأموال المحلية وكذلك الأيدي العاملة التي ستكتسب خبرات واسعة من خلال عملها في تلك المشاريع, فضلاً عن وضع الضوابط الخاصة بالمستثمرين والمتضمنة حقوقهم وكيفية تطبيقها وفق ما ورد في القوانين؛ كذلك إيجاد وفتح قنوات التعاون مع الهيئات الاستثمارية في الخارج بقصد تبادل الخبرات وجذب المستثمرين, وتوسيع قاعدة الاستثمار، وأكرر على أهمية نشر وتعزيز ثقافة الاستثمار في الشارع اليمني؛ وحتى المسؤولين الحكوميين كثقافة اجتماعية جديدة نحو ماليزيا التي جعلت الرساميل العالمية تفضلها على دول جنوب شرق آسيا.
الإرادة السياسية ومواصفات الاقتصاد الآمن
من المعني الأول هنا في مثل الظروف التي تمر بها البلاد؟.
لا أستثني أحداً من هذه المسؤولية؛ الشعب بكافة مكوناته المختلفة؛ غير أن المبادرة يجب أن تأتي أولاً وقبل أي شيء آخر من وجود الإرادة السياسية القوية التي ستضطلع بمثل هكذا مهمة للتصدي الجاد والمخلص لتفادي المعوقات، والضعف الاقتصادي السائد في جميع المجالات مثل الزراعة والتجارة والصناعة والمطارات والموانئ والطُرق والمياه والكهرباء والمواصلات, وتوفير كافة المستلزمات التي تمكنه من أن يحقّق تقدماً وازدهاراً، وأن ينتقل من خانة الاقتصاد المتخلف والمُقعد إلى خانة الاقتصاد النامي والقادر.
تستطيع الإرادة السياسية إذا ما أرادت الوصول بالاقتصاد اليمني إلى شط الأمان، اعتماد مواصفات تدعى في علم الاقتصاد بالمواصفات الآمنة أو مواصفات الاقتصاد الآمنة، وهي مواصفات أقل ما يمكن القول عنها إنها توفر المسار الآمن للاقتصاد اليمني للسير قدماً بالنهوض والنمو والتطور لاحقاً, وأهم هذه المواصفات هي توفير الفكر الاقتصادي السديد والواعي, والانتقال من حالة النزاع إلى إعادة التأهيل، ومن هذه المواصفات، الانتقال إلى اقتصاد حر موجّه نحو النمو يقوم على تخطيط سليم، وتنفيذ دقيق للمشاريع, وبنية تحتية اقتصادية قوية وكاملة ذات قدرة قوية على امتصاص الصدمات والأزمات الاقتصادية والتكيُّف معها محلياً وإقليمياً وخارجياً, وتوسيع في مصادر الدخل, وثبات واستقرار في السياسات الاقتصادية والمالية, وتوفير مجال مفتوح للقطاع الخاص والاستثمار الخارجي.
هنالك نستطيع الانتقال بالاقتصاد اليمني إلى مرحلة متقدمة من التخطيط ألا وهي الرؤية المستقبلية للاقتصاد والتي يجب أن تمثّل استراتيجية العمل الوطنية للمرحلة التالية للتنمية الوطنية، ويجب علينا تمكين الاقتصاد اليمني من تحقيق تحول استراتيجي فلا يبقى معتمداً على الإنفاق الحكومي وعلى الموارد النفطية وإنما ينتقل إلى طور آخر أفضل وأشمل وتنويع اقتصادي يجد قواعده المتينة الراسخة في المبادرات الخاصة والعمالة المحلية المتدربة والموارد المتجددة المتنامية وبحيث يؤدّي كل ذلك إلى رفع مستوى المعيشة للمواطنين اليمنيين وضمان استفادتهم أينما كانوا في مختلف المناطق من ثمار عملية التنمية.
في هذا السياق ما هي الأسس التي يجب أن تستقيم عليها الرؤية المستقبلية للاقتصاد اليمني واستراتيجية العمل التجاري في المرحلة القادمة ؟.
سؤال في غاية الأهمية، أهم هذه الأسس تتلخص في تحقيق التوازن الاقتصادي بين الإيرادات والنفقات، والقضاء على أي عجز يمكن أن يظهر في الموازنة العامة للدولة، والعمل على ترشيد الإنفاق، وتنمية وتطوير الإيرادات النفطية, وتوفير إطار اقتصادي شامل مستقر بالعمل, وتقوية التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل، من خلال تنمية القطاعات الإنتاجية القابلة للتصدير، وتنمية قطاع خاص كفوء وفعال، وتشجيعه للقيام بدور أكبر في الاقتصاد الوطني, وتنمية الموارد البشرية وزيادة كفاءتها عبر النهوض بسياسات التعليم العام والجامعي، والتأهيل والتدريب المهني، وتعزيز دور المرأة في سوق العمل، وإعداد كوادر قادرة على التعامل مع التقنية الحديثة، وتشجيع القطاع الخاص، ومشاركة المرأة في القوة العاملة، وإزالة الحواجز التي تعترض طريقها، حيث إن مشاركة المرأة تسهم بشكل إيجابي في التنمية, فالاقتصاد اليمني حالياً يرتكز على أسس الاقتصاد الحر، وقد استطاع خلال السنوات القليلة الماضية رغم العوائق الهائلة دعم قدراته الذاتية والتفاعل مع مختلف التطورات الإقليمية والدولية والاستفادة من إيجابيتها، والحد من سلبيتها بقدر الإمكان، ويجب فتح قطاعات الاتصالات والموانئ والصناعة والسياحة وغيرها أمام الاستثمار الأجنبي، ويجب إيلاء القطاع المالي والمصرفي الأهمية الكافية من أبرز قطاعات الاقتصاد الوطني ليس فقط لأنه يتفاعل تأثيراً وتأثراً بمختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى، ولكن أيضاً لأن لهذا القطاع تأثيراته الاجتماعية التي تمتد إلى مختلف شرائح المجتمع بشكل مباشر وغير مباشر من خلال المهام التي تقوم بها مختلف المؤسسات والهيئات المالية وما يترتب عليها من نتائج اقتصادية واجتماعية, ويجب أن يحظى هذا القطاع باهتمام مبكر ومتواصل لتحقيق نقلة نوعية ضخمة قانونية وتنظيمية وهيكلية وعلى نحو يجعل منه واحداً من أكثر القطاعات تطوراً وكفاءة وقدرة على التفاعل الإيجابي والسريع مع مختلف التطورات المحلية والإقليمية والدولية من ناحية، والأخذ بأسباب الاندماج المتزايد في الاقتصاد العالمي من ناحية ثانية، وسن النظم والقوانين والإجراءات التي تؤدّي إلى تعزيز الثقة في النظام المالي والمصرفي اليمني.
سؤال لم نسألك إياه؟
أسئلة كثيرة؛ لكن في النهاية أود أن أوصي حكومة الوفاق الوطني أو الحكومات التي ستأتي بعد ذلك بتشكيل لجان فنية تابعة لمجلس الوزراء على غرار ما قامت به كل من الصين وماليزيا، وعدد من الدول التي حقّقت قفزات نوعية وبسرعة قياسية لجان مهمتها رسم السياسات الاقتصادية، والتخطيطية، والمتابعة... إلخ، مهمة هذه اللجان الفنية القيام بدراسة الخطط والبرامج الاقتصادية والاستثمارية المقدمة من الجهات الرسمية، والأهلية، وإبداء الرأي لمجلس الوزراء بالموافقة عليها أو رفضها، ناهيك عن أن هذه اللجان ستكون بمثابة عين الحكومة على مدى إثبات وجود أية خطة من الخطط على الأرض من عدمها، وعلى متابعة سير تنفيذها بعد الموافقة عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.